إسلام ويب

تفسير سورة الحاقة (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قررت سورة الحاقة عقيدة البعث والجزاء، هذه العقيدة التي أنكرها أقوام كثر، منهم عاد وثمود، وهما قبيلتان في شمال الجزيرة وجنوبها، بعث الله فيهما رسولين: صالحاً وهوداً فكذبوهما، فكانت عاقبة ثمود الصيحة، وكانت عاقبة عاد الريح الباردة العاتية، وكذلك عاقب الله سائر المكذبين، كفرعون والمؤتفكات أجمعين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن الليلة مع فاتحة سورة الحاقة المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ * وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً * إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ [الحاقة:1-12].

    تقرير عقيدة البعث والجزاء

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-3]، الحاقة هي القيامة، أي: قيام الساعة، وهي واجبة الوقوع، وحاقة الوجود، وهي واقعة لا محالة، ومثل الحاقة: القارعة، قال تعالى: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة:1-5]، ومثلها أيضاً: الطامة، قال تعالى: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى [النازعات:34-35]، فالطامة الكبرى هي القيامة، ومثلها كذلك: الصاخة، قال تعالى: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [عبس:33-35]، إنها والله القيامة.

    بيان أن الإيمان باليوم الآخر دافع للاستقامة على منهج الله تعالى

    إن هذه الآيات تقرر وتؤكد وتبين أن اعتقادك بأن القيامة حق هو الذي يساعدك على الاستقامة في هذه الحياة، والذي يكذب بيوم القيامة وما يجري فيه وما يتم فيه من جزاء فهذا عبد كالحيوان، بل هو شر البرية، وقد قلت آلاف المرات: لا يوثق فيه ولا يعول عليه ما دام أنه يكفر بلقاء رب العالمين، والإيمان بيوم القيامة هو الركن الخامس من أركان الإيمان.

    مرة ثانية: من أراد أن يستقيم فلا يفجر، ولا يكذب، ولا يخون، ولا يسرق، ولا يزني، ولا يلوط، ولا يقتل، فعليه أن يؤمن إيماناً يقينياً أنه سيبعث ويقف بين يدي الله ويسأله ويحاسبه ويجزيه، إذ إن صاحب هذا المعتقد يستقيم، ومن خلا قلبه من هذا والله ما يعول عليه في شيء، وهو شر الخلق وشر البرية.

    الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ [الحاقة:1-3]، يا عبد الله! مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:2].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088526532

    عدد مرات الحفظ

    777136499