الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله: [باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه].
سبق معنا ذكر من يجوز دفع الزكاة إليه، أو من تدفع الزكاة إليهم، وهم مصارف الزكاة، وهم الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة التوبة، أما اليوم فالمصنف رحمه الله -وهكذا غيره من الفقهاء- يضعون هذا الباب؛ استدراكاً لمن لا يجوز صرف الزكاة إليهم، وقد ذكر المصنف رحمه الله في هذا الباب سبعة أصناف ممن لا يجوز صرف الزكاة إليهم:
ثانياً: ابن السبيل.
ثالثاً: العامل عليها إذا كان من العاملين عليها.
رابعاً: المؤلفة قلوبهم.
خامساً: الغازي في سبيل الله، والحديث ذكر رجلاً اشتراها بماله، اشترى الزكاة بماله، وذكر أيضاً رجلاً كان له جار فقير فأهدى إليه، وأهدى ذلك الفقير إلى جاره الغني: ( فهي له صدقة وهي لنا هدية )، كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
فهذه أصناف من الأغنياء الذين تجوز أن تصرف الزكاة إليهم.
وله شواهد أخرى عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند الترمذي وقال: حديث حسن. وعند أحمد وأبي داود والدارمي، وعن جماعة آخرين من الصحابة بلفظ آخر: ( لا حظ فيها لغني، ولا لذي مرة سوي ) ما هي المرة؟ المرة: هي القوة، والدليل قوله تعالى: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:6] يعني: ذو قوة، فذو المرة هو القوي.
وقوله: (ذو مرة سوي) السوي المقصود به: الكامل الأعضاء، السليم الأعضاء، ليس فيه آفة ولا عاهة ولا نقص يمنعه من العمل، فرجع الأمر إلى أن لفظ الحديثين وإن اختلفا إلا أن المعنى واحد، فالمكتسب هو ذو المرة السوي، يعني: عنده قدرة على الاكتساب.
فالمقصود أن الحديثين دلا على أن الغني لا يجوز صرف الزكاة إليه، باستثناء من ذكرنا من الأصناف السابقة، وإن كانوا أغنياء.
الصنف الأول وهم الجمهور من المالكية والشافعية، وهو رواية أيضاً عن الإمام أحمد قدمها المتأخرون من الحنابلة: أن الأمر يدور على الكفاية، فمن وجد ما يكفيه ويكفي من يمونه من أولاد وزوجة وعبيد .. ونحوهم ممن تلزمه مئونتهم ونفقتهم، من وجد ذلك فهو غني، وإن لم يجد ذلك فهو فقير، وتحل له الزكاة حتى لو كان عنده نصاب.
وبناءً على هذا القول من الممكن أن توجد حالة يكون الإنسان يأخذ فيها الزكاة، وفي نفس الوقت يعطي الزكاة، يعني: قد يجتمع في إنسان يزكي ويأخذ الزكاة في الوقت نفسه، فقد يكون عنده نصاب -مثلاً- من الذهب، أقل نصاب تجب فيه الزكاة موجود عنده، أو عنده -مثلاً- مصرف يصرف عليه الفينة بعد الفينة، وفي نفس الوقت ليس عنده الكفاية لنفسه ولمن يمونه، فيكون عنده نصاب تجب فيه الزكاة، ويحق له أن يأخذ الزكاة أيضاً ليكمل حاجة نفسه، أو لينفق على من يمونه من زوجة أو عبد أو ولد .. أو نحو ذلك. هذا مذهب الجمهور.
الثاني: وهو قول الحنفية قالوا: الغنى هو الموجب للزكاة، أو حد الغنى هو ما وجبت فيه الزكاة، فإذا كان الإنسان مالكاً لنصاب من ذهب أو فضة أو عروض .. أو غيرها مما تجب فيه الزكاة؛ فإنه حينئذ غني، ولا يحل له أن يأخذها. وعلى طريقة الأحناف: هل يجتمع أن يكون مزكياً وآخذاً للزكاة في الوقت نفسه؟ لا، لا يمكن هذا، وحجتهم في هذا، حجة الحنفية قالوا: قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث معاذ بن جبل، وأيضاً في حديث أنس حديث ضمام بن ثعلبة : ( أن الصدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) فالإنسان إما أن يكون غنياً فتؤخذ منه الزكاة، أو يكون فقيراً فتعطى له الزكاة، وبناءً عليه عندهم لا يجتمع أن يأخذ الزكاة ويعطيها في الوقت نفسه.
