إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 20للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان أفراد المسلمين الأوائل يكتمون إيمانهم خشية أن ينالهم أذى كفار قريش، وكانوا يجتمعون في بيت الأرقم بن أبي الأرقم، فلما بلغوا نيفاً وأربعين مسلماً أذن الله عز وجل بإسلام رجلين عظيمين من قريش، كان إسلامهما عزاً للمسلمين؛ هما حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله، وعمر بن الخطاب العدوي الذي كان شديداً على المسلمين قبل ذلك، وبإسلامهما قرر النبي الإعلان عن دعوته فخرج المسلمون يوماً من دار الأرقم خلف رسول الله في صفين، أحدهما على رأسه حمزة، والآخر على رأسه عمر بن الخطاب.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

    وقد انتهى بنا الدرس إلى المقطوعة الذهبية النورانية وهي: [الجهر بالدعوة بعد الإسرار بها] أي: الجهر والإعلان بالدعوة بعدما كانت سرية لا يعرفها إلا من ندر، وقد كانت سرية لأن المؤمنين كانوا أقلية، فقد درسنا أنهم بلغوا الثمانية، وقد كان صلى الله عليه وسلم يجتمع في بيت الأرقم بن أبي الأرقم وحوله ذلك العدد من المؤمنين، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم، فلما كثر العدد وظهر الإسلام أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهر، ونحن الآن مع هذه الحادثة: من السرية الكاملة إلى الجهر والإعلان.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [إنه بعد أن اكتمل عدد المسلمين نيفاً وأربعين رجلاً وكذا وامرأة ..] وصل عدد المؤمنين والمؤمنات أربعين رجلاً وبضعة نسوة [وأسلم حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم] وهو أحد الذين انفتح بهم الباب، عم الحبيب صلى الله عليه وسلم، سيد الشهداء ولا فخر [و عمر بن الخطاب ] بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة أسلم عمر ، ولما وُجد في الجماعة حمزة الأسد وعمر الفاروق أعلن صلى الله عليه وسلم عن دعوته [استجاب الله لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم] إسلام عمر كان نتيجة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سأل الله تعالى أن يؤيد هذا الدين بأحد العمرين: إما عمر بن الخطاب وإما عمرو بن هشام أبا جهل عليه لعائن الله، واستجاب الله فأسلم عمر ، وسوف يأتي بيان إسلامه في موضوع خاص.

    [حيث قال: ( اللهم أيد الإسلام بأحد العمرين )] وأيده بمعنى: قوه وانصره [يعني عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام (أبو جهل )] وقوله صلى الله عليه وسلم: (بأحد العمرين) من باب التغليب، فيقال: العمران أبو بكر وعمر ولا حرج، أو القمران الشمس والقمر، سائغ هذا في لغة القرآن.

    [وبإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما قويت شوكة المسلمين] والشوكة هي التي تؤذي وتدفع، هذه قويت بإسلام هذين الرجلين رضي الله عنهما وأرضاهما [وأنزل قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94]] ومعنى قوله عز وجل: فَاصْدَعْ [الحجر:94] الصدع بالشيء إذا أعلنه وأظهره، بل وكسر الجدران والأسوار ليظهره، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] أي: لا تلتفت إليهم، دعهم يسبوا ويشتموا ويقولوا ما شاءوا، ولا تلتفت إليهم.

    [وأنزل الله سبحانه وتعالى قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]] أي: ابدأ بـفاطمة ثم انتقل إلى بني هاشم، ومعنى أنذرهم: خوفهم عاقبة الشرك والكفر والإلحاد والخروج عن هداية الله عز وجل [فصعد صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا] وجبل الصفا هو الذي منه نبتدئ السعي وننتهي بالمروة، وفيه آية من الآيات في أشراط الساعة -وقد ظهر منها ما ظهر- إذ قال الله تعالى في سورة النمل: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] ووصف النبي صلى الله عليه وسلم -بوصفه المبين لكلام الله الشارح له- أنها دابة ذات أربع قوائم تخرج من صدع في جبل الصفا، فالجبل يتصدع وتخرج منه دابة، والآن الجبل أصبح طريقاً لها، فجبل الصفا الآن فيه نفق عظيم تدخل فيه السيارات وغيرها، وسوف تأتي الدابة من ثَمَّ.

    يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( تخرج من صدع من الصفا ) والصدع موجود الآن بفضل الله تعالى، وهذه آية من آيات الله أن جبال مكة الآن كلها أنفاق وطرق والحمد لله، وجزى الله القائمين على هذا الخير خيراً.

    فالشاهد عندنا: أنه قد وُجد هذا الصدع، ولم يبق إلا أن تخرج الدابة، ووالله! إنها لخارجة، طال الزمان أم قصر فهذا كلام الله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل:82] تكلمهم بأن فلاناً مؤمن وفلان كافر.

    [ونادى بأعلى صوته قائلاً: واصباحاه!! واصباحاه!!] فلم يكن عندهم أبواق ولا صفارات إنذار، ولكن من أراد أن ينذر علا جبلاً ونزع ثوبك وجعله في يده ولوح به منادياً: واصباحاه! واصباحاه! هذا هو المنذر العريان، فإذا شاهد أهل القرية أو البلد رجل على الجبل عالٍ يلوح بثوبه وينادي: واصباحاه! اجتمعوا كلهم؛ لعلمهم بأن هناك خطر داهم، وهذا تدبير الله عز وجل للبشرية، ففي كل زمان وفي كل عصر ما يلائمه، والآن وُجدت صفارات الإنذار.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم يقال له: النذير العريان، ولكنه لا يكشف عورته فهو المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنما حسبه أن ينادي بأعلى صوته: واصباحاه! واصباحاه! وما هي إلا لحظات حتى امتلأ الوادي وجاء الناس من كل حدب وصوب.

    [فهز صوته حثيات وادي مكة] لأن مكة واد والجبال حواليه [وأقبل الناس نحو النداء زرافات ووحداناً] أي: جماعات وأفراداً [حتى امتلأت ساحة الصفا، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالبدر ليلة هالته] أي كأنه القمر قد طلع بأنواره في ليلة الرابع عشر والخامس عشر [فقال: (يا معشر قريش!)] بمعنى: أخبروني [(أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل)] والمراد من الخيل: خيل الغزاة، خيل المغيرين، فهم يأتون بخيولهم، فليس هناك دبابات ولا مصفحات ولكن الخيول [( تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم )] لأنهم ما جربوا عليه الكذب قط، ووالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، من طفولته إلى بلوغه إلى حمله رسالة الدعوة، حتى كان يعرف بينهم بالصادق الأمين [( فقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد )] أكثر من الغارة ومن عدو من الأعداء هو: أني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أي: مقدمة العذاب، فإما أن تدخلوا في رحمة الله، وإما أن يجتاحكم البلاء وينزل بكم العذاب [( أنقذوا أنفسكم من النار )] هذا هو العذاب الشديد، وبم ينقذون أنفسهم من النار؟ بالإسلام، بأن يسلموا قلوبهم ووجوههم لله، فتنجو من عذاب الله؛ لأنهم إن ماتوا على ظلمة نفوسهم وخبث أرواحهم من جراء الشرك والمعاصي فلن يسلموا من عذاب الله.

    إذاً: نجاتهم بأن يسلموا القلوب والوجوه لله، وأن يطيعوا الله فيما يأمر به ينهى، والمأمور به أدوات تزكية للنفس البشرية، والمنهي عنه أدوات تخبيث وتلويث، فمن زكى نفسه وباعدها عن الخبث والتلويث نجا، سواء كان أبيض أم أسود عربي أم عجمي.

    [فقام أبو لهب بن عبد المطلب ] عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في جهنم، والسيدة أم جميل العوراء امرأته كذلك -والله- معه؛ لتعلموا أنه لا قيمة للنسب -كنت أبيضاً أو أسوداً- فالعبرة بزكاة النفس، هل هي طاهرة كأرواح الملائكة أو خبيثة كأرواح الشياطين، لا أقل ولا أكثر.

    والحمد لله! الصيدلية الفخمة العظيمة موجودة، فمن أراد أن يزكي نفسه فليذهب وليشتري أدوات التزكية ويعمل على تزكية نفسه، ولكن أنصح بأن يكون تحت إشراف طبيب. وما هي هذه الصيدلية؟ إنها القرآن والسنة النبوية، والله إن لفيها من أدوات التزكية والتطهير العجب العجاب، ولكن الأحسن أن تتعلم كيف تستعمل تلك الأدوات، وكونك تحت إشراف عالم رباني هو أفضل وأكمل.

    قال: [فقام أبو لهب فقال: تباً لك سائر اليوم] والتب هو الخسران والهلاك. فدعا على نبينا صلى الله عليه وسلم بالخسران والهلاك، وقال: تباً لك سائر النهار [ألهذا دعوتنا؟] أي: أما تدعونا إلا لهذا؟ وما هو الذي دعاهم إليه؟ إنقاذ أنفسهم من النار. بماذا؟ بالإسلام، قال: أسلموا وجوهكم وقلوبكم لله.

    [فأنزل الله تعالى سورة المسد] هناك سورة في القرآن تسمى سورة المسد، هذه السورة نزلت بكاملها فوراً من الملكوت الأعلى يحملها جبريل رسول رب العالمين إلى سيد المرسلين، قال الله عز وجل: [ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:1-5]].

    ومن العجائب التي نعيشها أنه كم من إنسان يسمع هذه السورة في صلاة المغرب أو في صلاة العشاء مدة عشرين سنة أو أربعين -وهو من عوام المسلمين- ولا يحفظها، وهذه ظاهرة من خمسين أو أربعين سنة، أما الآن فقد أصبح الأولاد يقرءون القرآن مجوداً، ومن قبل كان طلاب الكُتَّاب يقرءون القرآن ملحوناً، أو على الأقل غير مجود ولا مرتل، ولكن بفضل الله تعالى ثم بواسطة الجماعة الباكستانية التي أوجدت مدارس قرآنية -كتاتيب- في بيوت الله، وأصبحوا يعلمون القرآن من الصبا مرتلاً، بالغنة والمدود إلى غير ذلك من أحكام التجويد كالإظهار والإخفاء، وشاء الله عز وجل أن تنصر هذه الدعوة حكومة القرآن في هذه الديار، وأصبح يعقد كل سنة مؤتمر لتحفيظ القرآن تقام له الامتحانات وتوزع عليها الجوائز، وأصبح القرآن يرتل في كل أنحاء العالم، والأسباب ما بينت لكم، فالحمد لله.

    لقد كنا نصلي وراء رجال كبار ونحن أطفال فيقرأ (ليلة في قريش لإيلافهم)! ويقرأ: (تبت يداه أبي لهب)، ويقول في الفاتحة: (وكان نعبد وكان نستعين)، وإلى الآن ما زال الناس في البادية هكذا.

    وقد دخلت امرأة أبي لهب معه؛ لأنها كانت متعاونة معه، تكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتمكر به مع زوجها، ومن هذا أنها كانت تأتي بالحطب الذي فيه شوك -كالسدر وغيره- وتضعه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يشاك بالشوك فتشفي غيظها في صدرها، وتعرفون أنه فيما سبق كان الظلام في الليل فليس كهرباء ولا مصابيح والأزقة ضيقة، فكانت تضع حزمة الشوك حتى يعثر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وتتلذذ بذلك. هذه هي أم جميل العوراء ، وقد نزلت سورة المسد فيها وفي بعلها.

    [وكانت المدة التي دعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه سراً ثلاث سنوات] لما بلغوا ثمانية أشخاص فتح الله عليهم بدار الأرقم بن أبي الأرقم ودعوا فيها ثلاث سنوات سراً لا علانية [ثم أمر بالجهر فجهر امتثالاً لأمر الله تعالى في قوله: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94]].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088571115

    عدد مرات الحفظ

    777393773