إسلام ويب

تفسير سورة الحديد (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإيمان بالله عز وجل واتباع رسوله يلزم صاحبه بتبعات واستحقاقات، ومن هذه الاستحقاقات الواجب أداؤها الإنفاق في سبيل الله، والإنفاق قد يكون في حال الحرب بتجهيز الجيوش، والإنفاق على المجاهدين في سبيل الله، وقد يكون في حال السلم على المستحقين من المسلمين، كالفقراء والمساكين وغيرهم ممن ذكر الله حالهم وتكلم بشأنهم في كتابه الكريم، وقد وعد الله المنفقين في سبيله أجراً عظيماً يتفاوت قدره على حسب الزمان والمكان الذي تكون فيه هذه النفقات، وكلاً وعد الله الحسنى.
    الحمد لله, نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد.

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الحديد المدنية، فهيا بنا لنصغي إلى تلاوة الآيات مجودة مرتلة، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:7-11].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحديد:7] هذا أمر الله، والآية نزلت بالمدينة، ويومها كان يوجد منافقون في المدينة, بل وكافرون، وفي مكة وفي غيرها في الجزيرة.

    يقول تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحديد:7], صدقوا بأنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، آمنوا بأنه لا يُعبد بحق إلا الله, وأن محمد بن عبد الله حقاً رسول الله؛ فإن الإيمان بمثابة الروح حتى تحيوا حياة طيبة كاملة، فتصبحوا أهلاً لأن تسمعوا وتستجيبوا.

    آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7] يأمرهم بالإيمان, فالمؤمنون ليثبتوا على إيمانهم، وغير المؤمنين ليدخلوا في نور الإيمان؛ إذ يوجد منافقون بالمدينة، فالمؤمن يثبت على إيمانه والكافر يدخل في نور الإيمان ويؤمن، وأمرهم أن ينفقوا من أموالهم في سبيل الله على الفقراء والمساكين، بل على المجاهدين؛ لأن تلك الأيام أيام جهاد، والنفقة تكون على الجهاد.

    وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7] فهل المال هذا الذي بأيدينا في جيوبنا، في صناديقنا، في بنوكنا, هذا المال هل ورثناه عمن سبق أو لا؟ وسوف نموت ونتركه أو لا؟ وهل يدفن مال في القبر مع الميت؟

    فالأموال كلها توارثناها جيلاً بعد جيل، ونموت ونتركها، فالله استخلفنا فيها, أي: جعلنا خلفاء لمن مات قبلنا، فورثناه وحصلنا على هذا المال، وسوف نموت ويرثه غيرنا.

    هذا معنى قوله تعالى: مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7], فالمال ما هو بدائم ولا باق ولا أنتم صنعتموه ولا خلقتموه، ولا يبقى معكم أبداً، هذه تركة ورثتموها وسوف تتركونها وتورث بعدكم، فمن هنا لم تشحون؟ لم تبخلون؟ لم لا تنفقون؟ هكذا يدعوهم إلى الإنفاق في سبيل الله وبخاصة الجهاد في سبيل الله؛ لأن هذه الأيام -أيام نزول هذه السورة- أيام جهاد في المدينة النبوية.

    معنى قوله تعالى: (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير)

    ثم يقول تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ [الحديد:7] الإيمان الحق, لا الادعاء بالنطق كالمنافقين, فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا [الحديد:7] من الأموال التي يرثونها ويورثونها من بعدهم لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]، ألا وهو الجنة، ألا وهو دار السلام؛ إذ لا أجر أعظم منها، لا أجر أكبر منها، إنها الجنة دار السلام، ما إن يموت أحدهم حتى تنتقل روحه إلى الجنة لترعى فيها إلى يوم القيامة.

    هذا عطاء الله، هذا فضل الله, يرغبهم في الإنفاق, فأنفقوا ودخلوا الجنة، والمؤمنون في كل زمان ومكان مأمورون بهذا الأمر بالإنفاق في سبيل الله إما في الجهاد وإما على الفقراء والمساكين والمحتاجين، والأجر -والله- عظيم، كيف لا والله تعالى قد قال: أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]؟ فالذي كبّره الله كيف يكون؟ ما يقادر قدره أبداً، ولهذا فهو الجنة دار السلام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534293

    عدد مرات الحفظ

    777182663