والذي يظهر لي أن قول الجمهور أجود وأضبط، وأن استدلال الحنفية بهذين الحديثين فيه نظر؛ لأن الحديث هذا محمول على الغالب، ولذلك الزكاة هل تدفع للفقير فقط، وإلا تدفع للفقير وغيره من الأصناف المذكورة؟ تدفع للفقير وغيره، ومع ذلك هو لم يذكر إلا الفقير.
وأيضاً قوله: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) فإن من المسلم به عند الأحناف وغيرهم أن هناك حالات عديدة، يعطى فيها الإنسان من الزكاة ولو كان من الأغنياء، مثل ما ذكرنا مثل: ابن السبيل، الغازي، الغارم، لإصلاح ذات البين، والعامل عليها، فهذا يعطى من الزكاة ولو كان غنياً، فيجتمع أن يكون آخذاً للزكاة ومعطياً لها في الوقت نفسه.
الغنى إذاً على قول الجمهور: هو حد الكفاية لنفسه ولمن يمونه، وقد يكون غناه لنفسه، مثل أن يكون هو مالكاً للكفاية، أو يكون غناه بأن يكون من يمونه غنياً، فولد الغني غني أو لا؟ زوجة الغني تعتبر في حكمه أيضاً غنية لا يجوز إعطاؤها من الزكاة، وهكذا.
ولذلك نقول: إنه إذا كان القيم أو المنفق أو الولي غنياً، وتحته صبية صغار فقراء فلا يعطون من الزكاة؛ لأنهم يعتبرون في حكم الأغنياء، بأن وليهم -أباهم- غني، وهكذا الزوجة إذا كانت فقيرة تحت رجل غني لا تعطى من الزكاة، ما دام زوجها غنياً منفقاً عليها؛ لأنها في حكمه وفي ذمته، ويجب عليه أن ينفق عليها، وإن لم يفعل ألزمه الإمام أو القاضي أو الجهة المختصة بأن ينفق عليها، فلا تعطى من الزكاة، وسيأتي شيء من التفصيل لهذه النقطة.
أما إذا كان الولد كبيراً، فحينئذ لا يعتبر غنى أبيه غنىً له، يعني: إذا بلغ الولد وشب عن الطوق، وقدر على الكسب في هذه الحالة، لا يعتبر غنى أبيه غنىً له، فيمكن أن يعطى من الزكاة إذا افتقر أو احتاج أو تزوج .. أو ما أشبه ذلك.
وهذا ذكرناه في حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار .. ونحوه في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .. وغيره، فالقوي المكتسب يشمل -والله تبارك وتعالى أعلم- صفتين:
الوصف الأول: ذكرناه وهو: أن يكون قادراً على الكسب، قوياً في بدنه، متصرفاً، عقله جيد، بحيث يتمكن من طلب الرزق، فلو كان هذا الأمر معدوماً فيه حلت له الزكاة، مثل أن يكون معوقاً عاجزاً عن الكسب، غير قادر على المشي ولا السعي في الأرض، فهذا لا شك أنه لا يقال: إنه مكتسب، وأيضاً في المعنى نفسه لو كان عنده عجز نفسي عن الكسب، عنده قوة في بدنه، لكن عنده ضعف في عقله أو ضعف في نفسيته، فبعض الناس -مثلاً- لا يستطيع التكسب، وهذا يعني ورد في قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25] ذكر أبو عبيد عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير (المحروم) معروفة الأقوال في المحروم، لكن من الأقوال فيها قول ابن عباس رضي الله عنه قال: (المحروم هو المحارف) ما هو المحارف؟ قال العلماء: المحارف هو الذي يحاول الكسب ولا يجده ولا يستطيعه، لا يوفق، غير مهيأ لهذا.
بعض الناس عنده مشكلة نفسية، عنده عجز عن مواجهة الناس، عنده عدم قدرة على التصرف، عنده ضعف في عقله وتفكيره، وبالتالي لا يستفيد من قوته البدنية.
وهذا كثير ما نردد هذا المعنى للإخوة، حتى في جوانب العمل والتربية والدعوة، أننا نقول لهم: ينبغي للإنسان أن يتعلم كيف يستخدم عقله، قبل أن يتعلم كيف يستخدم يده، يعني: إذا كان العقل مضبوطاً أرشدك، تستطيع أن توظف بدنك في الأمور النافعة، لكن إذا اضطرب العقل واختلط، فربما كانت هذه القوة لا تعطي النتيجة المرجوة.
فالمقصود أن المكتسب يشمل الأمر الأول وهو القدرة على الكسب بنفسه، القدرة البدنية والنفسية. هذا واحد.
