قال الشارح: [ من هداية هذه الآيات: أولاً: بيان جلال الله وعظمته مع عزه وحكمته في تسبيحه من كل المخلوقات العلوية والسفلية، وفي إجلاء بني النضير من ديارهم، وهو أول حشر، وإجلاء تم لهم، وسيعقبه حشر ثان وثالث ]، والحشر الثاني لما أجلاهم
عمر رضي الله عنه، والثالث سيكون إن شاء الله على أيدينا، وذلك لما يأتي يوم يسلم فيه المسلمون فتكون دولة واحدة، ونظام واحد، وعند ذلك والله ليسلطنكم عليهم، ولا يبقى يهودي واحد، واليهود يعرفون هذا أكثر منكم، ويدلكم على ذلك أنهم الآن يزرعون شجر الغرقد، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن شجر الغرقد هو شجر اليهود، وهذا الشجر لما يجيء يهودي وراءه لا يقول: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله، ولذلك هم الآن يعنون عناية كاملة بزراعة شجر الغرقد والحفاظ عليه.
قال: [ ثانياً: بيان أكبر عبرة في خروج بني النضير، وذلك لما كان لهم من قوة، ولما عليه المؤمنون من ضعف، ومع هذا فقد انهزموا شر هزيمة، وتركوا البلاد والأموال ورحلوا إلى غير رجعة، فعلى مثل هذا يتعظ المتعظون، فإنه لا قوة تنفع مع قوة الله، فلا يغتر العقلاء بقواهم المادية، بل عليهم أن يعتمدوا على الله أولاً وآخراً ].
قال: [ ثالثاً: علة هزيمة بني النضير ليست إلا محادتهم لله والرسول ومخالفتهم لهما، وهذه سنته تعالى في كل من يحاده ويحاد رسوله؛ فإنه ينزل به أشد أنواع العقوبات ].
قال: [ رابعاً: عفو الله تعالى على المجتهد إذا أخطأ وعدم مؤاخذته ]، وهذه لطيفة علمية، فإذا اجتهد إنسان وأخطأ فالله ما يؤاخذه؛ لأنه اجتهد وأراد بذلك طاعة الله وطاعة رسوله، فإن ما أصاب يعفو الله عنه، وذلك كالذين قطعوا النخل اجتهاداً منهم فقد عفا الله عنهم، ولذلك من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر اجتهاده.