والآن مع هداية الآيات.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: بيان حكم المحصر، وهو من منع من دخول المسجد الحرام وهو محرم بحج أو بعمرة؛ فإنه يتحلل بذبح هدي ويعود إلى بلاده، ويذبح الهدي حيث أحصر، وليس واجباً إدخاله إلى الحرم ].
من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: بيان حكم المحصر، وهو من يخرج محرماً إلى مكة، وأثناء مسيره في طريقه يتعطل فيتوقف حيث يمنعه مانع، فهذا المحصر ماذا يصنع؟ يأتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحديبية، أما خرجوا بالإبل أو لا؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان معه سبعون بعيراً، وعكفوها وربطوها عندهم وهم محرمون، فلما منعوا من دخول مكة واتفقوا على أن يعودوا إلى المدينة ماذا فعلوا؟ نحروا هديهم وحلقوا رءوسهم وتحللوا ولبسوا لباسهم، وعادوا إلى المدينة، فهذا الحكم عام، فأيما مؤمن يلبي ويخرج ويتجاوز الميقات محرماً، ثم يحدث له حادث يمنعه من الدخول إلى مكة فماذا يصنع؟ يتحلل وعليه هدي يذبحه، سواء في مكة أو في غيرها، ليس بشرط أن يكون في مكة، ويتحلل أخذاً بهذا الحكم في هذه الآيات.
قال: [ بيان حكم المحصر، وهو من منع من دخول المسجد الحرام وهو محرم بحج أو بعمرة ]، والمراد من المسجد الحرام مكة بكاملها، [ فإنه يتحلل بذبح هدي ويعود إلى بلاده، ويذبح الهدي حيث أحصر، وليس واجباً إدخاله إلى الحرم ]، فلو أمكن إدخاله أدخله لأهل مكة، ولكن إذا ما أمكنه فلا شيء عليه، يذبحه حيث أمكن.
فإن كان محرماً وليس معه هدي وأحصر وجب عليه هدي يذبحه مكانه، فإن عجز وما استطاع فإنه يصوم عشرة أيام.
[ ثانياً: الأخذ بالحيطة في معاملة المسلمين حتى لا يؤذى مؤمن أو مؤمنة بغير علم ].
هذه لطيفة سياسية علمية: الحيطة والاحتياط للحفاظ على المسلمين، قال مالك رحمه الله: سفينة فيها مؤمنون وكافرون، فهل يجوز لنا أن نضرب السفينة التي فيها الكافرون ومعهم مؤمنون؟ لا يجوز، نحتاط لهم.
أو حصن كبير عظيم فيه جيش من الكافرين وفيه مسلمون، فهل نضربه وندمره بما فيه من المؤمنين؟ الجواب: لا، هكذا يقول مالك مستدلاً بهذه الآية؛ لأن الله عز وجل لم يسمح للرسول والمؤمنين أن يغزوا مكة، من أجل ماذا؟ لوجود مسلمين ومسلمات فيها، خشية أن يؤذوا ويقتلوا.
فلو كان هناك مسلمون في سفينة مع كافرين والكافرون حرب علينا ونحن أعداؤهم نريد قتلهم فلا نضربهم، نتربص حتى يخرجوا وينجوا، وكذلك إذا كانوا في حصن من الحصون.
ومع هذا إذا كان العدد قليلاً وكان هناك ضرورة في هدم هذا الحصن وإلا فسينتصر علينا الكافرون فقد يجوز، نتوكل على الله ونفوض أمرنا إليه ونضرب هذا الحصن؛ لأنه إذا ترك للمشركين هزمونا وانتصروا علينا، فلا بد من ضربه.
[ ثالثاً: بيان أن كلمة التقوى هي لا إله إلا الله ].
فإذا قيل لك: عليك بكلمة التقوى، أتعرف ما هي كلمة التقوى؟ هي لا إله إلا لله، تتقي بها عذاب الله في الدنيا والآخرة، في الدنيا لا يقتلك المسلمون لأنك مسلم، وفي الآخرة لا تدخل النار لأنك مؤمن، هي كلمة التقوى.
والتقوى هي اتخاذ وقاية تقينا من عذاب الله، هذه الوقاية التي تقينا من عذاب الله بعد الإيمان هي طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل الأوامر وترك النواهي، بفعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، بهذا تتم التقوى، والله يقول:
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
[يونس:62]، وكأن سائلاً يقول: من هم أولياؤك يا رب؟ فقال تعالى:
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
[يونس:63] يتقون عذاب الله، سخط الله، بم يتقونه؟ هل بالحصون، بالجيوش، بالأموال؟ بطاعة الله وطاعة رسوله، بفعل أوامر الله ورسوله، وترك نواهيهما.
[ رابعاً: الإشارة إلى ما أصاب المسلمين من ألم نفسي من جراء الشروط القاسية التي اشترطها ممثل قريش ووثيقة الصلح، وهذا نص الوثيقة وما تحمله من شروط لم يقدر عليها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما آتاه الله من العلم والحكمة والحلم والصبر والوقار، ولما أنزل الله ذلك على المؤمنين من السكينة فحملوها وارتاحت نفوسهم لها ].
قال: [ نص الوثيقة:
ورد أن قريشاً لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية بعثت إليه ثلاثة رجال هم: سهيل بن عمرو القرشي ، وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ، على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك ]، أي: أن يرجع من عامه هذا ويأتي في العام الآتي [ على أن يخلي له قريش مكة من العام المقبل ثلاثة أيام، فقبل ذلك وكتبوا بينهم كتاباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي بن أبي طالب : اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا: ما نعرف هذا، اكتب: باسمك اللهم ]، فهذا الذي آلم رسول الله والمؤمنين.
[ فكتب، ثم قال: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة. فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب ما يريدون. فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وحلموا، وتم الصلح على ثلاثة أشياء هي:
أولاً: أن من أتاهم من المشركين مسلماً ردوه إليهم.
ثانياً: أن من أتاهم من المسلمين لم يردوه إليهم.
ثالثاً: أن يدخل الرسول والمؤمنون مكة من عام قابل ويقيمون بها ثلاثة أيام لا غير، ولا يدخلها بسلاح.
فلما فرع من الكتاب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ( قوموا فانحروا ثم احلقوا )].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.