الوصف الثاني: أن يكون هناك مجال للكسب، بمعنى أن يجد عملاً يكتسب فيه، إما وظيفة، أو حرفة، أو تجارة، أو أجرة .. أو ما أشبه ذلك، لكن لو كان الإنسان قوياً في بدنه، وقوياً في نفسه، وذهب وبحث عن وظيفة، ولم يجد، كما يسمونها في العصر الحاضر: مشكلة البطالة التي قد يقع ضحيتها الملايين في كثير من البلاد، من بلاد العالم الإسلامي، أو حتى بلاد العالم الغربي، سواء كانت ما يسمونه بالبطالة المكشوفة، أو البطالة المقنعة.
فالمقصود البطالة الآن العجز عن وجود العمل، إذا لم يجد الإنسان عملاً في الحالة هذه، هل نستطيع أن نقول: إنه مكتسب؟ لا، ما نستطيع أن نقول: إنه مكتسب.
ولهذا نجد الآن أنه في الدول الغربية في بريطانيا، في ألمانيا، في فرنسا، في الولايات المتحدة إذا وجد إنسان من هذا القبيل، سواء كان من أبناء بلدهم، أو من المهاجرين، ولم يجد عملاً، فإنهم يصرفون له مرتباً شهرياً حتى يظفر بعمل، وكنت أتعجب من هذا الأمر، وأقول: سبحان الله! يعني: يأتيهم إنسان من بلد بعيد وهو أجنبي عنهم، بل مخالف لهم في دينهم في كثير من الأحيان، ومع ذلك يلتزمون بأن يصرفوا له مرتباً، وإذا جاءه مولود، كل مولود يصرف له مرتب، وهذا لا يوجد حتى في كثير من بلاد العالم الإسلامي، وإذا بي أتذكر أن هذا الأمر الذي يعتبر قمة الحضارة عندهم اليوم، كان أمراً يعمل به ويوجد في الأمة الإسلامية من العهود الأولى بغاية البساطة، فبيت المال مع أنه بيت مال المسلمين، كان يصرف منه للمحتاجين حتى من أهل الذمة، كما سوف أشير إلى شيء من ذلك، فهم من مصادر بيت المال، تؤخذ منهم الجزية، لكن إذا وجد منهم أحد عنده حاجة، أو فقر، أو ضعف، أو لم تتيسر له أسباب الرزق، أو وجد عنده بطالة .. أو ما أشبه ذلك، (كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرى الرجل من أهل الذمة يسأل في السوق فيقول: ما أنصفناك إن أخذنا منك الجزية صغيراً، وأهملناك كبيراً، ويأمر أن يصرف له من بيت المال).
وهكذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، كما سوف أشير إليه بعد قليل.
إذاً: المقصود بالكسب أمران:
الأمر الأول: القدرة البدنية والنفسية على الكسب.
والأمر الثاني: أن يجد مجالاً وميداناً للضرب والكسب، والبيع والشراء، أو الأجرة .. أو غيرها من أنواع المكاسب.
القول الأول: قول الشافعي رحمه الله وهو المذهب أيضاً كما ذكره المصنف: أنه لا يعطى، قال: [ولا لقوي مكتسب] يعني: إذا كان القوي قادراً على الكسب لا تحل له الصدقة، وهذا أيضاً مذهب إسحاق بن راهويه . فقالوا: إن الإنسان القوي لا يعطى من الزكاة؛ لأننا إذا أعطيناه من الزكاة ربيناه على القعود، وعلى الخمول، وعلى التواكل، واعتمد على هذا المصرف، فأصبح لا ينفع ولا يدفع، هذا يضر بنفسه، ويضر بأسرته، ويضر بالأمة المسلمة، التي سوف تكون أمام مجموعة من الناس هم عالة عليها، بينما كان من الممكن أن يعملوا، وينفعوا، وينتفعوا.
أما القول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه فقالوا: يجوز صرف الزكاة إلى القوي إذا لم يكن غنياً، يعني: يجوز صرف الزكاة إليه إذا لم يكن غنياً، أو لم يملك نصاباً.
وكأن بالنظر إلى هذين القولين نستطيع أن نقول: إن اختيار أي من القولين قد يعتمد على حال الإنسان، فإن كان هذا الإنسان ممن يظهر من حاله القدرة على الكسب، ويجد الوظيفة، ولكنه يعتمد على السؤال أو على الزكاة فلا يعمل، فمثل هذا ينبغي منعه من الزكاة؛ لإجباره على العمل، ولصرف الزكاة إلى من هو أحوج منه.
