إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة العيدين - حديث 520-523

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة العيدين - حديث 520-523للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صفة صلاة العيدين مبينة في الأحاديث الصحيحة سواء ما يتعلق بالتكبيرات وعددها أو السور التي تقرأ فيها وكذا رفع اليدين مع التكبير فيها وما يقال بين التكبيرات، وما يتعلق بصلاة العيد من مخالفة الطريق والحكمة المقصودة من ذلك، وكله مفصل في هذه المادة.

    1.   

    شرح حديث: (التكبير في الفطر سبع في الأولى ..)

    سبق أن شرحنا في العيدين أشياء عديدة من آخرها في الدرس الماضي تقريباً أن شرحنا الأذان للعيد، وأنه ليس للعيد أذان ولا إقامة، وكذلك خطبة العيد وما يقال فيها من الذكر والموعظة، وعندنا اليوم، وهذا الدرس رقمه: (184) من شرح البلوغ، وهذا اليوم وهو يوم السبت تاريخه (11) من جمادى الثانية من سنة (1426هـ).

    عندنا الحديث الأول ورقمه: (495) حسب تسلسل النسخة المعتمدة لدينا نسخة سمير الزهيري، وهي من أفضل النسخ المطبوعة الموجودة في الأسواق.

    عندنا الحديث رقم: (495) حسب هذه النسخة، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( التكبير في الفطر: سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما ) . يقول المصنف رحمه الله: رواه أبو داود، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه.

    وكالمعتاد عندنا في هذا الحديث عدد من المباحث والعناصر. ‏

    تخريج الحديث

    فأولاً: عندنا ما يتعلق بالتخريج:

    فالحديث رواه أبو داود في سننه كما أشار المصنف، وذلك في صلاة العيدين، باب: التكبير في العيدين، وكذلك رواه النسائي في التكبير في صلاة الفطر، ورواه ابن ماجه في باب إقامة الصلاة، باب: كم يكبر الإمام في العيدين؟

    ورواه أيضاً جمع من الأئمة: كـأحمد في مسنده، والبيهقي في سننه، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، وابن أبي شيبة في المصنف، والفريابي، وغيرهم.

    إسناد هذا الحديث:

    في إسناده رجل اسمه: عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، وهو متكلم فيه، ففيه ضعف، وبهذه العلة أعل الحديث بعض الأئمة كـابن حزم في المحلى، والطحاوي أيضاً في شرح المشكل، فإنه ضعف الحديث بـالطائفي هذا.

    وفيه أيضاً علة أخرى أنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد جاءت معنا كثيراً وتكلمنا فيها وفصلنا في أحد المواضع، وخلصنا إلى ما كان يقوله الإمام أحمد رحمه الله: أن إسناد عمرو بن شعيب إن شئت أن تأخذ منه أخذت، وإن شئت أن تترك منه تركت، وأن أهل الحديث إن شاءوا أخذوا وإن شاءوا تركوا، وكأن هذه الكلمة من الإمام أحمد تعني: أن إسناد عمرو بن شعيب عندهم يعتمد على نوع المروي، فإذا كانت رواية مستقيمة على الجادة أخذوا بها، أما إذا كانت رواية مخالفة لغيرها من الروايات فإنهم يطرحونها، أي: كأنهم لا يحتملون مخالفة إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا تفرد بشيء، وأما إذا جاء بما يوافق رواية الجماعة فإنهم يأخذونه.

    إذاً: هاتان علتان في الحديث، ومع ذلك فإن جماعة أهل الحديث صححوا هذا الإسناد، وممن صححه البخاري، كما نقله عنه الترمذي، والترمذي نقل تصحيح البخاري في كتابه العلل الكبير -كتاب الترمذي رحمه الله- فإنه سأل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: صحيح. وكذلك نقل جماعة التصحيح عن الإمام أحمد أيضاً أنه صحح الحديث، وعلي وهو علي بن المديني، وهؤلاء ثلاثة من كبار الأئمة.

    وممن صححه أيضاً الإمام ابن حجر صاحب البلوغ، والنووي كما في الخلاصة والمجموع وغيرهما، وابن عبد البر والألباني والعراقي وغيرهم من الأئمة.

    وكأن هؤلاء الذين صححوا الحديث صححوه بشواهده، فلا نقول: بمجموع طرقه، وإنما نقول: صححوه بشواهده، وما هو الفرق بين الطرق والشواهد؟

    الشواهد هو: أن يرد المعنى عن صحابي آخر، فهذا يسمى شاهداً، وأما إذا كان عن الصحابي ذاته ولكن بإسناد آخر فهذا يسمى طريقاً.

    فنقول: الحديث ربما يحسن أو يصحح لا بطرقه؛ لأنه ليس له إلا هذا الطريق، ولكن بالشواهد التي جاءت عن جماعة من الصحابة.

