إسلام ويب

تفسير سورة سبأ (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أقسم مشركو العرب بالعناد والجحود والمكابرة، واتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالاختلاق والإفك المبين، ليصدهم عن دينهم القويم، الذي كان عليه آباؤهم الأولين، وليس لهم على ذلك من برهان ولا كتاب، ولم يتعظوا بما حل بمن قبلهم من الأقوام، الذين كانوا أشد منهم قوة فأخذهم الله جزاء تكذيبهم وأوردهم النار.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    فهيا بنا نصغي مستمعين إلى هذه الآيات من سورة سبأ المباركة الميمونة ثم نتدارسها، قال تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سبأ:43-46].

    بيان عناد المشركين وسخف عقولهم وهبوطهم الفكري

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ [سبأ:43]، الآن نقضي هذه الساعة المباركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وكأننا نشاهد بأعيننا ونسمع بآذاننا ما كان يلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعانيه من مشركي قريش والعرب، وذلك لعل إيماننا يقوى ويزيد، قال تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ [سبأ:43]، أي: على كفار العرب في مكة وخارجها، فمن يقرأ عليهم هذه الآيات؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يقرؤها الصديق أو يقرؤها عمر مثلاً، لكن الرسول هو الذي يتلوها ويقرؤها عليهم، فآيات القرآن الكريم بينات واضحات دلالتها ومعانيها، إذ لا غموض فيها أبداً، ولذلك فالمفروض أن يستجيبوا ويؤمنوا، لكنهم يردونها بقولهم: مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ [سبأ:43]، يقول هذا أبو جهل عمرو بن هشام أو عقبة بن أبي معيط أو غيرهما، مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ [سبأ:43]، من الرجال يريد أن يصرفكم عن عبادة ما كان يعبد آباؤكم، فهكذا يردون الآيات البينات الواضحة الدلالة والمعنى بعد ما يسمعونها، مَا هَذَا [سبأ:43]، أي: محمد صلى الله عليه وسلم، إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ [سبأ:43]، حتى لا تعبدوا الأصنام والأوثان كما كان آباؤهم يعبدونها، فلا تسمعوا له ولا تستجيبوا له، وهذا كله من أجل أن يبقوا على ضلالهم وشركهم وباطلهم، فلا يريدون ديناً جديداً يعبدون الله به، وإنما قد ألفوا ما كانوا عليه واعتادوه، وبالتالي فلا يريدون أن تتغير حياتهم، وهذه وللأسف طبيعة أكثر الناس.

    وَقَالُوا [سبأ:43]، أيضاً، مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى [سبأ:43]، أي: ما هذه إلا أكاذيب مختلقة ومزورة، فكل الذي يقوله ويقرؤه من الآيات ما هو إلا أكاذيب وأباطيل، وما فيها كلمة حق أبداً، وقالوا هذا من باب دفع الدعوة حتى لا تنتشر بين الناس، مَا هَذَا [سبأ:43]، أي: الذي يقوله محمد ويقرؤه عليكم إلا كذب مختلق ومفترى، وتأمل معي كيف حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع مثل هذا الكلام، لو كنتَ أو أنا مكانه فكيف نصنع؟ وهو يواجههم عليه السلام فيصبر ويتحمل ولا يجزع ولا يغضب أبداً.

    بيان موقف الكافرين من الحق إذا جاءهم

    ثم قالوا أيضاً: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سبأ:43]، والكفر هو الظلام والجهل والخبث والشر، والكافر هو الذي يقول هذا، أما غير الكافر فوالله ما يقول هذه المقولة التي قالوها، لكن العلة هي الكفر والشر والخبث والظلمة، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ [سبأ:43]، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه من الآيات القرآنية والشرع الحكيم، إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سبأ:43]، أي: بين وواضح، وهم يقولون هذا حتى يصرفوا الناس نساء ورجالاً عن الدعوة فلا يقبلونها ولا يسمعون لرسول الله ولا يمشون وراءه، وهذا ليدافعوا عن معتقداتهم الباطلة وعن عاداتهم المتأصلة فيهم، وهذا كما قلت لكم: إنه من طبائع البشر، وإلى الآن تجد المبتدعة يدافعون عن البدع ويقولون في دعاة الحق أعظم من كلمة ساحر، وذلك كعميل وغيرها، وهذا هو طبع البشر إلا من نجاه الله تعالى، وهذه عظة وعبرة.

    وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ [سبأ:43]، على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، إِنْ هَذَا [سبأ:43]، أي: الذي تسمعونه ويقوله محمد صلى الله عليه وسلم، إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سبأ:43]، أي: ما هو إلا سحر بين وواضح، فلا تسمعوا له ولا تستجيبوا له ولا تمشوا وراءه ولا تقبلوا دعوته، وإنما هو ساحر يسحركم، وهل كان رسول الله ساحراً؟ وهل يعرف السحر؟ حاشاه وكلا، لكن في قرارة أنفسهم والله لا يعتقدون أن رسول الله ساحر، ولا أن هذا الكلام بسحر، ولكن فقط يقولون ذلك لنشر الباطل وتغطية الحق، وذلك كما هي طبيعة البشر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534349

    عدد مرات الحفظ

    777182930