أما إن ظننا أن هذا الإنسان محتاج للزكاة الآن، ومستحق لها، إما لأنه لم يعمل فيما مضى، أو لأنه يبحث عن عمل ولكنه لم يظفر به، أو لضيق مجالات العمل كما نجد في بعض الأحوال، فيجوز إعطاؤه من الزكاة حينئذ؛ لأنه فقير، والصدقات للفقراء، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( ترد إلى فقرائهم ) وما دام لا يملك النصاب فهو فقير.
المعنى الأول: أنها تطلق على الإنسان نفسه، فيقال: آل فلان، ويقصد به فلان، فتقول مثلاً: آل أبي بكر، وأنت تقصد أبا بكر رضي الله عنه، وأذكر أبياتاً من الشعر لرجل كان عنده ملك، أو زعيم توفي ولده، وحزن حزناً شديداً، فدخل عليه رجل يعزيه وقال له:
فقلت لعبد الله إذ حن باكياً حزيناً ودمع العين منهمر يجري
تبين فإن كان البكا رد غائباً على أهله فاجهد بكاك على عمرو
ولا تبك ميتاً بعد ميت أجنه علي وعباس وآل أبي بكر
آل أبي بكر من المقصود بهم هنا؟ أبو بكر نفسه؛ لأنه هو الذي أدخل الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره مع علي والعباس، وليس آل أبي بكر، فقد تطلق كلمة (آل فلان) ويقصد بها فلان.
المعنى الثاني: أن يطلق الآل على القرابة، وقد يكون من الأول، ربما قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] هذا يحتمل أن يكون المقصود فرعون.
إذاً المعنى الثاني: القرابة، قرابة الرجل يسمون آله، وهذا كثير بل هو الغالب في اللغة أن يقال: آل فلان، يعني: قرابته، يطلق على ولده، على زوجته أيضاً: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33] وهذا جاء في سياق زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في سورة الأحزاب.
والمعنى الثالث: أن يكون المقصود بالآل هم الأتباع، أتباع الإنسان على مذهبه، على طريقته، على ملته، على دينه، وهذا أيضاً يحتمل في قوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ [غافر:46] يعني: فرعون وأتباعه على دينه الفاسد، ويحتمل أيضاً فيما يتعلق بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنك إذا قلت: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) يحتمل أن يكون المقصود أتباعهم على دينهم، ولهذا نظم بعض الفقهاء بيتين يقول:
آل النبي هم أتباع ملته من الأعاجم والسودان والعرب
لو لم يكن آله إلا قرابته صلى المصلي على الطاغي أبي لهب
يعني: لو كان الآل هم القرابة فقط -يظن الشاعر- لكان المصلي على الآل مصلياً على أبي لهب، وهذا ظن في غير محله في تقديري، لأنه لو افترضنا أن الآل هم القرابة، وهذا قول قوي لا يمكن إنكاره، يكون الصلاة على المؤمنين منهم.
إذاً: هذه ثلاثة معان من حيث أصل اللغة.
أما آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلهم معنىً خاص، كما أشار إليه المصنف وغيره، وهذا المعنى نختصر الأقوال التي فيه إلى قولين:
القول الأول: أن آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم بنو هاشم وبنو المطلب، وهذا قول الشافعي وجماعة من الفقهاء، وهو رواية عند الحنابلة، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك بني المطلب مع بني هاشم في سهم ذوي القربى، ولم يعط غيرهم من قرابته، فدل على أن بني هاشم وبني المطلب كالشيء الواحد، بل جاء هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوصاً كما في صحيح البخاري، من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ) فحكمهم واحد، وعليه فآل البيت هم بنو هاشم وبنو المطلب.
القول الثاني وهو قول أبي حنيفة ومالك ورواية أيضاً عن أحمد : أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم فقط، ولا يدخل فيهم بنو المطلب، وهذا الذي اختاره كثير من محققي الحنابلة.
بنو هاشم من هم؟ من هم بنو هاشم؟ المشهور من بني هاشم خمسة بطون: آل علي بن أبي طالب، وآل عقيل، وآل عباس، وآل جعفر، وآل الحارث بن عبد المطلب، هذه خمسة بطون كلهم من بني هاشم، وبعضهم يلحق بهم آل أبي لهب، فإنهم أيضاً من بني هاشم، لكنه تأخر إسلامهم، ولم ينصروا النبي صلى الله عليه وسلم كما نصره أولئك، فلذلك لم يعدهم بعض الفقهاء من بني هاشم، يعني: ممن منعوا أو حرموا الصدقة.