    شواهد الحديث

    هناك عدد من الشواهد، منها: حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده، وجده عمرو بن عوف المزني، وهذا الحديث -حديث عمرو بن عوف المزني - عند الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة، والترمذي يصحح هذا الإسناد.

    ولكن العلماء انتقدوا الترمذي على هذا التصحيح واعتبروا هذا من تساهله رحمه الله، فإن هذا الإسناد ضعيف، بل بعضهم يبالغ في تضعيفه، ولكن قد يقبل في الشواهد، والعلماء يترخصون فيما يسمونه بالشواهد والمتابعات، يعني: ما دام الحديث يساق كشاهد يتسامحون فيه ما لا يتسامحون في الحديث إذا كان في الأصول، وهذا معروف عن الأئمة كـمسلم والدارقطني وغيرهم.

    كذلك من شواهده حديث عائشة رضي الله عنها وهو عند أبي داود وأحمد في مسنده، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة، وعبد الله بن لهيعة متكلم فيه، اختلط بآخره أو بأخره يعني: في آخر حياته، أصبح له نوع من الاختلاط، يعني: تغير عقله وتغيرت روايته، حيث داخله نسيان بسبب كبر السن والهرم، أو بسبب ظروف صحية ألمت به، أو حتى نفسية، وبالتالي يضعف حفظ الراوي، فـابن لهيعة ممن قيل فيه: اختلط بآخره، والعلماء اعتنوا بهذا النوع من الرواة وصنفوا فيهم، مثل ابن الكيال : من اختلط من الرواة الثقات، فهم نصوا وحددوا أسماء الرواة الذين حصل لهم اختلاط، فـابن لهيعة اختلط، ولذلك يقال: رواية العبادلة عنه أحسن من غيرها، وإن كان الكثير من أئمة الحديث يعتبرون ابن لهيعة أقرب إلى الضعف.

    فحديث عائشة رضي الله عنها فيه ابن لهيعة، ومع أن ابن لهيعة في إسناده إلا أنه اضطرب في روايته أيضاً، فهذه علة أخرى.

    وكذلك من شواهده: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه ابن لهيعة أيضاً، ولعل هذا من اضطراب ابن لهيعة أنه مرة روى الحديث عن عائشة، ومرة روى الحديث عن أبي هريرة .

    من شواهده: حديث ابن عمر عند الدارقطني, وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف، أو منكر الحديث كما يقول بعضهم.

    ومن الشواهد: حديث سعد بن عائد عند ابن ماجه والحاكم، وقال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي . والواقع أن في سنده ضعفاً واضطراباً.

    من الشواهد أيضاً: حديث عبد الرحمن بن عوف عند البزار، وفيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف متكلم فيه، بل بعضهم قال: منكر الحديث.

    فهذه أحاديث مرفوعة ممكن أن نسردها باختصار بواسطة اسم الصحابي فقط، هذه الأحاديث هي عبارة عن شواهد لحديث الباب وبالمناسبة حديث الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

    أيضاً: هناك شواهد أو مقويات لحديث الباب هي عبارة عن آثار عن الصحابة وليست أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أحسن وأقوى هذه الشواهد:

    ما رواه مالك في موطئه عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: ( صليت العيد مع أبي هريرة رضي الله عنه، فكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً ) وإسناده صحيح.

    إذاً: هذا من رواية أبي هريرة من فعله، ولكن يحمل على أنه أخذه ورواه نقله؛ لأن أبواب العبادات ليس فيها مجال للاجتهاد، فالغالب أن يكون الصحابة رضي الله عنهم أخذوا بهذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    إذاً هذا ما يتعلق بإسناد الحديث، وقد ذكرنا من صححه، وذكرنا من ضعفه والمصححون أكثر، بسبب كثرة الشواهد.

    معاني ألفاظ الحديث

    الفقرة الثانية: نقف قليلاً عند الألفاظ والمفردات.

    قوله: (التكبير في الفطر) المقصود بالفطر: صلاة عيد الفطر، وهو عيد الفطر بعد شهر رمضان المبارك.

    قوله: (سبع في الأولى) يعني: سبع تكبيرات في الركعة الأولى.

    وهل تدخل فيها تكبيرة الإحرام أو لا تدخل؟

    الحديث ليس صريحاً في هذا، هل هي سبع في الأولى يعني السبع الخاصة بالعيد فتكون سبعاً غير تكبيرة الإحرام، أو هي سبع بما فيها تكبيرة الإحرام، يعني بدلاً من تكبيرة واحدة أصبحت سبعاً؟ هذا محل احتمال، والحديث لا يدل على شيء منهما.

    قال: (وخمس في الآخرة) يعني: خمس تكبيرات في الركعة الثانية، وذلك أن صلاة العيد ركعتان كما هو معروف، وإذا قال: (الآخرة) فالمقصود: الثانية.

