أما بعد:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله تبارك وتعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
هذه الظاهرة التي انتشرت في كثير من أوساط المسلمين، حتى إنك لتدخل بعض المجالس، فتسمع من الفُحش والبذاءة، ومن السباب والشتم ما يجعلك لا تستطيع أن تجلس في هذا المجلس، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن شر الناس منزلة مَن تركه الناس اتقاء فُحشه).
مِن الناس مَن إذا جلستَ معه لا تتحمل الجلوس معه، فتتركه لفحشه ولبذاءة كلامه، حتى إنه بعض الأحيان ليصف العورات -أجلكم الله- وينادي الناس بأسماء البهائم والحيوانات، هذا الرجل إذا تركه الناس لهذا الفعل فهو من شر الناس منزلة عند الله، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يبغض الفاحش البذيء) يبغضه الله جلَّ وعلا، فكيف يهنأ لك بال، ويقر لك قرار والله عزَّ وجلَّ يبغضك إذا كنتَ متفحشاً في الكلام، بذيئاً في اللسان، تصف ما فحُش وغلظ من القول، وبعض الناس لا يتوانى أن يقول هذا في أي مجلس كان.
فانظروا الأدب الذي تحلى به! وانظروا عفة اللسان التي اتصف بها عليه الصلاة والسلام! ثم انظروا إلى مجالسنا، وانظروا إلى ما يحدث بين المسلمين من خصومة أو مزاح وكلام، وانظر إلى الفحش والبذاءة والسب والشتم واللعن، نعوذ بالله منها.
وانظروا إلى القرآن كيف إذا تكلم عن بعض الأمور كنَّى ولم يصرِّح، أدباً في الكلام والحديث، فلما أرد الله عزَّ وجلَّ أن يَذكُر الجماع ما صرَّح به، بل سماه: ملامسة، وسماه مباشرة: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] وأراد الجماع، ولكنه كنَّى، وقال: الرفث، وقال: الحرث: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] وقال: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].
قال ابن عباس رضي الله عنه: [إن الله كريم يكنِّي ما يشاء...] انظروا إلى الكرم في الـحديث، وانظروا إلى العفة، قال: [إن الله كريم يكنِّي ما يشاء، وإن الرفث هو الجماع].
ثم انظروا إلى مجالسنا، وانظروا إلى السب والشتم، حتى إن بعض الناس لا يتوانى، ولا يتورع أن يسب ويشتم ويذكر بعض الألفاظ القبيحة أمام صغار السن، حتى أصبح بعض صغار السن يتلفظون بها، ويقولونها وهم لا يعرفون معناها، ولا يدرون ما مغزاها، ولا يشعرون بخطورتها، والسبب: أنه رأى أباه يكلم أمه بهذه الألفاظ، أو يكلم جاره، أو يكلم صاحبه، أو تنازع أبوه مع رجل آخر، فسمع أباه يقول: كذا وكذا، فقلده واتبعه في هذه الكلمات.
في صحيح البخاري: (أن امرأة جاءت إليه عليه الصلاة والسلام فسألته عن كيفية الاغتسال من الحيض، فقال عليه الصلاة والسلام -وهو يشرح لها، ويبين لها كيفية الغسل- قال: خذي فرصة من مسك، وتتبعي بها أثر الدم، فتطهري بها، فقالت هذه المرأة: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: سبحان الله! تطهري بها، قالت
في يوم من الأيام سئل عليه الصلاة والسلام عن هذه الأمور، فكان يجيب بمثل ما أجاب، وكان يُرى في وجهه الحياء والعفة وكرم اللسان.
وكان عليه الصلاة والسلام -كما وُصِف- أنه: (أشد حياءً من العذراء في خدرها) أعلمتَم من هي العذراء؟ المرأة التي لم تتزوج، وفي خدرها أي: في بيت أمها، وفي غرفتها، وفي دارها، فهكذا هو عليه الصلاة والسلام.
أيها الأخ الكريم: إن المتفحش باللسان، والذي يتعود لسانه على السب والفحش، ووصف العورات، وغيرها من هذه الأمور البذيئة، فإن مروءته تسقط بين الناس، ويكون هذا الرجل رجلاً في الصورة ولكنه في الحقيقة قد سقطت مروءته ورجولته، أما لسانه فاللسان السوقي الذي اعتاد هذا الفُحش وتلك البذاءة.
وجاءت امرأة -زوجة رفاعة رضي الله عنه- تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (يا رسول الله! إن زوجي قد بتَّ في طلاقي -أي: طلقني ثلاث طلقات- قالت: فتزوجتُ
تجلس عنده عائشة ، فيمر بعض اليهود، فيقولون: السام عليك يا محمد، والسام: الموت، يظنون أنه لم يفهم، ففطنت عائشة فقالت: وعليكم السام واللعنة، أي: ترد عليهم مثلما شتموا، وفي رواية: قالت: عليكم السام والذام، أي: الذم، فقال: ( مَهْ يا
حتى إن بعض الناس يأتي فيحدث بعض الرجال عمَّا فعل مع زوجته، وهذا من أشد الفُحش والبذاءة والطعن بزوجته، يتكلم بما فعل مع زوجته، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (لعل أحدكم يحدث الناس بما فعل مع زوجته، ولعلها تحدث بما فعلت مع زوجها، فسكت الصحابة، ثم قال: لا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فتغشَّاها والناس ينظرون) تخيلوا شيطاناً يتغشَّى -أي: يجامع شيطانة- في الطريق والناس ينظرون، فهذا مَثَل مَن يأتي ويصف ما فعل مع زوجته، وهي تأتي وتصف ما فعلت مع زوجها -نعوذ بالله- فهذا الوصف القبيح إذا كان الأمر حلالاً، فكيف ما يفعله كثير من المسلمين -هداهم الله- حيث يصف بعض الأمور المحرمة؟! يقول: في العام الماضي وفي الإجازة السابقة، وفي يوم كذا ذهبتُ إلى المكان الفلاني، وسافرتُ إلى بلد كذا، ففعلتُ مع فلانة كذا وكذا، أيُّ قبح أعظم من هذا القُبح؟! إذا كان الحلال بهذا القُبح، فكيف بالحرام يا إخوة؟!