الدليل على ذلك: ما رواه مسلم عن زيد بن أرقم في حديث طويل، وهو المشهور بحديث غدير خم، وهو غدير بين مكة والمدينة، خطب فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأوصى الصحابة بأهل بيته، فيقول حصين لـزيد : ( يا
إذاً: عرفنا تقريباً من هم آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الكلمة هذه تتركز على بني هاشم في بطونهم الخمسة.
الدليل على ذلك، أولاً: عندنا حديث زيد بن أرقم الذي في صحيح مسلم، فإنه قال: ( من حرموا الصدقة بعده ) وهذا له حكم المرفوع.
وأيضاً ما رواه مسلم من حديث المطلب بن ربيعة بن الحارث : ( أنه انطلق هو و
ومثله أيضاً ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن
وهو أيضاً قول عند المالكية اختاره الأبهري منهم، وهو وجه لبعض الشافعية.
ومما هو جدير أن هناك قبائل كثيرة في الهند وغيرها من سلالات آل البيت، كما يقولون هم عن أنفسهم، وقد يكونون أدرى، كما قال الإمام مالك : [ الناس مؤتمنون على أنسابهم ]. وقد يكونون بحالة من الفقر وشظف العيش والمسغبة الشديدة، ومع ذلك يمتنعون تورعاً عن أخذ الزكاة، مع أنه ليس هناك مصارف أخرى تأتي لهم بما يحتاجونه من القوت والحاجات الضرورية، وهذا خطأ، بل إن لهم أن يأخذوا من الزكاة إذا كانوا فقراء محتاجين.
وهذا ما يسميه الفقهاء بالأصول والفروع، فالأصول هم الآباء والأجداد، ويدخل في الآباء الأمهات، وإنما قيل: الآباء؛ تغليباً. والفروع هم: الأبناء والبنات، يعني الأولاد وأولادهم، وهذا معنى قوله: (وإن علوا) يعني: الأجداد. (وإن سفلوا) يعني: أولاد الأولاد، أبناء الأبناء .. ونحوهم.
وبعضهم يقول: الأصول والفصول بدل الأصول والفروع، فالأصول: هم الآباء والأجداد، والفصول: هم الأبناء وأبناؤهم.
وهذا المعنى من حيث الأصل عدم صرف الزكاة إلى الآباء وإلى الأولاد من حيث الأصل هذا المعنى متفق عليه، حكى الإجماع عليه غير واحد كـابن المنذر وابن قدامة .. وسواهما.
لكن ينبغي أن يكون هذا مقيداً بوجوب النفقة، فنقول: لا يجوز صرف الزكاة من الولد لأبيه، إذا كانت نفقة الأب واجبة على الولد، كما نقول: لا يجوز صرف الزكاة من الأب لولده، إذا كانت نفقة الولد واجبة على الأب، أما إذا لم تكن النفقة واجبة عليه، فالأولى أن يقال بجواز صرف الزكاة من الأصول إلى الفروع، ومن الفروع إلى الأصول، كأن يكون من تجب عليه النفقة معسراً مثلاً، وجبت النفقة على الأب لولد صغير مثلاً، والأب معسر لا يستطيع أن يقوم بالنفقة، وهذا واضح كما سوف أشير إليه.
ولهذا يقول ابن تيمية رحمه الله: ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وإلى الولد وإن سفل، إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن نفقتهم؛ لوجود المقتضي السالم من المعارض. يعني: هناك سبب في صرف الزكاة إليهم وهو أنهم فقراء، وليس هناك معارض، لأنه كنا نقول: لا يجوز صرف الزكاة إليهم في السابق؛ لأن نفقتهم واجبة عليه، لكن النفقة في مثل هذه الحالة إذا كان عاجزاً عن أدائها، هل تجب عليه مع العجز؟ لا تجب، فمثلاً: نحن قلنا: لا تجوز زكاة الأب للولد إذا كان الأب موسراً؛ لأن الأب إذا أعطى الزكاة للولد يكون بهذا وفر النفقة، يكون وفر النفقة على نفسه، وهكذا الولد إذا كانت نفقة أبيه تلزمه، لا يجوز له أن يعطيه من الزكاة؛ لأنه بإعطاء الأب من الزكاة يكون وفر النفقة على نفسه، فافتدى ماله بالزكاة، وهذا لا شك أنه لا يجوز بل إجماعاً كما ذكرناه عن ابن المنذر، وذكر ابن المنذر وغيره هذا المعنى، لكن إذا فقد السبب ولم تصبح الزكاة واجبة؛ لأنه معسر وغير قادر على الإنفاق، فيجوز صرف الزكاة إليه.