    ثم قال: (والقراءة بعدهما كلتيهما) معناه أن التكبير يكون في أول الركعة قبل القراءة، ففي الركعة الأولى إذا كبر تكبيرة الإحرام كبر التكبيرات السبع بعدها، وفي الركعة الثانية إذا قام من السجود الأول سجود الركعة الأولى قام للركعة الثانية وكبر تكبيرة الانتقال، فهذا يحدد محل التكبير وأنه في أول الركعة.

    الاختلاف في عدد التكبيرات في صلاة العيد

    النقطة الثالثة: هي المسائل الفقهية في الحديث، وعندنا تقريباً أكثر من مسألة:

    المسألة الأولى: عدد التكبيرات في صلاة العيد.

    كم تكبيرة في صلاة العيد؟ فهذه المسألة من أشهر المسائل في الباب، وقد جمعت أقوال العلماء فوجدتها تزيد على سبعة أقوال، لكن نذكر أهم هذه الأقوال.

    القول الأول: أنها سبع في الأولى وخمس في الثانية وأدلته

    القول الأول: أنه يكبر كما يقتضيه لفظ الحديث: (سبعاً في الركعة الأولى، وخمساً في الركعة الثانية) هذا هو القول الأول. وهذا القول هو قول أكثر أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم.

    فنقل عن جماعة من الصحابة كـعمر, وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري, وجابر بن عبد الله وابن عباس وأبي أيوب وزيد بن ثابت وعائشة وغيرهم، فهو أكثر ما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم.

    وكذلك هو مذهب أكثر التابعين كـعمر بن عبد العزيز وغيره، وأكثر الأئمة المتبوعين، مذهب فقهاء المدينة السبعة المشهورين، أيضاً هو المذهب المشهور عند الأئمة الذين نقلت مذاهبهم؛ كـأحمد بن حنبل والشافعي ومالك رحمهم الله، فهو مذهب الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد، سبع في الأولى وخمس في الثانية.

    وجدير هنا أن نشير إلى أنهم اختلفوا في حساب تكبيرة الإحرام أو عدم حسابها، ولا داعي لأن نطيل عند هذه النقطة حتى لا تتداخل الأقوال، فتداخل المذهب هذا: سبع في الأولى وخمس في الثانية، الشافعي يقول: سبع غير تكبيرة الإحرام، والبقية يقولون: سبع بما فيها تكبيرة الإحرام، هذا خلاف داخل هذا القول لا نستطرد فيه، فنبقى على أصل هذا القول أو هذا المذهب، وقد ذكرنا من قال به.

    أدلة هؤلاء الأئمة على ما ذهبوا إليه، ما هي؟

    أولاً: حديث الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد ذكرنا من صححه من الأئمة وأخذ به، وذكرنا شواهده أيضاً.

    كذلك يستدلون بالشواهد التي سقناها عن جماعة من الصحابة كـأبي هريرة وابن عمر وعائشة وسواهم.

    والدليل الثالث: الآثار المروية عن الصحابة، وهي أقوى وأصح من الأحاديث، وقد ذكرنا لها نموذجاً أثر أبي هريرة رضي الله عنه وهو عند مالك في الموطأ والبيهقي وغيرهما، وسنده صحيح، وكذلك ذكرنا جماعة من الصحابة الذين نقل عنهم هذا القول، فهذه النقول عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن هذه هي السنة، ولا شك أن فعل الصحابة في مثل هذه الأمور يعول عليه، والغالب أنه يعتمد على نقل أو على توقيف من الرسول عليه الصلاة والسلام.

    إذاً: هذا هو القول الأول في المسألة.

    القول الثاني: أنها أربع في الأولى وأربع في الثانية وأدلته

    القول الثاني: أنه يكبر ثلاثاً في الركعة الأولى غير تكبيرة الإحرام، فمع تكبيرة الإحرام تصبح أربعاً في الركعة الأولى، ويكون التكبير في الأولى قبل القراءة، وأما في الركعة الثانية فقالوا: يكبر أيضاً ثلاثاً لكن بعد القراءة في آخر الركعة، فتكون مع تكبيرة الركوع أربعاً، فهي ثلاث خاصة بالعيد، فإذا أضفنا إليها تكبيرة الإحرام في الأولى صارت أربعاً، وإذا أضفنا إليها تكبيرة الانتقال إلى الركوع في الركعة الثانية صارت أيضاً أربعاً، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وكذلك نصره الطحاوي في شرح الآثار وغيرهم، ونقل عن الثوري وسواه.

    إذاً: هذا هو القول الثاني، حجة أصحاب هذا القول:

    من أدلتهم: ما ذكره الطحاوي عن القاسم عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [ أنه صلى بهم العيد فكبر بهم أربعاً في الأولى وكبر بهم أربعاً في الثانية، فلما انصرف قال لهم: لا تنسوا تكبيرات العيد كتكبيرات الجنازة، وأشار بيده وترك الإبهام ] فبقي كم من الأصابع؟ أربع أصابع، فهذا من حجتهم.

