قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء؛ حيث أقسم تعالى على ذلك ].
أول هداية هذه الآيات التي تدارسناها بفضل الله: تقرير عقيدة البعث والجزاء؛ إذ أقسم الله على ذلك بأربعة أيمان على أنه لا بد من البعث الآخر، لا بد من الجزاء على العمل في هذه الدنيا.
[ ثانياً: تقرير عقيدة القضاء والقدر في قوله تعالى:
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
[الذاريات:9] ].
من هداية هذه الآيات: تقرير عقيدة القضاء والقدر، والقضاء: الحكم، والقدر: ما قضاه الله يكون كما قدره.
يقدر طول الإنسان، عمره، غناه، شقاء، سعادته.. كل ذلك مقدر مكتوب، دلت عليه هذه الآية لما قال تعالى:
يُؤْفَكُ عَنْهُ
[الذاريات:9] ويصرف عن الإيمان بيوم القيامة
مَنْ أُفِكَ
[الذاريات:9] في كتاب المقادير، وقد بينت لكم أن الإنسان قبل أن يخلقه الله وقبل أن يخلق الدنيا عرفه الله وكتب اسمه وعمله وسعادته وشقاءه، وحين يخرج إلى الدنيا ويأتي في وقته ما كتب له يتم كما هو، ويبقى السؤال: لم يعذبه أو يدخله الجنة؟
الجواب: لأنه طلب منه أن يعمل كذا ويعتقد كذا وكذا، فإن استجاب باختياره رحمه وأدخله الجنة، وإن رفض ذلك وآثر الشرك والكفر وما يغضب الله أدخله النار.
[ ثالثاً: لعن الله الخراصين الذين يقولون بالخرص والكذب ويسألون استهزاء وسخرية لا طلباً للعلم والمعرفة للعمل ].
لعن الله عز وجل الخراصين، ومن لعنه الله والله! لا يسعد، لا بد من شقائه الأبدي، من هؤلاء الذين لعنهم الله؟ الكذابون، المبطلون، الذين يحرفون شرع الله ودينه ليضلوا الناس كما هم ضالون والعياذ بالله تعالى.
قال المؤلف في الهامش: [ هنا ذكر القرطبي موعظة عجباً، وهي: أن رجلاً يقال له: صبيغ بلغ عمر عنه أنه يسأل عن تفسير مشكل القرآن فقال: اللهم أمكني منه، فدخل الرجل على عمر يوماً وهو لابس ثياباً وعمامة وعمر يقرأ القرآن، فلما فرغ قام إليه الرجل وقال: يا أمير المؤمنين! ما الذاريات ذرواً؟ فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده، ثم قال: ألبسوه ثيابه واجعلوه على قتب وأبلغوا به أهله ثم ليقم خطيباً فليقل: إن صبيغاً طلب العلم فأخطأ. فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم ].
هذه القصة حاصلها أن رجلاً كان يتعالى ويتطاول ويقول: ما الذاريات هذه؟ فبلغ ذلك عمر ، فجاء إليه فجأة، فسأل عن الذاريات: ما الذاريات؟ فما كان من عمر إلا أن رفع ثيابه وجلده وأركبه فقال: اذهب إلى أهلك، وكان خطيباً، ومنعه أن يخطب في الناس.
وفائدة هذا: أنه إذا فهمت معنى آية فاحمد الله وقل: فهمت، فإذا ما فهمت فلا تتطاول، لا تكذب الله، لا تقل: لماذا هذا؟ فالله أقسم بالذاريات، والذاريات: الرياح فهمت أو لم تفهم، ما هو شأنك أنت، لكن الذي يتعجب أو يحاول أن يصرف الناس عن الحق يستحق هذا الضرب والجلد، فجلده عمر وبعث به إلى أهله.
قال: [ وأخرى، وهو أن ابن الكواء سأل علياً رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! ما الذاريات؟ قال: ويلك! سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً ].
هذا ابن الكواء جاء إلى علي فقال له: ما الذاريات يا علي ؟ فأدبه علي أيضاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.