إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 5للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قبائل متفرقة، وكانوا يتبعون غيرهم من الممالك في ذلك الوقت، فكان الغساسنة يتبعون الروم، ويأتمرون بأمرهم، ويمنعون سائر العرب من حدود دولة الروم، أما المناذرة في الحيرة فكانوا يتبعون دولة فارس، أما البلاد اليمانية فكانت تحت التبابعة من حمير زمناً، وتحت حكم الأحباش أزماناً أخرى، أما نجد والحجاز فقد حماها الله من سطوة الملوك، إلا أن العرب كانوا فيها متناحرين فيما بينهم، حتى جاء الإسلام ووحدهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد: فمازلنا ندرس السيرة النبوية العطرة من كتاب: (هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب)، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه المقطوعة الكريمة، وهي: [قبل الفجر المحمدي]. أي: قبل أن يطلع النور المحمدي في ديار الله، وقبل ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أي: كيف كانت حالة العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية؟

    وهي مكونة من أربعة دروس.

    الأول: حالة العرب السياسية. وسوف نمر بها إن شاء الله ونقف على مواطن ينبغي أن نقف عندها ونعتبر بها.

    ثانياً: الحالة الاقتصادية (المالية).

    ثالثاً: الحالة الاجتماعية.

    رابعاً: الدينية.

    لنعرف كيف كانوا متهيئين لطلوع هذا الفجر وظهور هذا النور المحمدي؛ لأنهم كانوا هابطين إلى أقصى معاني الهبوط سياسياً واجتماعياً ودينياً واقتصادياً، فكانوا في حاجة إلى فجر ينبثق أنواره فيكملون به ويسعدون.

    وما أحوج المسلمين اليوم بل ما أحوج البشرية جمعاء إلى هذا النور المحمدي.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين والمؤمنات: [قد اجتمعت كلمة المؤرخين عامة] الذين أرخوا تاريخ البشرية القديم والحديث [على أن العالم الإنساني قاطبة -والعالم العربي بصورة خاصة- كان يعيش في دياجير ظلام الظلم والجهل، وظلمات الطغيان والاستبداد] هذا حق -والله- والواقع يشهد، والقرآن يقرر، والنبي يخبر بذلك صلى الله عليه وسلم.

    قال: [تتنازعه] أي العالم العام والخاص [الامبراطوريتان الفارسية شرقاً والرومانية غرباً] هذا هو العالم الإنساني والعربي في ذلك الوقت تتنازعه الإمبراطوريتان الفارسية -نسبة إلى فارس- شرقاً، والرومانية -نسبة إلى الرومان- غرباً.

    قال: [ويؤكد هذه الحقيقة] التي قدمناها [قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله نظر إلى سكان العالم فمقتهم عربهم وعجمهم جميعاً إلا بقايا من أهل الكتاب )]. أي: مجموعات قليلة هنا وهناك، كانوا متمسكين بدين الله عز وجل، بعضهم يهود وبعضهم نصارى، وأما من عداهم فكانوا عامة مشركين.

    فقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( إن الله نظر إلى سكان العالم فمقتهم ). المقت معروف ( عربهم وعجمهم إلا بقايا قليلة من أهل الكتاب ). يدل على أنه كان هناك يهود ما زالوا على العهد الصحيح، وبقايا من النصارى كذلك.

    قال: [فالأحوال متردية ساقطة هابطة في العالم الإنساني بأسره] أي: قبل البعثة المحمدية [ لاسيما في العالم العربي حيث الفساد في كل جوانب الحياة، السياسية منها كالاقتصادية، والاجتماعية كالدينية، الكل سواء] في السقوط والهبوط.

    ولا تغضب يا عربي! فأنت الآن مسلم.

    احذر! أن يخدعك الشيطان فتغضب للعرب ولو كنت عدنانياً فإنك الآن مسلم والحمد لله!

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [وهذه نظرة خاطفة نلقيها جميعاً على ديار العرب] لنشاهد الواقع كما هو [وكلمة عابرة نقولها على تلك الأوضاع المتدهورة المتهالكة؛ ليُعرف مدى الحاجة إلى فجر النبوة المحمدية].

