إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الذين يكذبون بآيات الله، ويعصون أنبياءه وأهل التقوى والصلاح من عباده، أولئك الذين كتب الله عليهم الخسران في الدنيا، والشقاء في الآخرة، حيث يعرضون على النار، فيبحثون عما ينجيهم من حرها وسعيرها، من حسنات وأعمال طيبات، فلا يجدون في رصيدهم إلا الكفر والعناد، والمعاصي والسيئات، فويل لمن خفت موازينه، وأغواه عن الحق والهدى قرينه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فها نحن مع سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:17-20].‏

    عموم الآية وبيان ما روي فيمن نزلت فيه

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأحقاف:17] الآية عامة، ولكن بعض أهل العلم من السلف يقولون: نزلت في عبد الله بن أبي بكر الصديق ، وبالأمس كان الصديق يدعو: رب أصلح لي ذريتي، فلا عجب أبداً أن يكون ابن أبي بكر قبل دخول الإسلام ينكر البعث والجزاء والدار الآخرة كسائر المشركين، ولا مانع أن يحتج بمن مضى من المشركين ممن عرفهم، ومع هذا فالآية عامة تتناول أصحابها في الزمن الأول والزمن الحاضر والآتي ممن وقف هذا الموقف.

    قال تعالى: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ [الأحقاف:17] أي: لأمه وأبيه، أُفٍّ لَكُمَا [الأحقاف:17] لماذا؟ لأنهما يدعوانه إلى التوحيد، إلى الإيمان، إلى عبادة الله، إلى ترك الفسق والفجور، فيرد عليهما بعنف وشدة: أف لكما، لماذا؟ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ [الأحقاف:17] أتعدانني أن أخرج بعد موتي حياً لنحاسب ونجزى بعملنا هذا؟ وهذا قول الملاحدة والعلمانيين والمشركين، يقولون: هذا ليس من الحضارة في شيء، وليس من العلم في شيء، هذا جهل وبداوة!

    قال: أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي [الأحقاف:17] أمم مضت ما عاد ولا واحد منها. وهل قيل لهم: أنتم تعودون الآن؟ فالعودة بعد نهاية هذه الدورة، حين تنتهي هذه الحياة تماماً، حينئذ نعود من جديد، أما الذين يموتون اليوم فما يعودون أبداً، لو عادوا لما كانت الحكمة في الحياة والموت، وهذا فهم سيئ وباطل.

    معنى قوله تعالى: (وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق)

    قال تعالى: وَهُمَا [الأحقاف:17] أي: الأب والأم يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ [الأحقاف:17] ليهدي ولدهما ويدخل في الإسلام ويطيب ويطهر ويدخل الجنة معهما، ومعنى (يستغيثان): يطلبان الله عز وجل أن يهدي ولدهما الذي قال لهما: أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي [الأحقاف:17]، يقول هذا كل علماني مشرك شيوعي، ويقولونه الآن أيضاً، وهكذا.

    وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ [الأحقاف:17] ويلك، ستهلك، آمن! هكذا الوالدان الصالحان -الأم والأب- يقولان: وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [الأحقاف:17] فلا بد أن تحيا، لا بد أن تحاسب، لا بد أن تجزى -والعياذ بالله تعالى- بكفرك وفسقك وفجورك، لا تكذب وعد الله، لا بد من الحياة الثانية بعد نهاية الأولى.

    دلالة الآية الكريمة على إيمان البشرية قديماً بالبعث

    قال تعالى: فَيَقُولُ [الأحقاف:17] هذا الملحد العلماني الكافر: مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأحقاف:17]، هذا الذي تدعوان إليه وتطالباني به ما هو إلا حكايات قديمة مسطرة مكتوبة يتناقلها الناس.

    وهنا لطيفة علمية حضرتني: وهي أن البشرية ما نفت وجود الله أبداً؛ لأنهم يتوارثون الإيمان من آدم جيلاً بعد جيل، كذلك عقيدة البعث والجزاء كانت بين الأمم لا تنسى، كل زمان فيه من يؤمن بذلك، يتوارثونه، عقيدة أن الدار الآخرة حق وأن الجزاء يتم فيها، وأن هذه الحياة تنتهي، هذا أيضاً قديم بين الأمم، فالأمة قد تكون كافرة لكن ما تكذب بالبعث، فلهذا قال: مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأحقاف:17] فمعناه: أنهم يتناولونه ويتبادلونه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518933

    عدد مرات الحفظ

    777082887