قال ابن تيمية رحمه الله: وهو أحد القولين في مذهب أحمد . وكذا إذا كانوا غارمين، أو مكاتبين، أو أبناء سبيل، ولعل من الأشياء الواضحة في هذا مثلاً: الأم، فالأم هل تلزمها نفقة أولادها؟ الأقرب أنه لا تلزمها نفقتهم، حتى لو كان عندها جدة وغنى، ولذلك قال ابن تيمية : وإذا كانت الأم فقيرة، ولها أولاد صغار لهم مال، ونفقتها تضر بهم، فإنها تعطى من زكاة مالهم.
ومما يؤيد هذا الاختيار الجيد ما رواه البخاري في صحيحه عن معن بن يزيد قال: ( أخرج أبي دنانير فوضعها عند رجل في المسجد يتصدق بها، قال: فأتيته فأخذتها، فعلم أبي وقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: لك ما نويت يا
يعني: لا يجوز له أن يعطي الزكاة لمن يجب عليه أن ينفق عليه، والذي تلزمه مؤنته مثل: الزوجة؛ لأن الزوجة يجب -في ذمة الزوج- الإنفاق عليها، حتى لو كانت غنية.
وأيضاً غير الزوجة: الأولاد، انتهينا منهم في الفقرة السابقة.
الوالدين -أيضاً- انتهينا منهم، قلنا: الأصول والفروع مضوا، الرقيق.
الأقارب ما تلزمه نفقتهم، إلا كما سوف أشير إليه.
الخادم -أيضاً- فيه نظر، كونه تلزمه نفقته.
فالرقيق إذاً العبد القن فإنها تلزمه نفقته، فهذا تلزمه مؤنته، فلا يجوز له صرف الزكاة إليه، وقد أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة؛ لأن نفقتها واجبة عليه، قاله ابن المنذر . لكن هل يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج؟ أبو حنيفة يقول: لا، لماذا يا أبا حنيفة ؟ قال: لأن الرجل من المرأة كالمرأة من الرجل، يعني: هو زوجها وهي زوجه، فإذ لم نجز صرف زكاة الزوج إلى زوجته، لم نجز صرف زكاة الزوجة إلى زوجها. وهذا ضعيف من حيث القياس، وضعيف من حيث النص.
أما من حيث القياس فالواقع أن بين الزوجين فرقاً كبيراً، فالزوجة يلزم الزوج الإنفاق عليها، حتى لو كانت غنية كما ذكرت، بينما لا يلزم الزوجة أن تنفق على زوجها بحال من الأحوال، وقياس من تلزم نفقته بمن لا تلزم نفقته هو قياس مع الفارق، هذا أولاً.
ثانياً: أنه جاء نص في هذه المسألة، وهو ما رواه البخاري في صحيحه عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود : أنها قالت لـعبد الله بن مسعود، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن، فقالت لـ
إذاً: الخلاصة في هذه الفقرة: أن من تلزمه نفقته لا يجوز له أن يعطيه من الزكاة.
لكن نسأل: من هو الذي تلزمه مؤنته ونفقته؟ نحن ذكرنا الزوجة كمثال، ذكرنا العبد كمثال، إنما هناك سؤال: من هم الذين تلزم الرجل نفقتهم؟ في هذه المسألة أو في الجواب على هذا السؤال هناك ثلاثة اتجاهات أو ثلاثة مذاهب، وهي مسألة مهمة، وإن لم تكن لصيقة بالزكاة؛ لأنها تأتي في النفقات، لكن محلها مناسب الآن.
القول الأول والمذهب الأول للحنابلة قالوا: الذين تلزمهم نفقته هم الوارثون، لقوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233] فمن كان وارثاً، فإنه تلزمه نفقته.
القول الثاني أضيق: قال: الأصول وإن علوا، والفروع وإن سفلوا، وهذا قول الشافعي، ويدخل فيه أيضاً الزوجة مع أنها ليست من الأصول ولا من الفروع.
القول الثالث -وهو أضيق المذاهب الثلاثة وهو قول مالك -: أن النفقة لا تجب إلا على الأب لأولاده، الولد الذكر حتى يبلغ، والأنثى حتى تتزوج، وكذلك تجب النفقة على الولد لأبويه الفقيرين، إضافة إلى نفقة الزوجة على زوجها، وهذا باتفاق المذاهب.
إذاً: الحنابلة يربطون الأمر بالميراث، والشافعية يربطونه بالأصول والفروع، والمالكية يضيقون فيجعلون النفقة للأصول والفروع، لكن في حال خاصة وهي للأب الفقير فقط، وللولد الصغير حتى يبلغ ذكراً، وحتى يتزوج أنثى إذا كان أنثى، طيب. أما الزوجة فنفقتها واجبة باتفاقهم.