    وكذلك نقل الطحاوي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وحذيفة مثل هذه الرواية.

    وهذا الأثر الثاني عن أبي موسى وحذيفة رواه الإمام أحمد في مسنده، وفي سند هذه الآثار ضعف وانقطاع، فهي لا تثبت. هذا هو القول الثاني.

    الأقوال الأخرى في المسألة والترجيح

    بقيَّة الأقوال نسردها سرداً من غير وقوف عندها.

    هناك قول بأنها سبع في الأولى وسبع في الثانية، وهذا مروي عن بعض الصحابة كـأنس بن مالك رضي الله عنه.

    وقيل: ست في الأولى وخمس في الثانية.

    وقيل: أربع في الأولى وأربع في الثانية، يعني: خلا تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، فتصبح خمساً مع الإحرام وخمساً مع تكبيرة الركوع.

    وقيل: بالتفريق بين صلاة الفطر وصلاة الأضحى، ففي صلاة الفطر يكبر في الأولى ستاً وفي الثانية خمساً، وفي تكبيرات الأضحى يكبر في الأولى ثلاثاً وفي الثانية تكبيرتين. وقيل غير ذلك من الأقوال، وهذا القول بالتفريق يروى عن علي رضي الله عنه.

    الخلاصة: أنه بعدما سردنا الآن الأقوال يظهر -والله أعلم- أن أقواها وأثقلها في ميزان النقد العلمي القول الأول، لقوة وكثرة أدلته، ولكثرة القائلين به من الصحابة، ولكثرة القائلين به من الأئمة، وقد نوهت في أكثر من موضع أن القول الذي يختاره جمهور أهل العلم في الغالب أنه أقوى، وليس هذا مطرداً لكن هو الأغلب. قاعدة أغلبية: أن القول الذي يأخذ به جماهير أهل العلم في الغالب أنه يكون أقوى مأخذاً أو أصح دليلاً، هذا ليس مطرداً ولكنه غالب كما ذكرت.

    رفع اليدين مع التكبير في صلاة العيد

    المسألة الثانية في الحديث أيضاً: مسألة رفع اليدين.

    الآن قلنا: يكبر سبعاً في الأولى، وخمساً في الثانية، فهل يرفع يديه مع التكبير أو يكبر بدون رفع؟ الحديث هل نص على شيء من ذلك؟

    لا.. الحديث ذكر التكبير ولم يذكر الرفع، ومن هنا اختلف أهل العلم في حكم رفع اليدين مع التكبير:

    فذهب الجمهور إلى مشروعية رفع اليدين مع كل تكبيرة، فيشير بيديه مع كل تكبيرة كما يشير في تكبيرة الإحرام، يعني: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام محل اتفاق، وإنما الاختلاف فيما عدا تكبيرة الإحرام.

    فالجمهور كما ذكرت الشافعي وأحمد وأبو حنيفة يقولون: يرفع يديه مع كل تكبيرة، ما حجتهم؟

    أولاً: احتجوا بما رواه أبو داود عن وائل بن حجر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة مع كل تكبيرة ) وهذا الحديث لو صح وثبت لكان يدل على رفع اليدين حتى في صلاة الفريضة؛ لأنه ما ذكر العيد.

    والذي عليه أكثر أهل العلم وهو الأقوى دليلاً: أن اليد لا ترفع في الصلاة مع كل تكبيرة، فتكبيرات السجود والرفع من السجود لا ترفع فيها اليد، وإنما كما قال ابن عمر كما في الحديث المتفق عليه: أنه يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع. والموضع الرابع عند القيام من التشهد الأول، وجاء في هذا حديث عن أنس رضي الله عنه.

    أما بقية الانتقالات في الصلاة فلا ترفع فيها اليد، ولهذا بعضهم أعل حديث وائل بن حجر، وقالوا: إن الأصل أن الحديث بأنه كان يكبر في كل خفض ورفع، وليس أنه يرفع يديه مع كل تكبيرة.

    إذاً: حجتهم أولاً حديث وائل بن حجر وقد بينا ما فيه.

    من حجتهم أيضاً: أثر ذكره البيهقي عن عمر رضي الله عنه: [ أنه كان يرفع يديه في تكبيرات العيد ] وهذا الأثر في سنده ضعف .

    من حججهم أيضاً: ما نقل عن النخعي أنه كان يقول: ترفع اليدين في سبعة مواضع، وذكر الجنازة وذكر العيدين، وهذا أثر مقطوع، وليس مرفوعاً؛ فإنه من قول النخعي كما ذكرت، وقد رواه الطحاوي وغيره .

