قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:
[ من هداية ] هذه [ الآيات:
أولاً: تقرير حقيقة ثابتة: وهي أن الكافر يعيش في غرور كامل، ولذا يرفض دعوة الحق ] فهو يعيش في الظلام, سواء كان أبيض أو أسود، وهكذا كل من كفر بالله وبلقائه، وبرسوله وبكتابه, وما أنزل على رسوله. وهؤلاء الكفار في العالم بأسره يعيشون على الغرور والانخداع والباطل من يوم أن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وإلى يوم القيامة. فالكافرون في غرور وفي انخداع وفي باطل، والشياطين تعبث بقلوبهم، وتزين لهم الباطل، وتبعدهم عن الحق والإيمان واتباعه إلى اليوم.
[ ثانياً: تقرير حقيقة ثابتة: وهي انحراف الكافر وضلاله ] وبطلان حياته [ واستقامة المؤمن وهدايته ] وصلاح حياته. والكافر في ضلال .. في عمى .. في جهل .. في باطل .. في ظلام, والعياذ بالله، وفي غرور وانخداع, بخلاف المؤمنين, فهم أحياء، المؤمن والله حي يسمع ويبصر، ويعطي ويأخذ، وينادي ويجيب، والكافر لا يسمع ولا يبصر ولا يجيب أبداً؛ لأنه ميت. وهذا الذي لا ننساه أبداً، فالإيمان بمثابة الروح، فمن آمن حيي، فأصبح يسمع ويبصر، ويعطي ويأخذ، ومن كفر -والعياذ بالله تعالى- مات. فإذا ناديت الكافر لم يستجب لك, ولن يقوم يصلي؛ لأنه ميت، مقدم على الشهوات وعلى المفاسد كلها, وعندما تنهاه ما يستجيب؛ لموته. وأما المؤمن فلو زلت قدمه وفعل ذنباً وقلت له: يا عبد الله! قال: أستغفر الله وأتوب إليه وبكى؛ لأنه حي، وأما الكافر فلا يسمع ولا يجيب أبداً. فلهذا ندعوهم إلى الإيمان -أي: إلى الحياة- إلى أن يحيوا، فإذا حيوا أمرناهم ففعلوا، ونهيناهم فتركوا، أما وهم كفار أموات فما يستجيبون.
[ ثالثاً: وجوب الشكر لله تعالى على نعمة السمع والبصر, والقلب ] والهداية [ وذلك بالإيمان والطاعة ] فيا عباد الله! والله لو ضللنا طول النهار قائلين: الحمد لله، ما وفينا حق الله أبداً. فهو الذي وهبك سمعك, وأنت لا تقدر أن تشتري السمع, ولا أن تشتري البصر, ولا أن تشتري حياتك. بل الذي وهبك هذا وأعطاك إياه هو الله. وهو يقبل منك أن تقول: الحمد لله، وأن تطيعه ولا تعصيه، فإذا أمرك فعلت، وإذا نهاك تركت، وإذا رغبك رغبت، وإذا حببك إلى الشيء أحببته. فكن عبد الله ووليه أيها المؤمن!
[ رابعاً ] وأخيراً من هداية الآيات: [ تقرير عقيدة البعث والجزاء ] وأعيد القول وأكرره: أن الذي لا يؤمن بالدار الآخرة وما يتم فيها من عذاب وشقاء أو نعيم وسعادة، ولا يؤمن بالدار الآخرة والله لا خير فيه، ولا يوثق فيه، ولا يعول عليه، ولا يصدق أبداً؛ لأنه شر المخلوقات. فالذي لا يؤمن بالبعث والدار الآخرة لا يعول عليه في شيء، ولا يوثق فيه أبداً.
وشيء آخر, وهو: أن كل الجرائم والموبقات العظيمة التي ترتكب والله أصحابها ما آمنوا بالبعث والدار الآخرة وأقسم بالله, وكذلك سفك الدماء والفجور والباطل والكذب أصحابه ما آمنوا بالبعث والدار الآخرة، وإن آمنوا فهو إيمان صوري فقط, وليس في قلوبهم إيمان أنهم سيقفون بين يدي الله، وأنهم سيسألون وسوف يحاسبون، وسوف يجزون، ومن آمن هذا الإيمان ما يستطيع أن يستمر على المعصية, ووالله ما يقدر عليها.
وبلغنا اليوم أن في الأمس سائق سيارة أخذ من مكة ستة أنفار على خمسين ريالاً للواحد، فلما وصل بهم إلى نصف الطريق قال لهم: ادخلوا المطعم تغدوا، فدخلوا المطعم, فهرب بسيارته. فهذا ما يؤمن بالله ولقائه, ووالله ما يؤمن بالبعث والدار الآخرة. وهو ما عرف الله ولا الدار الآخرة، وإلا لم يقدم على هذا الإجرام. وهكذا كل جريمة كبيرة صاحبها ما يؤمن بأنه سيقف بين يدي الله, وأنه سيسأله ويستنطقه, ثم يحاسبه ويجزيه. ولهذا أركان الإيمان ستة, وأعظمها بعد لا إله إلا الله محمد رسول الله: الإيمان بالبعث والدار الآخرة، وإذا ضعف هذا المعتقد في نفس العبد ما يستقيم أبداً. ونبرأ إلى الله من هؤلاء.