إذاً: الكافر ممن لا يجزئ دفع الزكاة إليه، أما إن كان الكافر محارباً فباتفاق العلماء لا يجزئ ولا يجوز دفع الزكاة إليه، بل ولا إعطاؤه المال؛ لأن إعطاءه المال إعانة له على حرب المسلمين، فلا يجوز إعطاء المحارب، وهكذا إن كان الكافر مرتداً، يعني: مسلماً ارتد عن دينه، فإنه لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، سواء انتقل إلى دين آخر، أو بقي بغير دين، أو كان شيوعياً .. أو غير ذلك.
والدليل على هذا أولاً: الإجماع كما نقله ابن المنذر .
ثانياً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم ) يعني: فقراء المسلمين، وهذا نص في أنها لا تعطى لكافر كما ذكرنا، أما المحارب فلا إشكال فيه، والمرتد لا إشكال فيه، ولا خلاف فيهما مطلقاً.
بقينا في الذمي ومن في حكمه، الذي له ذمة وعهد عند المسلمين هل يجوز إعطاؤه من الزكاة المفروضة أو لا يجوز؟ الجمهور أنه لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، إلا في الأحوال الخاصة المستثناة، مثل ماذا الأحوال الخاصة المستثناة؟ نعم، غير محتاج، مثل: المؤلفة قلوبهم، فقد ذكرنا أمس المؤلفة قلوبهم، وأن منهم من هم كفار يعطون لإسلامهم، أو لدفع شرهم، فهذه حالة خاصة، بل عند الحنابلة قول: أنه لو كان الكافر من العاملين عليها، أعطي عوضاً عن عمله من الزكاة، ليس لفقره ولا لاعتبار آخر.
إذاً: هناك حالات خاصة، لكن الجمهور على أنه لا يعطى الكافر من الزكاة إلا في مثل هذه الحالات الخاصة، وحجة الجمهور ذكرناها قبل قليل.
هناك قول آخر: أنه يجوز إعطاء أهل الذمة من الزكاة، وهذا منقول عن ابن سيرين والزهري وجابر بن زيد وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كما أسلفنا قبل قليل، وقال عكرمة مولى ابن عباس في تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] قال: [ الفقراء: هم المحتاجون من المسلمين، والمساكين: هم المحتاجون من أهل الكتاب ].
فعلى هذا فـعكرمة يرى جواز إعطاء الفقراء من أهل الكتاب من أهل الذمة من الزكاة، وهذا القول اختاره زفر من فقهاء الحنفية، والأقرب -والله أعلم- أن الصدقة المفروضة (الزكاة) لا تعطى لكافر من ذمي ونحوه، لكن إن احتاج الذمي، هذا الكلام تاريخي، لأنه وإن كان يوجد الآن في أوساط المسلمين من هم في مصر والشام .. وغيرها من سكان البلاد الأصليين، ممن هم من أهل الكتاب، كالأقباط مثلاً، فلذلك يقولون: إن احتاج الذمي أعطي من بيت المال، وهذا متفق عليه، ولذلك فعل عمر ما ذكرت لكم قبل قليل، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بـالبصرة يقول: [ وانظر من قبلك من أهل الذمة، ممن كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر له من بيت مال المسلمين ما يصلحه ]. انظر كيف يصرف لهؤلاء من بيت مال المسلمين؛ لأن هذا مقتضى العهد والذمة الذي تعاقدوا عليه، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُواث الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:91].
إذاً: الكافر ذكرنا أنه لا يعطى.
سؤال آخر أيضاً: مما يدخل أيضاً في باب الفاسق: أنه إذا كان الفاسق من المظهرين للفسق، المؤذين للمؤمنين بفسقهم، المجاهرين، وهذا يقع كثيراً، يكون عنده أذى وتضييق على المسلمين، وإزعاج لهم بمعاصيه وفجوره وفسقه، وقد يحول الحي الذي يعيش فيه إلى وكر للرذيلة والدعارة والفسوق وتعاطي المخدرات، فمثل هذا ينبغي أن تمنع عنه الزكاة؛ لأنه يؤذي المؤمنين بعمله هذا، وهو من المجاهرين، ولذلك يكون من ردعه ومنعه أن تمنع عنه الزكاة.
البدعة نوعان:
النوع الأول: البدعة المكفرة التي يكفر بها صاحبها، فهذا لا يعطى من الزكاة؛ لأنه يلحق بالكفار والمرتدين، فلا يعطى من الزكاة.