أتعرف ما هو اللعن الذي اعتاده كثير من المسلمين؟
اللعن هو: الطرد من رحمة الله، واسمع وانظر وفتِّش في مجالس المسلمين، واحصِ كم يقع بينهم من اللعن: (ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعّان) وقال عليه الصلاة والسلام: (لعن المسلم كقتله) فإذا لعنتَه كأنك قتلته يا عبد الله.
اللعن، وما أدراك ما اللعن الذي انتشر في صفوف كثير من المسلمين؟
ثم اعلم -يا عبد الله- أن بعض الشتم كفر بالله جل وعلا، وهو سب الله، أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام، أو سب هذه الملة، أو شيء منها، وكثير من الناس من يدعي الإسلام، وينطق بالشهادتين، ثم يسب دين فلان، ويسب شرعه، ويسب رسوله عليه الصلاة والسلام، وحين يسبه فإنما وقع في الكفر، عافانا الله وإياكم منه.
ثم إن بعض الشتم وبعض السب يوجب الحد! أتعرف ما هو الحد؟
الحد هو: جلد ثمانين جلدة، فيُجلد ثمانين جلدة على كلمة قالها، وما هي هذه الكلمة؟ أن يصف فلاناً بالزنا، أو اللواط، أو هذه الفواحش، لو وصف فلاناً بالزنا، فقال له: يا زانٍ، فإنه يُجلد ثمانين جلدة، وهذا هو الفاسق الذي لا تُقبل له شهادة أبداً.
ثم اعلم -يا عبد الله- أنه لو قال مثلاً: أنتَ أزنى من فلان، فإنه يُجلد مائة وستين جلدة -مرتين يُجلد- لأنه وصف فلاناً, ومَن فضَّله عليه بالزنا، فقال: أنت أزنى من فلان، فيُجلد مرتين، كل هذا عقوبة له.
ثم لو قال كلمة دون الزنا، وأقل من الزنا، فإنه يُعزَّر، مثل أن يصف الناس بالحيوانات أو بالبهائم، فإن حكم الله كما قال بعض العلماء أن يُعزَّر، إما بالضرب، وإما بالسجن، وإما ببعض أنواع التعذيب، حتى يكف عن هذه الألفاظ البذيئة.
عباد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أقول هذا القول، وأستغفر الله.
أما بعد:
قال عليه الصلاة والسلام: (أتدرون مَن المُفلس؟ قالوا: المُفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: المُفلس مِن أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج، ويأتي وقد سب هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا ) مسكين، لو في كل يوم سبة واحدة، فإنه في السنة يزداد سبه على الثلاثمائة والستين سبة، فيأتي الناس كلهم يجتمعون عليه- فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته، أتعرف ما حسناتُه؟ صلاته ضاعت، صيامه فَنِي، زكاته ضاعت، حجه ذهب، كل أعماله قد ذهبت وولت، تعبه في الدنيا كله قد ضاع، قال: (حتى إذا فنيت حسناته، أُخذ من سيئاتهم، ثم طُرحت عليه، ثم طُرح في النار) أتعرف ما الذي أرداه؟ (وهل يكب الناسَ في النار على مناخِرهم إلا حصائدُ ألسنتهم).
اللسان يا عبد الله، احفظ لسانك عن سب الناس وشتمهم، ووصف القبيح والبذيء والفُحش وما غَلُظ من القول.
عباد الله: ما الذي جرَّأ الناس على هذا الكلام؟
أسباب كثيرة:
من هذه الأسباب:
السبب الأول: مخالطة الفاحشين الفحَّاشين، بذيئي اللسان:
فالمرء على دين خليله، وانظر -يا عبد الله- المجالس التي تجلس فيها، فإن كانت هذه المجالس فيها من السب والشتم والفُحش والبذاء فإنك يوماً من الأيام سوف تقول مثلما يقولون، والله جل وعلا يقول: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] هذه المجالس لا يُجْلس فيها.
السبب الثاني: ثم من الأسباب: بعض المسلسلات والأفلام والقصص، التي تخبر بالفُحش والبذاءة، والقبح والسب واللعن -عافانا الله وإياكم منها- حتى إن بعض الناس يقص منها بعض القصص في الجرائد والمجلات والكتب، فيقص بعض الفواحش وكيفية وقوع الرجل على المرأة، وكيفية عمل بعض المنكرات، وما قَبُح من القول، فيصفه بالتفصيل في بعض القصص التي تُنشَر في بعض الجرائد والمجلات، وبعضها تكون في أفلام تُبَث عبر الهواء مباشرة من دول الغرب، والكفر والإباحة، ثم يعتاد كثير من المسلمين هذه الكلمات، فإذا أنكرت عليه يقول: أنا أفضل من فلان، ويا مسكين! أنت لا تعلم ما يقول فلان، وما يفعل فلان، أنا فقط أتلفظ، أما فلان فيفعل كذا وكذا.
سبحان الله! حتى أصبح المنكر معروفاً، وأصبحت الكبائر صغائر، وأصبح الناس يتهاونون بهذه الألفاظ.
وتذكر دائماً يا عبد الله، وتفكر في هذا الحديث: (إن الله يُبغض الفاحش البذيء) يُبغضه الله جل وعلا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر