إسلام ويب

تفسير سورة القصص (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سورة القصص من أكثر سور القرآن الكريم تناولاً لتفاصيل قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، فقد تناولت هذه السورة سيرة موسى عليه السلام منذ ولادته، مروراً بنشأته في بيت فرعون، إلى أن شب وقوي عوده، وجاء فرعون وقومه برسالة التوحيد، ثم خروجه بمن آمن معه من بني إسرائيل، ولبثه فيهم من بعد محاولاً تقويم اعوجاجهم، وإصلاح سيرتهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع فاتحة سورة القصص المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من فاتحتها ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:1-6].

    كلام أهل العلم في الحروف المقطعة في أوائل السور

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: طسم [القصص:1]، هذه تكتب هكذا: (طسم)، لكن تقرأ: طاء سين ميم، وهي من الحروف المقطعة، وقد جاءت في القرآن في أكثر من عشرين سورة، فمنها الأحادية، نحو: (ن) (ق) (ص)، ومنها الثنائية: (طه) (يس) (طس)، ومنها الثلاثية: (الر)، ومنها الرباعية: (المر)، وأهل العلم مجمعون على قولهم: الله أعلم بمراده منها، ولذا الله أعلم من كل أحد بمراده من هذه الحروف، وقال فيها بعض القائلين بكلام وأخطئوا، لكن لا قيمة للخطأ، إذ لا يتناول ولا يعطى.

    الحروف المقطعة وما فيها من التحدى ولفت الانتباه لسماع القرآن

    وهنا لطيفة مما فتح الله به علينا قد قررناها مئات المرات:

    أولاً: لما كان العرب في مكة يمنعون سماع القرآن، إذ صدر أمر سلطانهم للمواطنين أن يمتنعوا عن سماع ما يقرؤه محمد أو أبو بكر أو عمر أو عثمان، ولما اتخذوا هذا القرار كانت هذه السور تنزل مفتتحة بهذه الحروف: (كهيعص) (طسم)، فيضطر السامع إلى أن يصغي ويسمع؛ لأنه لم يسمع مثل هذا النغم من قبل أبداً، فإذا أصغى وسمع دخل نور القرآن في قلبه وأخذ يسمع، وشاهده من كتاب الله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، أي: إذا قرءوا صيحوا بالألفاظ المختلفة حتى لا ينتقل هذا إلى قلوب السامعين.

    ثانياً: تحدى الله عز وجل العرب بالإتيان بمثل هذا القرآن فعجزوا، وذلك كما في سورة بني إسرائيل، إذ قال تعالى وقوله الحق: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وهذا خبر إلهي أيأسهم، أي: قل لهم يا رسولنا! لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، ثم تحداهم بعشر سور كما جاء في سورة هود عليه السلام، إذ قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13]، أي: ما دمتم تدعون أن محمداً يفتري ويكذب من عنده فائتوا بعشر سور من مثله مفتريات، ووالله ما استطاعوا ولن يستطيعوا، وأخيراً تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة كما جاء في سورة البقرة المدنية: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24]، إذاً، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، أي: الجاحدين المنكرين.

    مرة أخرى: يقول لهم: هذا القرآن الذي ادعيتم وقلتم فيه كذا وكذا هو مؤلف من هذه الحروف: (طسم) (المر)، فألفوا مثله إن استطعتم، ولو كانت هذه الحروف غير عربية لا تنطقون بها لكنتم محقين، لكن القرآن مؤلف من هذه الحروف: (ن) (ق) (يس) (طه)، فألفوا مثله، فعجزوا وما استطاعوا.

    إذاً: لا نفسر (طسم) بمعنى: القرن أو كذا من السنين كما يقول المبطلون، وإنما الله أعلم بمراده منها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088539328

    عدد مرات الحفظ

    777207928