إقامة الحجة على مشركي العرب وغيرهم
قال تعالى:
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا 
[سبأ:44]، أي: لو أننا أنزلنا عليهم كتباً على بعض رجالهم ودرسوها ووجدوا فيها الدعوة إلى الشرك، والدعوة إلى الأصنام لكانوا يعذرون، لكن نحن ما أعطيناهم كتباً يدرسونها وفيها الدعوة إلى الأصنام وعبادة الأوثان،
وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ 
[سبأ:44]، أي: وما أرسلنا إليهم قبلك يا رسولنا من نذير، فلو أنا أرسلنا إليهم رسولاً قبلك لقالوا: نحن نتبع رسولنا، إذ هو الذي دعانا إلى عبادة الأصنام، وهو الذي عبدها معنا، وبالتالي فما نستطيع أن ننصرف عنها، وعند ذلك سيكون لهم في ذلك حجة وعذر، لكن والله ما آتاهم من كتاب ولا بعث إليهم من رسول، فبم يحتجون؟!
سبيل العلم في مدارسة كتاب الله تعالى
وفي هذه الآية لطيفة وهي: يجب أن نجتمع على كتاب الله ونتدارسه في بيوت الله وفي بيوتنا؛ إذ هذا سبيل العلم وطريق المعرفة، ومن فقد هذا كيف يعلم؟ ومن لم يعلم فكيف يعبد؟ ومن لم يعبد كيف ينجو ويسعد؟ فالذين يدرسون الكتب لا يضلون ولا يعمون ولا يجهلون ولا يتشردون، وإنما يستقيمون على أوامر الله تعالى، والذين لا كتاب عندهم يدرسونه، أو عندهم القرآن العظيم وأعرضوا عنه إعراضاً كاملاً فلا ينظرون إليه ولا يلتفتون إليه كما هو واقع أمة الإسلام، كيف سيسعدون أو ينجون؟ المفروض أن أهل القرية أو أهل الحي دائماً وأبداً يدرسون كتاب الله تعالى، وقد بينا هذا وكررنا القول فيه وقلنا: إن ما بين المغرب والعشاء وقت راحة لا وقت عمل، وهذا في العالم بأسره، فإذا دقت الساعة السادسة أغلقت الدكاكين وانتهى العمل، فأهل الباطل يذهبون إلى الملاهي والملاعب والمراقص والمقاصف، وأهل الحق والإيمان يذهبون إلى بيوت ربهم فيتدارسون كتاب الله بينهم، فتنموا معارفهم وتزداد حتى يصبحوا كأنبياء في العلم والمعرفة، لكن مع هذا صرفوا هذه الأمة عن كتاب الله صرفاً كاملاً، وذلك من إندونيسيا إلى موريتانيا، فلا يجتمع ثلاثة على كتاب الله إلا ما قل وندر.
تشدد كفار قريش وعتوهم بالرغم من ضعفهم إذا قيسوا بالأمم السابقة
هداية الآيات
قال الشارح: [ من هداية الآيات: أولاً: بيان عناد المشركين وسخف عقولهم وهبوطهم الفكري ]، بيان عناد المشركين والله إلى اليوم، وقد قلت لكم: لو تجادل اليهود أو النصارى أو البوذيون أو المجوس كما يجادلون القرآن والله لسمعت العجب، ولرأيت ما قاله العرب بكامله موجوداً عندهم وزيادة، وهذه طبيعة الإنسان، وهذا هو شأن إبليس لما يفسد القلوب.
قال: [ ثانياً: ضعف كفار قريش وتشددهم وعتوهم إذا قيسوا بالأمم السابقة، فإنهم لا يملكون من القوة نسبة واحد إلى ألف، إذ المعشار هو عشر عشر العشر ]، ما قيمة كفار قريش؟ يساوون عاداً أو ثمود أو قوم شعيب أو قوم فرعون؟ لا والله، إذ هم ضعفة ومهزومون ومهزولون، ومع هذا للأسف يجالدون ويجادلون.
قال: [ ثالثاً: تقرير النبوة المحمدية وإثباتها، وذلك ينفي الجنة عنه صلى الله عليه وسلم وإثبات أنه نذير ]، تقرير النبوة المحمدية وإثباتها، وهذا ينفي ما قاله المبطلون من أنه ساحر ومجنون، فإذا تقررت النبوة وثبتت لا تبقى كلمة ساحر ومجنون، إذ لا معنى لذلك.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.