إسلام ويب

تفسير سورة التحريم (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من رحمة الله عز وجل وعظيم حكمته أنه سبحانه يخرج الحي من الميت، ويخرج المؤمن من كنف الكافر، وعكسه صحيح، وقد ضرب الله مثلاً لهذا وذاك بامرأة نوح وامرأة لوط وامرأة فرعون، فقد كان نوح ولوط نبيين ورسولين لكن زوجتيهما لم يدخل نور الإيمان قلبيهما فبقيتا على الكفر والضلال، وأصابهما ما أصاب الظالمين من قومهما، أما فرعون الذي امتلأ قلبه ظلمة وفجوراً فقد أخرج الله من بيته امرأة مؤمنة، فنجاها الله من فرعون وعمله وأسكنها جنته بفضله ورضوانه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: ها نحن مع خاتمة سورة التحريم المدنية المباركة، ومع هذه الآيات الأربع، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:9-12].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جلّ ذكره: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التحريم:9]، هذا النداء الإلهي موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يشمل من يحكم المسلمين ويسوسهم، فهو كذلك يجب عليه أن يقوم بهذا الواجب. فهذا الخطاب موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام كان يجاهد، فإذا توفاه الله فمن حلّ محله وقام مقامه من حكام المسلمين يطالبون بهذا الطلب، وكذلك فعلوا، فقد جاهد أبو بكر وجاهد عمر، وجاهد عثمان وجاهد علي، وجاهد الأصحاب وأبناؤهم حتى انتشر الإسلام في العالم، وقد فعلوا هذا امتثالاً لقوله تعالى: جَاهِدِ الْكُفَّارَ [التحريم:9].

    معنى الكافر

    الكفار جمع كافر، وهو الجاحد إما لألوهية الله كمشركي العرب، وإما لربوبيته كالملاحدة والعلمانيين، وإما لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإما لشرعه ودينه. فكل جاحد كافر، ولو جحد أحد السامعين وقال: إن محمداً ليس برسول كفر، ولو جحد أن هذه الآيات ليست من كلام الله كفر، وهكذا. فكل من جحد من شرع الله شيئاً فهو كافر؛ لأن الكفر هو: الجحود والتغطية. وعندنا اليوم في السيارة نسمي العجلة: الكفرة؛ لأنها تغطي ما بداخلها. فكل من جحد ما شرع الله فهو كافر جاحد مغطٍ للحق.

    كيفية جهاد المنافقين

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [التحريم:9]. والمنافقون هم الكفار، وهم معروفون من اليابان إلى أمريكا، والمنافقون يكونون موجودين بيننا، ويدعون أنهم مسلمون، ويقولون: إننا مسلمون، وقد يشهدون معنا الصلاة والجهاد، وهم ما آمنوا بالله ولا بلقائه، وما آمنوا بالله ولا برسوله، ولا آمنوا بالله ولا بشرعه. وهؤلاء المنافقون كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة، وكانوا من العرب واليهود، وكانوا يدعون الإسلام، فأمر الله رسوله أن يجاهدهم بأن يبذل الطاقة والقدرة على هدايتهم، وردهم إلى الصواب والرجوع بهم إلى الإيمان والإسلام، وأن يقيم الحدود عليهم في المدينة، ويغلظ لهم القول، ولا يلينه لهم أبداً؛ لعلهم يرجعون ويتوبون، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله ما قصر في هذا، فقد امتثل أمر الله وفعل.