    إذاً: هذا ما يتعلق بالنقل، واستدلالهم على رفع اليدين بالأدلة النقلية، استدلوا بحديث وائل بن حجر، واستدلوا بأثر عمر، واستدلوا بقول لـإبراهيم النخعي .

    وهناك استدلال عقلي أو نظري لهم، وهو أنهم قالوا: إن هذه التكبيرات مقصودة لذاتها فيشرع لها رفع اليد، يعني: التكبير هنا ليس تكبيراً للانتقال وإنما التكبير مقصود لذاته، فهي ذكر مقصود بذاته، فيشرع له رفع اليدين لما فيه من التعظيم.

    ويمكن أن نضيف على هذا الاستدلال العقلي: أنها تكبيرات عن قيام، يعني: الإنسان يكبر وهو قائم، وتكبيرات القيام الغالب فيها التعظيم لله سبحانه وتعالى، الذي من مقتضاه رفع اليدين مثل تكبيرة الإحرام، فتكبيرة الإحرام يشرع فيها رفع اليد؛ لأنها تكبيرة تعظيم عن قيام، وكذلك تكبيرة الركوع؛ لأنها تكبير عن قيام -يعني: والإنسان قائم- فيشرع لها ذلك، وهذا الاستدلال قال به بعض أئمة الشافعية.

    وبناءً على هذا النظر يقال: إن الإنسان يشرع له أن يرفع يديه في تكبيرات العيد وفي تكبيرات الجنازة، وإن كان الأمر فيه اختلاف وفيه سعة أيضاً.

    القول الثاني: أنها لا ترفع إلا في تكبيرة الإحرام، فيرفع يديه في تكبيرة الإحرام ثم يكبر بقية تكبيرات العيد ويده اليمنى على اليسرى دون أن يحركهما، وهذا قول الإمام مالك رحمه الله والثوري .

    دليلهم على ذلك: ما يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه: ( أنه كان لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الاستفتاح ).

    وأيضاً هنا الأمر واسع، ونحن نؤثر لطالب العلم أن يتعلم الخلاف ويتعلم مع الخلاف أدبه، والنظر في أن مثل هذه الأشياء تكون الأدلة متقابلة أو متقاربة، وقد يأخذ هو بشيء ولكن لا يؤاخذ ولا يثرب ولا يوغل أيضاً؛ لأن كونك تضيع جزءاً طويلاً من عمرك تبحث عن هذه المسألة، معناه: متى ستنتهي من مسائل الفروع الفقهية التي ليس لها عد ولا إحصاء؟ فخذ ما تيسر من لب هذه المسألة ثم اذهب إلى غيرها، لا تطل الوقوف عندها فيضيع بذلك المزيد من وقتك، اذهب إلى ما هو أنفع وأجدى.

    ما يقال بين التكبيرات في صلاة العيد

    المسألة الثالثة في الحديث: ماذا يقول بين التكبيرات؟

    الآن عرفنا أنها سبع تكبيرات فماذا يقول بينها؟

    الجمهور على أنه ليس بين هذه التكبيرات ذكر خاص، ولكن يقول ما تيسر:

    فيمكن مثلاً أن يقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).

    ويمكن أن يقول: (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً).

    ويمكن أن يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك).

    ويمكن أن يذكر الله، ويمكن أن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، المهم أن يذكر الله تعالى؛ لأن الصلاة ليس فيها صمت، ولا يتعبد الله تعالى بصمت مطلق، وإنما يتعبد الله بالذكر. ( لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى ) .

    ولهذا لما قال أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي ... ).

    فهو ليس سكوتاً مطلقاً وإنما هو إسرار بالذكر والقراءة، ويجعل بين هذه التكبيرات فاصلاً ولو يسيراً من أجل ألا يرتبك الناس، خصوصاً وصلاة العيد يجتمع فيها خلق لا يجتمعون في غيرها، وقد يصعب عليهم متابعة الإمام في التكبيرات، أو لا يستطيع بعضهم أن يلحقه، فلذلك أكثر الفقهاء يرون أنه وإن لم يرد في السنة ذكر أو نص خاص فيما يقال بين التكبيرات إلا أنه ينبغي أن يكون بينها شيء ولو يسيراً من الفصل، بحيث يستطيع الناس متابعة الإمام دون أن يقع لهم ارتباك أو خلط بين التكبيرة وما بعدها، فيقول ما تيسر من ذلك.

