قال الشارح: [ من هداية هذه الآيات: أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء ]، من هداية الآيات، إذ إن كل آية -والله- معها هداية، إذ إن كل آية تشهد أن محمداً رسول الله، وإلا فكيف نزلت؟ كل آية تشهد أن الله موجود وإلا فكيف أنزلها؟ فمن هداية هذه الآيات التي تدارسناها: تقرير مبدأ البعث الآخر والحياة الثانية، إذ -والله- لا بد من أن نحيا حياة أخرى فنحاسب فيها على أعمالنا ونجزى بها، وذلك إما النعيم المقيم فوق السماء السابعة، وإما بالعذاب الأليم تحت أسفل الأرضين والعياذ بالله.
قال: [ ثانياً: بيان أن كلاً من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث، وبيان ما أهكلهم الله به ]، من هداية هذه الآيات: بيان أن كلاً من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث كما كذب كفار قريش بمكة، إذ إنهم كانوا يسخرون من كلمة القيامة والساعة والبعث والجزاء، كما هم الآن ملايين الشيوعيين مكذبون لا يؤمنون بالدار الآخرة، والذين يؤمنون كاليهود والنصارى لا علم لهم ولا معرفة، إذ هم بعيدون عن منهج الحق، وبالتالي فهم كافرون كاذبون.
قال الشيخ في النهر: [ روى أحمد: أن عمر رضي الله عنه قال: خرجت يوماً بمكة أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام، فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر، أي: في خاطري، فقرأ:
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ
[الحاقة:41]، قلت في خاطري: كاهن، فقرأ:
وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[الحاقة:42-43]، إلى آخر السورة، فوقع في قلبي كل موقع ]، هذا عمر رضي الله عنه يقص قصته قبل إسلامه، إذ إنه سمع الرسول يقرأ:
الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ
[الحاقة:1-2]، فقال: هذا شاعر، ثم قال: هذا كاهن، وفي الثالثة عرف أنه رسول الله، فآمن ودخل في الإسلام.
قال: [ ثالثاً: بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيا والأخروي ]، إي والله العظيم! من هداية هذه الآيات: أن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم موجبة للعذاب في الدنيا والآخرة، فلهذا نحذر -طالت الأيام أو قصرت- من معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما عرفنا عنه.
قال الشيخ في النهر: [ روي عن ابن عباس وسفيان بن عيينة: كل ما ورد في القرآن بلفظ: (وما أدراك) بصيغة الماضي فقد أدراه، أي: أعلمه به، وكل ما ورد بصيغة المضارع: (وما يدريك) فقد طوي عنه ولم يُعلمه به ]، وهذه لطيفة علمية وهي: إذا جاء في القرآن (وما أدراك) فمعناه: أن الله قد علم نبيه بذلك، وإن قال له:
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا
[الأحزاب:63]، فمعناه أنه ما علمه بعد.
قال: [ رابعاً: التذكير بحادثة الطوفان وما فيها من عظة وعبرة ]، من هداية هذه الآيات: التذكير بحادثة الطوفان الذي أغرق البشرية كلها إلا نيفاً وثمانين رجلاً وامرأة، تلك الحادثة العظيمة التي سببها الكفر والشرك والظلم والإجرام، فلنتق الله عباد الله! ولنتب إليه، ولنعبده بما شرع لنسلم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.