    إذا رأينا الظلام الدامس الحالك عم الأرض نتطلع إلى فجر يطلع؛ لأن الظرف يتطلب ذلك، ووالله لولا البعثة المحمدية والفجر النبوي الذي طلع ما تمتعتم بهذه الكهرباء ولا عرفها غيركم.

    هذه كلمات يقولها بعض العقلاء في أوروبا، يقولون: لولا الإسلام ما عرفنا الكهرباء ولا طرنا في السماء ولا عرفنا الحياة. فقد كانوا كالبهائم يأكلون الضفادع، أتدرون من رفع رءوسهم؟ إنها الأنوار المحمدية! لكن مع الأسف قضاء الله أن ينتفعوا منا ثم يذبحونا. لِمَ هذا؟ ليبقوا في شقاء وبلاء إلى يوم القيامة، لقد انتحروا بأيديهم.

    لقد أخذوا هذه الأنوار منا ثم رفسونا، ولو أنهم لم يرفسونا لدخلوا في الإسلام وسعدوا في الدنيا والآخرة، لكن انتقم الله منهم فحرمهم، فهذه نظرة خاطفة لنعرف مدى الحاجة إلى فجر النبوة المحمدية و[لتبديد تلك الظلم المتراكمة وإبعاد تلك الويلات الملازمة للحياة الخاصة والعامة في ربوع ديار العروبة قاطبة؛ إذ لا فرق بين يمنها وشامها ولا بين حجازها ونجدها. ولتعظم عند ذي الوعي العاقل منة أنوار الفجر المحمدي التي ستغمر الجزيرة والكون من ورائها هدايةً ونوراً].

    من كان لا يعرف حالة الفساد لا يحمد الله على حالة الصلاح، لكن من عرف الواقع بادر بالحمد لله وعرف قيمة البعثة المحمدية التي غمرت الجزيرة والكون من ورائها هدايةً ونوراً.

    قال: [ ولنبدأ بالحالة السياسية في بلاد العرب] ألا تحبون السياسة؟!

    مداخلة: بلى.

    إذاً: تعلموا! وأنا آسف -والله العظيم- لرجال تخرجوا من كليات السياسة لا يعرفون رأسها من رجليها، ابتلي بهم العالم الإسلامي فنزلوا على مناصب ليسوا لها بأهل، يتخبطون تخبط العجائز. ستقولون: لِمَ هذا يا شيخ؟

    فأقول: لأنهم درسوا وكتبوا وتخرجوا وهم في ظلام دامس لا نور فيه لله، ولا نور فيه لرسوله عليه الصلاة والسلام.

    كيف يتخرجون عمياً؟

    السياسة تحتاج إلى بصيرة وإلى نور كالذي كان يتمتع به عمر ، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (والله ما قال أبي في شيء: أظنه كذا. إلا كان كما ظن).

    والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو كان في أمتي محدثون ) أي: من تحدثهم الملائكة ( لكان منهم عمر ولكن لا نبي بعدي ). وقال: ( ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه ) ليس زقاقاً ضيقاً، بل فج كامل لا يقوى الشيطان على أن يمشي فيه مع عمر.

    ما سبب هذا؟ هل لأن عمر يغني؟! هل لأنه يشرب الشيشة؟! هل لأنه يظل يضحك؟! هل لأنه يأكل البقلاوة والمشوي؟!

    استدعى مرة عمر أحد ولاته على عشاء أو غداء، فنوع له السفرة -علماً أن هذه السفرة لن تصل إلى سفركم أنتم، بل حتى الفقراء منكم- فنظر عمر إلى الطعام وقد تنوع فاضطرب وانتفض انتفاضة الأسد وقام! فارتبك الوالي وقال: ما لك يا أمير المؤمنين! قال: خشيت أن أكون ممن قال الله فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20].

    فالسياسي الذي لا يصوم ولا يقوم ولا يردد كتاب الله ويتغنى به أنى له أن يبصر ظلام الحياة؟!

    ستقولون: يا شيخ دلل على هذه الأقاويل؟

    أقول: الدليل هو هبوط العالم الإسلامي اليوم. هل هناك هبوط أعظم منه؟ أين أنوار السياسة؟!

    ومعنى هذا: أنه يتحتم علينا أن نعود إلى بيوت الله، ونجتمع على الكتاب والحكمة، هذا هو الطريق!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088555108

    عدد مرات الحفظ

    777299171