    فوائد الحديث

    الفقرة الرابعة: فوائد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص

    ، من فوائده: أولاً: مشروعية التكبير في صلاة العيد، وهذا متضمن في قوله تعالى: (( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ))[البقرة:185] يعني: في ليلة العيد ويوم العيد، وقد حمل بعض المفسرين هذه الآية الكريمة على أن المقصود تكبيرات صلاة العيد، على أن المقصود التكبيرات في صلاة العيد، (( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ))[البقرة:185]، ولذلك يصح أن نقول: إن من أدلة القائلين باستحباب التكبيرات في صلاة العيد هذه الآية الكريمة. كذلك من فوائد الحديث: عدد التكبيرات في صلاة العيد، وأنها سبع في الأولى وخمس في الثانية، وذكرنا الخلاف هل تدخل فيها تكبيرة الإحرام أو لا تدخل. ومن فوائد الحديث: رفع اليدين في تكبيرات العيد. وهذه الفائدة ليست منصوصة في الحديث، وإنما هي تحتاج إلى نوع من الاستنباط كما ذكرنا، بأن يقال: إنها تكبيرات تعظيم مقصودة لذاتها تفعل عن قيام في الصلاة فأشبهت تكبيرة الإحرام، فيشرع لها رفع اليدين. ومن فوائد الحديث: استحباب فعل السنن المعتادة في صلاة العيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ذكر السنن الإضافية الزائدة التي فيها التكبيرات، وسكت عما سوى ذلك، فنقول: تستمر السنن الأخرى مثل دعاء الاستفتاح، ومثل قراءة الفاتحة وسورة، وهذا واجب -أعني قراءة الفاتحة- لا شك فيه، من قراءة سورة، وكذلك وضع اليمنى على اليسرى، إلى غير ذلك من السنن الثابتة في الصلوات الأخرى. كذلك من فوائد الحديث: الإشارة إلى اختلاف أهل العلم في عدد التكبيرات كم هي، وقد ذكرنا فيها سبعة أقوال، وأن هذا الاختلاف اختلاف مباح واختلاف في مباح، أو اختلاف فيما هو الأفضل، يعني: لو اقتصر على ثلاث تكبيرات فهل نقول في شيء؟ ما في شيء، أربع، ما في شيء. خمس ما في شيء أيضاً. ست ما في شيء. وإنما نقول: الأفضل هو ما وقع عليه الاختيار، وقد يقع الاختيار لفقهاء آخرين على غير ما تم اختياره. ولذلك ذكر ابن عبد البر

    وغيره من أهل العلم هذا المعنى، وأن اختلاف الفقهاء في هذه المسألة كاختلافهم مثلاً في صيغ الأذان، والأذان أوضح من تكبيرات العيد؛ لأنه يحتاج إليه في اليوم والليلة خمس مرات، ويسمعه الخاص والعام والذكر والأنثى والكبير والصغير، فجدير مع تكراره وشيوعه ألا يختلف الناس حوله أبداً، ومع ذلك وقع اختلاف عظيم في عبارات الأذان، وكذلك عبارات الإقامة وقع فيها اختلاف، ومثل ذلك أدعية الاستفتاح وقع فيها اختلاف، فهذه من الأشياء التي جرت سنة الله أن يختلف الناس حولها، والاختلاف هو اختلاف في مباح، في أمور كلها مباحة، لكن يختلفون فيما هو الأفضل منها.

    1.   

    شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأضحى والفطر ..)

    الحديث الآخر رقمه (496)، هو حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأضحى والفطر بـ (ق) و(اقتربت) ) رواه مسلم .

    تخريج الحديث

    الحديث خرجه مسلم في صحيحه في صلاة العيدين، باب ما يقرأ به في صلاة العيدين، ورواه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، كلهم رووه في باب ما يقرأ في صلاة العيدين.

    إذاً نستطيع أن نقول: إن الحديث خرجه الستة إلا البخاري، فقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ورواه أيضاً مالك في الموطأ، وابن حبان في صحيحه، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي وغيرهم.

    وهذا الحديث استشكل بعضهم فيه مسألة في سنده، فإنه جاء من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : ( أن عمر بن الخطاب

    سأل أبا واقد الليثي

    : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العيد؟
    ) فقال بعض الأئمة: إن عبيد الله بن عتبة هذا لم يدرك عمر، فكيف روى حديث: أن عمر سأل أبا واقد الليثي ؟! معنى ذلك أن الإسناد ظاهره أنه مرسل، يعني: عبيد الله يروي حادثة أو قصة لم يشهدها ولم يدركها، هذا إشكال، فكيف ننفك عن هذا الإشكال؟

    نقول: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة روى هذا الحديث وهذه القصة عن أبي واقد الليثي، هذا هو الصحيح، أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: سمعت أبا واقد الليثي يقول: ( سألني عمر

    رضي الله عنه! ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العيد؟ فقلت له: كان يقرأ بـ(ق) -يعني: في الركعة الأولى- و(اقتربت) ) أي: في الركعة الثانية.

    إذاً: هذا الحديث من مسند أبي واقد الليثي، وهكذا وضعه الأئمة في مسانيدهم في مسند أبي واقد، وبناءً عليه فليس في الحديث انقطاع؛ لأن عبيد الله بن عتبة أدرك أبا واقد وروى عنه، فالقصة هذه التي يرويها ابن عتبة لم يشهدها ولكن رواها عن صحابي، وهو صحابي الحديث، الذي هو أبو واقد، فلا إشكال.

