إسلام ويب

تفسير سورة الواقعة (6)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما كذب أهل مكة بالقرآن جاءت هذه الآيات حاوية قسماً عظيماً أقسم الله فيه بالنجوم ومواقعها، على أن هذا القرآن الكريم هو كلامه سبحانه، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله قياماً للمطهرين من عباده، ملائكة كانوا أو رسلاً أو مؤمنين، أما من تدنسوا بالشرك وتلوثوا بالكفر فلا يلمسونه.
    الحمد لله, نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن الآن مع سورة الواقعة المكية، ومع هذه الآيات منها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:75-82].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75], هذه اللام ليست نافية ولكنها صلة لتقوية الكلام، ومعناه: فأقسم، بمعنى: أحلف. وهل الله تعالى يقسم؟ إي وربي، فبماذا يقسم؟ يقسم بما يدل على مظاهر علمه وقدرته ورحمته وحكمته.

    يقول تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75], مواقع النجوم حيث تقع، حيث تسقط، حيث تنزل، حيث تظهر في السماء شرقاً وغرباً، هذه النجوم من أوجدها؟ من نجمها؟ وفي السماء من وضعها؟ ومن جعل لها أماكن للنزول فيها والسقوط فيها؟ وأماكن للخروج منها؟ فمن يفعل هذا؟ من القادر على هذا؟ لا أحد إلا الله، فهذا مظهر من مظاهر علمه وقدرته ورحمته.

    وفوائد النجوم على بني آدم عظيمة، فمن صنع هذه النجوم؟ من خلقها؟ لا خالق لها إلا الله، مع كونها أضواء مشرقة وأنواراً، فمن أوجد هذا النور فيها وهذا الإشراق؟ من جعلها تنتقل من مكان إلى مكان في السماء؟ الله، فكيف إذاً يعبد معه سواه؟ كيف يوصف بصفات العجز والنقص فينسب إليه الولد والزوجة وما إلى ذلك مما عليه أهل الكفر؟

    فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ [الواقعة:75-76] والله لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة:76].

    اختصاص الله تعالى بالقسم بما يشاء وحرمة قسم العبد بغير الله تعالى

    معشر المستمعين والمستمعات! لله تعالى أن يقسم بما يشاء، بالليل، بالنهار، بالشمس، بالقمر، بما خلق من الكون، فقد أقسم بالسماء والطارق، وبالسماء ذات البروج، وأقسم بالليل والنهار، وبالفجر وليال عشر، يقسم بما يشاء، أما نحن عبيده فوالله! لا يحل لنا ولا يجوز لأحدنا أن يقسم بغير الله، وقد وقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس ويقول: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).

    ولما انتشر الجهل بين المسلمين وعم البلاد الإسلامية لموت العلماء أصبحت العامة تقسم بكل شيء، ليس بالله وحده، بل بأشياء كثيرة، هذا يقول: وأمي، هذا يقول: ورأسي، هذا يقول: وشيخي، هذا يقول: والطعام! كأنهم صرفوا عن الله، ما عرفوه.

    فالله عز وجل يقسم بما يشاء، وإقسامه يدل على أن ذلك المقسَم عليه آية ظاهرة تدل على وجود الله، على علمه، على قدرته، على حكمته، على رحمته.

    فالله تعالى يقول: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1], يقسم بها، فمن أوجد الشمس؟ من أوجد ضوءها؟ من أوجد الليل؟ من أوجد ظلمته؟ لم الظلمة؟ لم النور؟ إن ذلك لمصالح الحياة، فحياتنا متوقفة على ذلك.

    وسبحان الله! لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف بغير الله، إما أن تقول: والله، أو تقول: بالله، أو تقول: وعزة الله، وجلال الله، وكمال الله، وعظمة الله، وسائر صفات الله عز وجل، أما أن نقول: والنبي، والكعبة، وسيدي فلان، وحق فلان؛ فكل هذه الأيمان باطلة محرمة، وصاحبها آثم، بل مشرك في عظمة الله غير الله؛ لأن الحلف يكون باللفظ الدال على عظمة الله، أما أن تحلف بمخلوق تجعله مثل الله, فتجعل له عظمة مثل الله, وعزاً مثل الله وكمالاً مثل الله؛ فكيف تسويه بالله وتحلف به؟

    كفارة القسم بغير الله تعالى لمن جرى على لسانه بغير قصد

    ومن كان قد جرى على لسانه الحلف ولا يدري ماذا يصنع؛ فالرسول صلى الله وسلم بين لنا الطريق، وغير مرة يقف عندي أحد ويقول: والنبي ما قلت كذا! فأقول: من جرى على لسانه الحلف بغير الله بدون قصد، بدون إرادة؛ فعليه إذا حلف أن يقول: لا إله إلا الله, فإذا حلفت بغير الله فعجل وقل: لا إله إلا الله.

    وقد ظهر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يحلف باللات والعزى ممن أسلموا منذ أسبوع وأسبوعين، وعام وعامين، يجري على لسانه, فمنذ خمسين سنة وهو يحلف باللات والعزى، وعاشوا على القمار، فما يشعر أحدهم حتى يقول: تعال أقامرك، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( من قال لأخيه: تعال أقامرك؛ فليتصدق ), صدقة قليلة أو كثيرة تكفر ذنبه بقوله: تعال ألعب معك القمار؛ على ما جرى في الزمان الماضي.

    فمن حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله؛ تكفر ذلك الإثم, ومن كان يجري على لسانه: تعال نلعب القمار أو تعال لنلهو بدون قصد؛ إذا قال ذلك فليتصدق بصدقة، حفنة تمر أو دقيق تمحو ذلك الإثم.

    ومن حلف بغير الله غفلة ونسياناً فعليه أن يقول: لا إله إلا الله، هذا هو الهدي النبوي الشريف.

    يقول تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة:75-76], لماذا أقسم الرب بهذا اليمين؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522878

    عدد مرات الحفظ

    777113708