إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 6للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل حين شرع الإسلام لعباده ورضيه لهم ديناً؛ ألزمهم بأخذه كاملاً بكل ما فيه من أوامر ونواه وتشريعات وحدود، فمن أخذه كما أمره الله عز وجل فقد أفلح وأنجح، ومن رفضه أو رد شيئاً منه فقد خاب وخسر، وآل عمله إلى تباب، وكان من حزب الشيطان الذي لعنه الله، وتوعده وأتباعه بالعذاب الأليم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، وكان النداء السالف يوم أمس هو قول ربنا تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:183-184]. ففهمنا من هذا النداء الإلهي: أن الله تعالى فرض علينا بوصفنا مؤمنين وكوننا مؤمنين، فرض علينا الصيام، إذ قال: كُتِبَ [البقرة:183]، أي: فرض. عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]. وقد بين تعالى لنا شهر الصيام بنفسه، إذ قال في هذا السياق: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

    علمنا أن الصيام هو الإمساك والامتناع وترك الأكل والشرب والجماع، وأن الظرف الذي نصوم فيه هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فقبل طلوع الفجر الأكل كالشرب كوقاع النساء مما أذن الله فيه وأباحه وأحله، إذ قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].

    بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن نكون عليه حال صيامنا بصورة خاصة، وهو أننا لا نتكلم بسوء، ولا ننطق بأذى، وبخاصة السب والشتم والتعيير للمؤمن، والغيبة التي هي: أكل لحم المؤمن وهو غائب، والنميمة التي هي: إيقاد نار الفتن حتى تراق الدماء وتنتهك الحرمات، فالذي لا يمسك عن الغيبة والنميمة ليس لله حاجة في أن يترك طعامه وشرابه؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ). ومن ثم نغض أبصارنا عن النظر إلى ما حرم علينا من نساء المؤمنين، ونكف ألسنتنا فلا ننطق إلا بمعروف، وهذا في الحقيقة نظام حياتنا سواء كنا صائمين أو مفطرين، فالغيبة حرام، والنميمة حرام، ونهش عرض المسلم حرام، ولكن بصورة خاصة ونحن متلبسون بالعبادة، فالمؤمن إذا أحرم وقال: لبيك اللهم لبيك حجاً أو عمرة أصبحت حاله كحال من دخل في الصلاة، فالذي يقول: الله أكبر يصلي الظهر أو العصر لا يضحك، ولا يتكلم، ولا يمس شيئاً، ولا يمشي ولا يتأخر؛ لأنه في داخل الصلاة، وكذلك من أحرم وقال: لبيك اللهم لبيك امتنع عن كل ما هو ذنب وإثم، أو اختل عمله ولم ينتج له الطاقة المطلوبة، وهي الحسنات المطهرة للنفس البشرية والمزكية لها، وكذلك الحال إذا صمنا، وقد كان بعض الصالحين إذا دخل رمضان طوى فراشه، وكان بعضهم لا يدخل على أهله في النهار أبداً، بل من بستانه أو دكانه إلى المسجد، وهكذا كان الصيام معداً لنا لتقواه تعالى.

    التقوى هي الخطوة الثانية في تحقيق الولاية الربانية، فالخطوة الأولى هي: الإيمان فآمنا، والخطوة الثانية: تقوى الله عز وجل بفعل ما أوجب فعله وترك ما حرم أو ما أوجب تركه، فهذه التقوى يعين عليها الصيام سواء في رمضان أو في غير رمضان؛ إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]. قال بعض أهل العلم: (لعل) هنا نسميها الإعدادية، أي: لتعدنا لتقوى الله عز وجل، فمن فاز بتقواه تحققت له هداية مولاه، وأصبح ولياً لله، فإذا سأله أن يزيل جبلاً لزال.

    ونعيد تلاوة هذا النداء تذكيراً للناسين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:183-184].

    هذا الموقف تطلب بيان أشياء ذكرناها أمس، أولاها: النية، وهي شرط في صحة العبادة، ولو أن أحداً دخل البحر ثلاث ساعات يعوم ويغطس ويخرج بدون أن ينوي رفع الحدث الأكبر فما زال جنباً، فلا بد من النية، فكونه يمتنع عن الأكل والشرب والنكاح ولو أربعاً وعشرين ساعة، ولو أربعين يوماً بدون أن ينوي الصيام فلا صيام له.

    وقد علمتم أن صيام رمضان يكفي فيه النية أول ليلة على أننا نصوم رمضان، ولا حاجة إلى تجديدها على سبيل الوجوب، وأما على سبيل الندب فنعم، فكل لحظة من اللحظات جدد فيها عهدك بربك، وعلمنا أن الحائض والنفساء والمسافر إذا أفطروا لهذا العذر وعادوا يصومون لا بد من إعادة النية وتأكيدها؛ لأن الصيام انقطع بالسفر أو بالمرض، فلا بد من تجديد النية، والنية: هي عزم القلب وتصميم النفس على الفعل أو الترك، وليست قول: أنني نويت كذا، فهذا من عمل العوام، وأما أهل العلم من أمثال السامعين والسامعات فلا يقولون: نويت، وإنما يصممون على أن يفعلوا ويفعلون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088547887

    عدد مرات الحفظ

    777260962