    شواهد الحديث

    والباب نفسه -باب ماذا يقرأ في صلاة العيد- فيه أحاديث، منها: حديث النعمان بن بشير وهو عند مسلم في صحيحه أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العيد بـ(سبح اسم ربك الأعلى)، و(هل أتاك حديث الغاشية) ) وأنه أيضاً إذا اجتمع عيد وجمعة قرأ بها في العيد وقرأ بها في الجمعة.

    وكذلك عن ابن عباس رضي الله عنه عند الإمام أحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه، وسنده صحيح.

    وعن سمرة بن جندب أيضاً وهو صحيح.

    وعن عائشة رضي الله عنها عند الدارقطني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ(ق) و(اقتربت) ) كما في حديث الباب.

    إذاً: عندنا أربعة أحاديث فيما يقرأ في صلاة العيد:

    الحديث الأول: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ(سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية) ).

    الحديث الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ(سبح) و(الغاشية) ) وحديث ابن عباس رواه ابن ماجه وفي سنده ضعف.

    الحديث الثالث: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهذا الحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة وبسند صحيح.

    الحديث الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ(ق) و(اقتربت) ) وهو عند الدارقطني .

    إذاً: عندنا أربعة أحاديث للباب، حديث عائشة منها يصلح شاهداً لحديث الباب، أما البقية فهي في الباب؛ لكنها ليست شواهد!

    ماذا يقرأ في صلاة العيد؟

    ما يتعلق بالفقرة الثانية في الحديث: مسألة القراءة في صلاة العيد: ماذا يقرأ في صلاة العيد؟

    وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أنه يقرأ كما دل عليه ظاهر النص بـ (ق) و(اقتربت)، يقرأ في الركعة الأولى بسورة: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] كاملة، ويقرأ في الركعة الثانية بـ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] كاملة أيضاً، وهذا مذهب الشافعي ومالك رحمهما الله.

    وحجتهم:

    أولاً: حديث الباب.

    وحجتهم أيضاً ثانياً: حديث عائشة رضي الله عنها وهو شاهد الباب، هذا هو القول الأول.

    القول الثاني: أن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، ويقرأ في الركعة الثانية بـ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

    واستدل بأدلة: منها: حديث النعمان بن بشير -وقلنا: رواه مسلم - وهو حديث صحيح.

    ومنها أيضاً: حديث ابن عباس .

    والثالث: حديث سمرة بن جندب .

    إذاً الإمام أحمد استدل بثلاثة أحاديث على قراءة سبح والغاشية.

    هناك قول ثالث في المسألة، وهو القول بعدم التقييد، وهذا سبق له نظير عندنا في صلاة الجمعة، إذاً من هو قوله هذا بعدم التقييد؟ قول الحنفية، كذلك عدم التقييد عندهم في الجمعة يوافق عدم التقييد في صلاة العيد، فهم يقولون بأنه يقرأ ما تيسر، سواءً قرأ بـ (ق واقتربت) أو (سبح والغاشية) (أو بالضحى وألم نشرح)، أو (بالفلق والناس) أو بأي شيء من القرآن الكريم.

    وحجتهم قوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].

    وأيضاً احتج لهم الإمام الطحاوي بأحاديث الباب، فقال: إن الأحاديث مختلفة، ففي بعض الأحاديث القراءة بـ(سبح والغاشية)، وفي أخرى القراءة بـ(ق واقتربت)، فهذا دليل على أنه لا يتعين شيء؛ لأن هذا صادق وهذا صادق، الذي قال: إنه قرأ بـ(ق واقتربت) مصيب، والذي قال: إنه قرأ (بسبح والغاشية) مصيب، فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ما تيسر من القرآن، ولا يرى الأئمة الحنفية تقييد أو تحديد سور معينة للقراءة، وإنما يقولون: يقرأ ما تيسر من القرآن.

    ونقول: إن الراجح في هذه المسألة هو الأخذ بما ورد، فنقول: إن السنة هي التنويع، فمرة يقرأ سبح والغاشية، ومرة يقرأ (ق) و(اقتربت)؛ لأن هذا ورد وهذا ورد، وقد يكون ذلك إما على سبيل التنويع، بمعنى: مرة كذا ومرة كذا حتى يحيي السنة، وإما لاختلاف الأحوال، يعني: مثل أن يكون الناس في راحة وسعة فيقرأ ويتأنق ويطيل القراءة، فيقرأ بـ (ق واقتربت)، والناس أحياناً عندما يكونون في أزمة أو نازلة أو شيء ربما تكون الإطالة والتأنق وترديد الآيات وتحريك النفوس لها معنى عظيم، وأحياناً قد يكون الأمر بخلاف ذلك، فيكون الناس في عجلة من أمرهم، أو يكون هناك كثرة مثل الصلاة في الحرم المكي أحياناً، والناس يركب بعضهم بعضاً ويسجد بعضهم على ظهر بعض، فلا يكون معنى لإطالة الصلاة حينئذ، لما فيها من المشقة.