وأما النوع الثاني من البدعة فهي: البدعة المفسقة، ويسميها العلماء: فسق تأويل، أو فسق اعتقاد وهذا القول فيه كالقول في الفاسق العملي والله أعلم أنه الأصل أن يختار الإنسان من كان على السنة والتقوى والصلاح، لكن إن أعطاه لسبب جاز، إلا إن كانت عطيته تعينه على فسقه وبدعته، أو على نشرها، فإنه يمنع حينئذ، ولهذا ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه عن فضيل قال: [ سألت إبراهيم -يعني النخعي - عن أصحاب الأهواء هل يعطون من الزكاة؟ فقال: ما كانوا يسألون إلا عن الحاجة، فإن وجدوه محتاجاً أعطوه ] وهذا قول أبي حنيفة والشافعي . انتهى ما ذكره المصنف في الأصناف.
هو قول مالك ووجه عند الشافعية أنه يجوز، وهو الذي رجحناه.
مسألة: هل يجهز الميت من الزكاة؟
نقول: الجمهور يرون أن الميت لا يجهز من الزكاة، لكن لا شك أنه لو ضاق المجال عن تجهيزه، ولم يوجد مجال لتجهيز الميت إلا من الزكاة، فإن الأقرب أنه يجهز منها؛ لأن هذا في حكم الضرورة للميت، وهو كضرورات الحي، والله أعلم.
وبناء عليه يجوز دفع صدقة التطوع لأهل الذمة كما ذكرت، لكن قول المصنف: (إنه يجوز مطلقاً) فيه نظر؛ لأن صدقة الفطر لا يجوز دفعها، وإن كانت ليست من صدقة التطوع، لكن المصنف ذكر الزكاة وذكر صدقة التطوع، فبقيت صدقة الفطر الأولى أن تلحق بالزكاة المفروضة، لأنها واجبة، فلا يعطى منها أهل الذمة، وإن كان الخلاف فيها جارياً، والأقرب أنها ملحقة بالزكاة المفروضة.
لكن هناك قول آخر وهو: أنه إذا دفعها إلى غير مستحقها بتحرٍ واجتهاد أجزأه ذلك، وهو الذي ينبغي أن يعتمد، فإذا أعطاها لكافر يظنه مسلماً بتحريه واجتهاده، أو لغني يظنه فقيراً، أو لرجل عامي فبان من آل البيت، على القول بأنها لا تدفع الصدقة إليهم، أو لرجل يظنه مسلماً فبان كافراً، وقد اجتهد في ذلك، فالصواب أنها تجزئه، ولا يلزمه الإعادة، لأن الحكم واحد ولا فرق بين الغني وغيره، والقول بأن هذا أمر خفي فيه نظر؛ لأن كل هذه الأمور قد تخفى.
ومما يستأنس به على هذا المعنى ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( خرج رجل بصدقته فوضعها في يد زانية، وخرج في الليلة الثانية فوضعها في يد سارق، وخرج في الليلة الثالثة فوضعها في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون: تُصدق على غني، وعلى سارق، وعلى زانية، وناداه مناد: أنها كتبت في الصدقة للمتصدق، أما الغني فلعله أن يعتبر فينفق، والسارق يستعف عن سرقته، والزانية تستعف عن زناها ) فهذا دليل على أنه من دفعها إلى رجل يظنه من أهل الزكاة، فبان من غير أهلها، وكان مجتهداً في ذلك أنه لا يلزمه إعادة الزكاة، وصدقته صحيحة، أما إن كان مفرطاً أو مهملاً فيلزمه أن يعيد إخراج الزكاة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي عبيد .. وغيرهم.
الجواب: لا. أولاً: نحن نتساءل: من هم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذين يشملهم هذا الدعاء؟
ثانياً: من الفقهاء من قال: إن هذا الحكم خاص في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانتهى بموته.
وأيضاً: هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلق به حكم شرعي في منع الصدقة، ولا يلزم منه أن يكونوا دائماً أغنياء، وإنما ظاهر الحديث والدعاء كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا يتوسعوا في الأرزاق؛ حتى تشغلهم عن دينهم وعبادتهم وطاعتهم.
الجواب: أما إن كان محتاجاً فينبغي له أن يأخذ من الزكاة، ولا يسن له أن يتركها، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأخذون الزكاة، ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) إن كان فقيراً أو محتاجاً، ولذلك نص العلماء على أن طالب العلم إذا تفرغ لطلب العلم يصرف له من الزكاة، حتى ذكرنا كتب العلم أنها قد توفر له؛ لئلا ينشغل بطلب الرزق.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر