إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 21للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب خرج المسلمون من بيت الأرقم مظهرين أنفسهم لأهل مكة، ومجاهرين بدينهم الذي ارتضاه لهم ربهم، غير عابئين بما يصبه عليهم أهل مكة من الأذى والعذاب والنكال، فأقض مضاجع كفار قريش أن رأوا استعلاء المسلمين، وعدم مبالاتهم بأهل مكة، وتزايد أعدادهم بشكل مخيف، وعندها لجئوا إلى وسيلة جديدة وهي محاولة مساومة النبي صلى الله عليه وسلم على دعوته، ومحاولة ثنيه عن هدفه، فأرسلوا إليه كبار رجالاتهم والنخبة فيهم، ولكن أنى لهم أن يظفروا منه بشيء، فما يساومونه عليه ليس شيئاً في ملكه، وإنما هو دين رب العالمين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

    وقد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة (قصة إسلام عمر رضي الله عنه)، ولا مانع من أن نعيد قصة إسلام حمزة -أسد الله في الأرض- لما بين الرجلين من صلة عجيبة. فبسم الله أقول:

    [قصة إسلام حمزة رضي الله عنه] وحمزة هو ابن عبد المطلب ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لقبه رسول الله بالأسد، شهيد أحد رضي الله عنه وأرضاه.

    قال: [لقد مر يوماً أبو جهل -عليه لعائن الله- برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصفا] والصفا من حيث نبتدئ السعي (جبل الصفا) [فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره: من العيب لدينه والتضعيف لأمره] وهذا شأن الكافر، فالكافر ميت، ونحن نقول: ميت، بينما آخرون يقولون: هو حي، نقتدي به ونأتسي، حتى في الأكل باليسار؛ لأنهم ما عرفوا، أما الذين عرفوا أن الكافر ميت، فقد عرفوا أنه لا يسمع، ولا يبصر، ولا يعي، ولا يفقه، ولا يفهم، بل يسعى كالبهيمة للأكل والشرب والنكاح، ولا يبالي بقتل أبيه أو أمه، فحياة الروح لا وجود لها، فإذا نُفخت فيه روح الإيمان وحيي -عندها- مُره يقوم ويفعل، وانهه ينتهي وينزجر؛ وحدثه يعي ويفقه؛ لأنه حي.

    [فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم] يقول الله عز وجل: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] [ولم يكلمه، وكانت مولاة لـعبد الله بن جدعان ] وعبد الله بن جدعان من أشراف الكفار -والله- الذين في النار. أتدرون ماذا كان يصنع؟ كان يكسو ألف حلة كل حج، أي: يوزع ألف بدلة على الحجاج، وكان ينحر ألف بعير يطعمها في منى وعرفات، وهو كافر لكن من أشراف الكفار.

    إذاً: كانت مولاة -خادمة بلغتكم- لـعبد الله بن جدعان [في مسكن لها تسمع ما قاله أبو جهل ] من الكلام السيئ القبيح [وشاء الله تعالى أن يمر حمزة رضي الله عنه راجعاً من قنص له متوشحاً قوسه] أي: عائداً من مكان الصيد؛ لأن أهل مكة ليس عندهم لا عنب ولا بطيخ، بل يعيشون على اللحم والماء، ولا يستطيع شعب ولا أمة ولا أهل قرية في العالم أن يعيشوا على الماء واللحم إلا أهل مكة، وهذا بدعوة إبراهيم عليه السلام.

    [فقالت له المرأة: يا أبا عمارة !] فكنته، والكنية تكون بالأب أو الأم [لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً من أبي الحكم عمرو بن هشام ] فـعمرو بن هشام كان يكنى بـأبي الحكم وهو أبو جهل . والجاهلون يريدون أن يكونوا إخوان أبي جهل . فـأبو الجهل هو عمرو بن هشام ، وكل من يرضى بالجهل ولا يريد أن يتعلم يريد أن يكون من أبناء أبي جهل ؛ لأنه كان أبا الحكم فقالوا: أبو جهل ، ورضي بهذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأقره.

    فيا عبد الله! عليك أن تخلع ربقة الجهل عن نفسك، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش العام والعامين وهو جاهل، ولو رحل على الإبل أو مشى على قدميه؛ حتى يعرف الله ويعرف ما يحب وما يكره، ويعرف كيف يتملقه ويقدم المحبوب ويبعد المكروه، وإلا كان في عداد الموتى.

    قالت: [وجده هاهنا جالساً فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم] والله عز وجل يقول: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126] فلو أراد أن يعاقبه صلى الله عليه وسلم كان سبه كما سبه بلا زيادة ولا نقص، ولكنه صبر. والسورة مكية ولعلها نزلت في هذا [فاحتمل حمزة الغضب] الغضب حمل حمزة وكاد أن يطير به [فخرج يسعى ولم يلتفت إلى أحد] والناس جالسون في ظلال البيوت [حتى أتى أبا جهل -وهو جالس في نادي القوم حول المسجد- فضربه بالقوس فشج رأسه شجة منكرة] هذا حمزة أسد الله في الأرض.

    [ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول] وهنا انفتح باب دار السلام [فرُدّ ذلك علي إن استطعت، فقام رجال من بني مخزوم] من بني عم أبي جهل ؛ لأن قاعدتهم انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً [فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة !] ولن تجد هذا أبداً من كافر! فأشراف الكفار في العالم وسادتهم هم كفار قريش، وأنى لهم هذا الكمال؟! فعندما قام رجال يردوا لـأبي جهل ما فقد، قال: لا. خلوه!! فهل منا من يقول هذا اليوم؟ لا أحد من المسلمين، فكيف بالكفار والمجرمين والمشركين!

    قال: [فإني والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً] اعترف، ليس للخوف؛ فهو الآن منصور، رجاله إلى جنبه، فهل نتخلق بهذه الأخلاق؟ ومن أين لنا؟ فما ربينا في حجور الصالحين، بل نعيش تائهين في الأرض كالبهائم، والذي لا يجلس في حجور الصالحين -أي: بين أيديهم- الأعوام السبعة والثمانية والعشرة حتى يبلغ الخامس عشرة أنى له أن يعرف هذا الكمال، ومن أين يأتيه، وكيف يحصل عليه؟ هل يحصل عليه من المدارس الحكومية، وكل الهم النجاح فقط للوظيفة؟! أنه لا يريد بذلك وجه الله إلا من شذ وندر. ولو طُلب العلم لله ما وقعت هذه المحنة ولا كان هذا البلاء، ولكن ما طلب لله.

    [وثبت حمزة من ساعتئذ على ما قاله] أي: على أنه على دين محمد صلى الله عليه وسلم [فأسلم وحسن إسلامه، ويومها عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز] ومن عز بز. وعز: ظهر في الأفق كوكب عظيم ينير مساحات كبيرة [وامتنع بإسلام عمه حمزة المعروف بينهم بأنه أعز فتى في قريش] امتنع رسول الله وما بقي واحد يصل إليه؛ لأن أبا طالب توفي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في فترة صعبة، فعندما كان أبو طالب يحمي رسول الله ما استطاع أحد أن يمسه أو ينال منه؛ لأن أبا طالب سيد مكة، لكن لما مات وقع الذي وقع، وهاهو ذا قد أتى الله بـحمزة ، فعز صلى الله عليه وسلم وامتنع بإسلام عمه المعروف بينهم بأنه أعز فتىً في قريش. وحمزة من أسماء الأسد، فـحمزة بمعنى: أسد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088550677

    عدد مرات الحفظ

    777278383