إسلام ويب

تفسير سورة الفتح (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم دخول مكة مع من معه من الصحابة لأداء العمرة منعه أهل مكة من ذلك، فأرسل إليهم الرسول رجالاً من أصحابه ليفاوضوهم، وممن بعثه إليهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبينما عثمان في مكة سرت بين الناس شائعة بأنه قتل، فما كان من النبي إلا أن جمع أصحابه للبيعة، فاجتمعوا عند شجرة الرضوان وبايعوا الرسول على الموت، فأنزل الله آيات يمدح فيها موقفهم هذا، ويعدهم المغانم والأجر العظيم جزاء إيمانهم وصدقهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن مع سورة الفتح المدنية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات منها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا * وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا * وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الفتح:18-24].

    خبر بيعة الرضوان

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح:18-19].

    علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مع ألف وأربعمائة رجل من المدينة بعدما استنفر من يخرج معه، فما خرج إلا هذا العدد، خرج لماذا؟ لأداء عمرة في السنة السادسة من بعد وقعة الخندق.

    فلما نزل بالحديبية راسل المشركين في مكة، فبعث خراش بن أمية الخزاعي وأركبه بعيره المسمى ثعلب، وذهب إلى مكة ليخبر أبا سفيان ورجال مكة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء للعمرة لا للقتال ولا للحرب، فما كان من المشركين إلا أن عقروا بعير الرسول صلى الله عليه وسلم، وحاولوا قتل الرجل إلا أن الله نجاه بواسطة الأحابيش -جماعات من كل قبيلة- دفعوا عنه السوء حتى عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثم لما عاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث رسولاً آخر إلى قريش، فعرض على عمر فاعتذر عمر وقال: ما عندي من يحميني في مكة من بني عدي، ولكن أرى عثمان أولى بهذا، وبالفعل خرج عثمان بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم سفيراً إلى قريش بمكة، لما وصل قريباً من مكة وجده أحد الرجال فاعتنقه ورحب به، وأركبه دابته فجعله أمامه احتفالاً به، ونزل وذهب إلى أبي سفيان ورجال مكة، فقالوا له: طف بالبيت يا عثمان ، فقال: لا أفعل هذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتألموا لذلك وحبسوه كذا يوماً، فلما حُبس عن رسول الله أُشيع أنهم قتلوا عثمان.

    هنا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاله إلى البيعة على قتال المشركين، وبالفعل قاموا تحت تلك الشجرة الواسعة الكبيرة وبايعوه على القتال، ولم يتخلف إلا الجد بن قيس منافق كبير، كان مختبئاً مستتراً بناقته، ما بايع ولا حضر البيعة؛ لأنه من أهل جهنم، منافق مات على نفاقه.

    إذاً: فتمت البيعة كما أخبر تعالى، فرضي الله عنهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:18] الصادقين في إيمانهم الكمل في إيمانهم من أبي بكر وغيره إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، في الوقت الذي كانوا يبايعونك على قتال المشركين، والبيعة معروفة تحت الشجرة.

    سبب قطع عمر شجرة بيعة الرضوان

    وهنا لطيفة: هذه الشجرة من شجر السمر، وعمر رضي الله عنه لما تولى الخلافة بلغه أن بعض الناس يجلسون تحتها، ويأتون للتبرك بها، فأمر عمر بقطعها فاجتثت من أصولها، لم هذا يا عمر ؟ حتى لا تعبد مع الله، فهناك أجيال آتية يعمها الجهل والضلال، لو بقيت تلك الشجرة لبيعت الورقة بدينار، وهذه سنة عمر قام بها عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود تغمده الله برحمته، فكل الآثار التي حفظت وحميت من أجل أن تُعبد من دون الله في ديار الحجاز بالمملكة أزالها.

    وفي هذه الأيام قام عالمان من الكويت ينددان بالحكومة السعودية وعلمائها لم لا تبقي الآثار للرسول وأصحابه، وهو جهل مركب، والله! لقد عُبدت أشجار بالآلاف، عبدت قباب بالآلاف، عبدت قبور، عبدت آثار، هذه آثار سيدي فلان، فمن الحكمة والعلم والمعرفة ألا نبقي شيئاً يفتن الناس عن ربهم ويصرف قلوبهم عن مولاهم، ويأخذون يعبدون غير الله.

    هذه سنة عمر رضي الله عنه، لما بلغه أو شاهد المارين ينزلون تحتها ويدعون أمر بقطعها فقطعت إلى الآن، وهي في الحديبية قريبة من مكة.

    معنى قوله تعالى: (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً)

    لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:18] من الإيمان واليقين والصدق فيما عاهدوا رسول الله عليه، ألا وهو قتال المشركين حتى الاستشهاد أو الانتصار، إذاً: فكافأهم الله فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ [الفتح:18] ذهب الروع والخوف والارتعاد، بل ثبتوا وأصبحوا شجعاناً وأبطالاً لو هاجموا المشركين لقتلوهم.

    وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18] وقد علمنا أنه فتح خيبر، أعظم فتح، فغنائم خيبر لا حد لها، فتح سيأتي بعد سنتين وهو فتح مكة؛ لأن هذه الأحداث تمت في السنة السادسة في شهر ذي الحجة، ثم دخل محرم وفي آخره خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خيبر في السنة السابعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522422

    عدد مرات الحفظ

    777110797