إسلام ويب

تفسير سورة القصص (6)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أقام موسى عليه السلام في مدين عشر سنين، حسب اتفاق حصل بينه وبين صاحب مدين الذي زوجه إحدى ابنتيه على ذلك، فلما انقضت السنين خرج موسى بأهله متوجهاً إلى مصر، وفي طريقه مر بالطور ودخل الوادي المقدس، فجاءه النداء العظيم بالنبوة والرسالة، ففتحت بذلك صفحة جديدة في حياته عليه السلام.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة القصص المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص:25-28].

    فضيلة الحياء عند النساء المؤمنات

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من قَصَّ هذا القصص؟ إنه الله جل جلاله وعظم سلطانه، على من قُصَّ هذا القصص؟ على عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فما فائدة هذا القصص؟ فائدته أن يقوى إيمان المؤمنين، وأن تزيد تقواهم لرب العالمين، وأن يأخذوا بالآداب التي تسعدهم في دنياهم وأخراهم.

    وقد سبق أن بينا بالأمس أن موسى عليه السلام لما توجه إلى ربه قال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24]، واستجاب الله دعاءه فجاءت ابنة شعيب عليه السلام تدعوه لأبيها، إذ قالت: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25]، ومشى معها، وكانت تلك اللطيفة وهي: لما عبثت الريح بخمارها وانكشف بعضها قال لها: امشي ورائي ودليني على الطريق بحصى ترمينها أمامي، وكان كما قال تعالى من شأن هذه الفتاة: تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25]، وقال عمر: إنها ليست سلفعاً، لا ولاجه ولا خراجة، ونبهنا وبلغنا أنه لا يحل للمرأة أن تظل خارجة من بيت داخلة آخر، إذ هذا من المذموم الذي لا ينبغي، والولاجة هي كثيرة الولوج، والخراجة هي كثيرة الخروج، فتخرج وتعود من بيت إلى بيت، أو من سوق إلى سوق، أو من دكان إلى دكان، فهذا الوصف والله ذميم، ولا ينبغي للمؤمنة الربانية وأمة الله الصالحة أن تخرج عن هذا النظام الإلهي، بل لا تخرج من بيتها إلا لضرورة تستدعي خروجها.

    ثم وصل موسى إلى نبي الله شعيب وقص عليه القصص فقال: إني كنت في حجر أو في قصر الملك فرعون، وشاء الله عز وجل أن أجد قبطياً يتشاجر مع إسرائيلي يريد أن يقتله، فهممت لأنقذه فقتلت القبطي، ثم أصبحت أتخوف من هذا الفعل الذي ارتكبته، وسألت ربي أن يغفر لي فغفر لي، ومررت في يوم من الأيام بقبطي آخر يقاتل هذا الإسرائيلي، فهممت بالإسرائيلي وقلت له: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص:18]، فما كان من القبطي إلا أن بلغ الخبر للملك فرعون، ومن ثم بعث رجاله يبحثون عني ويطلبوني في المملكة، وشاء الله عز وجل أن يسخر لي مؤمناً من مؤمني آل فرعون يأتيني ويقول لي: إن القوم يطلبونك فاخرج من هذه الديار، فخرجت ونزلت بدياركم ديار مدين، وكان الحكم في مدين للكنعانيين لا لفرعون.

    كرم شعيب ومروءته وشهامته في تطمين موسى وإكرامه وإيوائه

    فأجابه شعيب نبي الله عليه السلام بقوله: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:25]، وهذه تعرف عندنا الآن -نحن المعاصرين- بما يسمى بسياسة اللجوء السياسي، أي: لجأ من دولة إلى دولة فاحتضنته ووعدته بأن تحفظه ولا تسلمه لأعدائه، نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:25]، وأما وصفه لفرعون بالظلم فلأنه كان شديد الظلم، فأولاً: أنه كان كافراً، وثانياً: أنه ادعى الألوهية والربوبية، وثالثاً: أنه فعل العجب في المؤمنين المسلمين من الإسرائيليين.

    استضافة شعيب لموسى وموقف موسى من ذلك

    وهنا لطيفة وهي: لما قال قدموا له طعاماً وقالوا: تفضل يا موسى! كل واشرب، فاعتذر موسى عن ذلك وقال: نحن من قوم أو إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهباً، فقال له شعيب: ليس هذا بعوض السقي الذي سقيته لابنتي، وإنما هذه ضيافة منا، ونحن نستضيف ونطعم الضيوف، ومن ثم أكل وشرب، ففي البداية خاف أن يكون قد أطعموه مقابل السقي الذي سقاه للفتاتين منذ يومين، فأبى أن يأكل وقال: نحن أمة أو قوم لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهباً، فأعلمه شعيب عليه السلام بأن هذه ضيافة، ونحن نضيف الضيوف ونكرمهم، وليس هذا من باب السقي أبداً، فمن ثم أكل وشرب عليه السلام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088539433

    عدد مرات الحفظ

    777208517