إسلام ويب

تفسير سورة الدخان (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن القرآن الكريم هو دستور أمة الإسلام، أنزله الله عز وجل على محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فهو خير كتاب أنزل على خير نبي، وكان إنزاله من اللوح المحفوظ عند رب العزة في ليلة مباركة، هي خير ليلة في العام، ألا وهي ليلة القدر إحدى ليالي شهر رمضان، فكانت ليلة رحمة، نزل فيها كتاب الهداية والرحمة، على محمد بن عبد الله نبي الرحمة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن الليلة مع سورة الدخان المكية، وهي من آل حم، وورد في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة ولكنها ضعيفة، والمستحسن منها هو: ( من تلاها يوم الجمعة أو ليلة الجمعة بنى الله له بيتاً في الجنة )، فمن الآن إن شاء الله نأخذ في قراءتها يوم الجمعة في بيوتنا، في بيوت ربنا، في طرقنا ذاهبين آيبين، ما نتركها؛ لأنها بشرى لنا ببيت في الجنة، هذا بالنسبة لمن يحفظها غيباً، والذي لا يحفظها غيباً ويحسن قراءتها في الكتاب يقرؤها في المصحف، والذي لا يحسن أمره إلى الله، ندعو له بالخير.

    وها نحن مع هذه الآيات التسع، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ [الدخان:1-9].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: حم [الدخان:1] ما معنى حم؟ الله أعلم بمراده به، ومثل (حم)، (طسم)، (الم)، (المر)، (ن)، (ق)، (ص)، (يس).. هذه الحروف المقطعة الصحابة ومن بعدهم إلى اليوم يقولون: الله أعلم بمراده بها. يفوض أمر فهمها إلى الله، هذا الذي ينبغي.‏

    جذب أسماع المشركين للقرآن الكريم بالحروف المقطعة

    وهناك لطيفتان علميتان ذكرناهما عند دراسة كل حرف من هذه الحروف:

    أولاهما: لما كان العرب لا يريدون أن يسمعوا القرآن، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، إذا سمعتم محمداً يقرأ أو أبا بكر أو عمر ، فصيحوا أنتم بأعلى أصواتكم حتى ما يسمع السامعون القرآن، خشية أن يتسرب الإيمان إلى قلوبهم فيؤمنوا، هكذا فعلوا.

    فكانت هذه الحروف المقطعة التي ما سمعوا بها ولا عرفوها في لغتهم تجعلهم يضطرون إلى أن يصغوا ويسمعوا، إذا أخذ القارئ يقرأ: كهيعص [مريم:1] فلا بد أن يسمع، هذه الحروف ما سمعوا بها، ولا نطقوا بهذا الكلام، فيصغي، فأفادت هذه الحروف هذه الفائدة العظيمة، عطلت ذلك الحكم الباطل الذي صدر منهم، وهو ألا نسمع، فإذا بهم يضطرون إلى السماع ويسمعون، وإذا أصغى العربي الذي نزل القرآن بلغته ليستمع يدخل النور في قلبه ويؤمن. هذه لطيفة.

    ثبوت تحدي العرب في المجيء بمثل القرآن المؤلف من حروف نطقهم

    والثانية: لقد تحدى الله العرب بأن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، فتحداهم بعشر سور، فوالله! لقد عجزوا، فتحداهم بسورة واحدة فعجزوا، هذا الكلام الذي أعجزهم مؤلف من هذه الحروف: طسم، كهيعص.. مؤلف من هذه الحروف وعجزتم؟ إذاً: قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله هو الذي أنزل هذا القرآن والذي نزل عليه هو رسول الله، لولا أنه رسوله فلن ينزل عليه كلامه وكتابه، فيتقرر بذلك معنى: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حكم الحلف بغير الله تعالى

    ثم قال تعالى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الدخان:2] أقسم الله عز وجل، وهل الله يقسم؟ أي نعم، من أجلنا، فطبيعتنا وفطرتنا وغرائزنا أننا ما نصدق الخبر إذا أخبرنا به إلا إذا حلف المخبر، سواء كنا جهالاً أو علماء، في الأولين أو الآخرين، هذه فطرة في الإنسان، ما يقبل الخبر إلا إذا أكدته باليمين.

    فالله يقسم بما يشاء، حتى بالتين والزيتون وطور سينين، ولكن الإنسان عبد الله لا يحل له أن يحلف إلا بالله، الإنسان لا يحل له ولا يجوز له أن يحلف بغير الله أبداً، لا بأم ولا أب ولا كعبة ولا بيت ولا مصحف ولا نبي، لا يجوز لنا أن نحلف إلا بربنا، فنقول: والله، أو بالله، أو تالله، أو: ومن رفع السماوات ومن بسط الأرض، ومن خلقنا، ومن رزقنا.. فهي أيمان بالله وصفاته.

    أما أن تحلف: وحق فلان، والنبي، والكعبة، ورأسك، ورأس أمي؛ فهذا -والله- شرك من أنواع الشرك؛ لأن الذي تحلف به سويته مع الله، فالله يُحلف به، فسويت مخلوقاً مثل الله، أليس هذا هو الشرك؟ أشركت هذا في عظمة الله.

    إرشاد الحالف بغير الله لغلبة اللسان

    معشر المستمعين والمستمعات! اعلموا أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف إلا بالله، ومن تعود الحلف بغير الله فماذا نصنع معه؟ ما هو العلاج؟

    العلاج بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطبيب الحكيم، إذ كانوا في الجاهلية يحلفون باللات، بالعزى، بمناة، يحلف بها ستين سنة، ودخل في الإسلام اليوم، فما يستطيع أن ينساها، ففجأة يقول: واللات، فوضع الحبيب صلى الله عليه وسلم علاجاً لهذه الفتنة، فقال: ( من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله )، فيمحو ذلك الإثم الذي تعلق بقلبه، فليقل: لا إله إلا الله، آمنت بالله، فيزول ذلك الإثم ويمحى، هذه الكلمة تمحوه، وكلمة الحلف بغير الله هي التي ألصقته بالقلب وأثبتته فيه، فلما قال: لا إله إلا الله، آمنت بالله؛ انمحى وزال، فهذا بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومعه مسألة أخرى: فأهل مكة كانوا متعودين على القمار، ما لهم مزارع ولا مصانع، التجارة فقط، فكانوا يلعبون القمار، فما ينتبه المرء المسلم منهم حتى يقول: تعال أقامرك، بعد ذلك ينتبه أنه مسلم، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من قال لأخيه: تعال أقامرك فليتصدق ) بدينار بدرهم بحفنة تمر ليزول ذلك الإثم، فهذا هو الطبيب الحكيم.

    فإن جرى على لسانك: تعال ألعب معك القمار، فتصدق بصدقة، -أية صدقة صغيرة أو كبيرة- تمح هذا الإثم والعياذ بالله.

    المراد بالكتاب المبين

    فقوله تعالى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الدخان:2] ما المراد من الكتاب؟ القرآن العظيم، ولا بأس أن تقول: التوراة والإنجيل وكل ما كتب، لكن هنا القرآن الكريم، الكتاب المبين أي: المبيّن لكل ما تتوقف السعادة عليه، القرآن المبين المبيّن للعقيدة، للآداب، للأخلاق، للقضاء، للأحكام الشرعية، للجنة، للنار.. لكل ما نريد أن نعرفه، واقرأ القرآن تعرف كل هذا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521868

    عدد مرات الحفظ

    777104484