    نصيحة لحكام المسلمين أن يتوحدوا

    يبقى على المسئولين على الأمة الإسلامية أنه يجب عليهم أن يجتمعوا في الروضة الشريفة، أو يجتمعوا في الكعبة المكرمة، وهم ثلاثون شخصاً أو أربعون، ويبايعون إماماً منهم؛ ليكون إماماً المسلمين، ويقدم لهم الدستور الإسلامي الجامع للعقيدة والآداب، والأخلاق والعبادات والأحكام، ويطبقه المسلمون في بيوتهم وفي بلادهم، ومن ثمّ يصبحوا أمة قوية قادرة، ثم يخاطبون الدولة الكافرة ويقولون: تدخلون في الإسلام أو نقاتلكم، فإن لم تدخلوا في الإسلام فاسمحوا لنا أن ندخل دياركم، وننشر الإسلام بين أفرادكم، فإن قالوا: نعم، فندخل ولا نقاتلهم، وإن رفضوا وقالوا: لا نريد الإسلام ولا من يقول به عندنا فحينئذٍ يعلن الحرب عليهم ويقاتلون؛ حتى يسلموا ويستسلموا. هذا هو الواجب.

    الواجب على المسلمين اليوم الدعوة لا الجهاد

    من لطائف العلم: أننا في هذه الظروف لو اجتمع المسلمون فلا يقاتلون الكفار؛ لأن بلاد الكفار مفتوحة للإسلام من اليابان والصين إلى أمريكا وأوروبا، فالمساجد والدعوة إلى الله موجودة فيها، والناس يدخلون في الإسلام والله العظيم. وفرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد، وبريطانيا فيها كذا، وحتى إيطاليا، وحتى أسبانيا التي حاربت الإسلام ومسحته.

    فالواجب إذاً: أن تتكون لجنة عليا من العالم الإسلامي، وتفتح كلية في المدينة النبوية أو في مكة المكرمة، وتضع منهجاً خاصاً لتعليم الدعوة ونشرها، ويتخرج الطالب منها بعد سنتين فقط، وتنشر المسلمين الدعاة في العالم بأسره. ونفقة هذه اللجنة ومالها تجمعه من زكاة المسلمين. فيعلنون أيما مؤمن أو مؤمنة وجبت عليه الزكاة فعليه أن يعلم أن سبعها يجب أن يقدم لهذه اللجنة، ويعلن هذا في بلاد المسلمين في الشرق والغرب، فمن وجبت عليه زكاة فسبعها يضعه في صندوق الدعوة، وبذلك نصبح قادرين على أن نرسل الآلاف من الدعاة في الشرق والغرب بلغات متعددة، ونكون قد أدينا هذا الواجب، وجاهدنا الكفار، وأدخلناهم في الإسلام، ويدخلون في الإسلام. وننشر هذا في رسالة. ولكنهم ما فعلوا شيئاً. فيجب أن يتحد المسلمون، وأن يبايعوا إماماً لهم، وأن يطبقوا شرع الله في دستور يقدم لهم، وإذا كانوا جهلاء ما يعرفون فقد بينا الدستور وكتبناه، وبينَّا ماذا فيه، فيقدم لهم ويطبقونه على إخوانهم المسلمين. وما هي إلا أربعين يوماً وإذا أنوار الله تلوح في العالم الإسلامي، ثم يفتح الله الباب ويدخل المسلمون بلاد الكفر، ويدعون إلى الله، ويبنون المساجد، ويدخل الناس في الإسلام نساء ورجالاً. وقبل أمس صلينا على بريطاني مات في المدينة.

    إذاً: على الرابطة والندوة الإسلامية أن يكونوا لجنة عالمية إسلامية، فتجمع سبع الزكاة من كل مؤمن ومؤمنة في كل قرية وفي كل حي، ويجب على المسلمين أن يدفعوا هذا السبع، وينشئون كلية تشتمل على ألف طالب إلى خمسمائة، ويتخرج كل عامين مجموعة، ويبعثون بهم على نفقاتهم إلى الصين .. إلى اليابان .. إلى الأمريكيتين، وبذلك نكون قد خلفنا رسول الله، وقمنا بما كان يقوم به رسول الله.

    هكذا يقول تعالى هنا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التحريم:9]. فمأواهم الذين يأوون إليه ويصيرون إليه بعد موتهم والله جهنم. فـ بِئْسَ الْمَصِيرُ [التحريم:9] جهنم يصير إليها الإنسان الآدمي، أي: أن يدخل جهنم، ويخلد فيها أبداً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088547392

    عدد مرات الحفظ

    777255277