    إذاً: التنويع إما أن يكون للتنويع ذاته والتكرار والتغيير وتطبيق السنة وإحيائها، أو يكون لمراعاة حال المأمومين في الإطالة والقصر، ولا بأس أن يترك العالم أو الإمام أحياناً ما هو سنة إذا ترتب على الترك مصلحة، مثل: اجتماع قلوب الناس أو الرفق بهم، أو تعليمهم أمراً يجهلونه، مثلما نقل عن بعضهم: أنهم كانوا يعتقدون أن السجود الثاني سجود التلاوة في صلاة الفجر يوم الجمعة أنه واجب، حتى كان بعض العوام في بعض القرى يقولون: إن صلاة الفجر يوم الجمعة ثلاث ركعات، لأنهم اعتادوا أن الإمام يقرأ سورة السجدة ثم يسجد لها: إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة:15] فاعتادوا على ذلك، حتى ظنوا أن صلاة الفجر يوم الجمعة خلافاً لبقية الأيام ثلاث ركعات، فإذا وجد مثل هذا اللبس -وهو قليل على كل حال، لكن قد يحصل مع الجهل وكثرة الناس وتنائي الديار وتباعد الأمصار والأقطار- فإذا وجد هذا وترك الإنسان ما هو سنة لتعليمهم أن هذا الأمر ليس واجباً فلا بأس.

    والدليل على هذا المعنى: [ أن عمر رضي الله عنه لما قرأ على الناس وهو على المنبر السجدة فتهيأ الناس للسجود فسجد، ثم في الأسبوع الثاني لم يسجد، وقال: إن الله لم يكتب علينا السجود إلا أن نشاء ] يعني: ربما كان من مقاصد عمر رضي الله عنه أن يبين لهم أن هذا الأمر سنة وليس بواجب.

    إذاً: هذه كلها معان تراعى، ويبقى أن ما ورد في (ق واقتربت) فهو صحيح، وما ورد في سبح والغاشية فهو صحيح أيضاً.

    فوائد الحديث

    الفقرة الرابعة: فوائد الحديث. من فوائد الحديث: مشروعية القراءة بـ ((ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ))[ق:1] في الركعة الأولى من صلاة العيد، وبـ ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ))[القمر:1] في الركعة الثانية، وثبوت ذلك. الفائدة الثانية: أن ثبوت هذا لا يعارض ثبوت غيره، كالقراءة بسبح والغاشية، وقد ثبت هذا أيضاً بأسانيد صحيحة عند مسلم

    وغيره. الفائدة الثالثة: أن هذا الأمر على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، والدليل على استحبابه: أولاً: ورود هذا وهذا، فهو دليل على عدم التعيين. ثانياً: أن الأصل قوله تعالى: (( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ))[المزمل:20]، و(ق واقتربت) قد لا يكون الإنسان حافظاً لها أو متقناً، أو قد يثقل عليه قراءتها، وإنما هي قد تكون مما تيسر للقارئ فيقرؤها، أو تثقل وتصعب عليه ولا يحفظها فيقرأ غيرها، فذكرها إنما هو على سبيل الاستحباب. وفيه: مشروعية قراءة سورة بعد الفاتحة، وهل هذا واجب؟ لا. حتى في الفريضة، لا يجب قراءة سورة بعد الفاتحة، وإنما المتعين هو قراءة الفاتحة حتى في الفريضة، ولو سجد بعد قراءة الفاتحة فقد خالف السنة وأجزأته صلاته، فقراءة السورة بعد الفاتحة إنما هو على سبيل الاستحباب. وفيه: تلمس الحكمة من هذه السور، والأمر والله أعلم إذا قلنا: (ق واقتربت) فقراءتها لما فيها من ذكر الآخرة والجنة والنار والوعد والوعيد، ومثل هذه المعاني التي يحسن أن ترطب وترقق بها قلوب الناس في مثل هذا الموقف العظيم والحشر الهائل، وإذا قلنا: (سبح والغاشية) فللمعنى هذا ذاته أيضاً، ولما فيها من ذكر الأمر بالصلاة والزكاة: (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ))[الأعلى:14-15]. وقد ذكرنا في تفسير السورة أن من أهل العلم من قالوا: إن المقصود بـ (تزكى) يعني: أخرج زكاته وهي زكاة الفطر. ((وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) [الأعلى:15] يعني: صلاة العيد، وهذا نقل عن بعض الصحابة، ولكن الصحيح أن الآية لا تختص بذلك، وإنما هذا من معانيها، من مدلولاتها ومضامينها. وأيضاً من فوائد الحديث: أخذ العالم عمن هو دونه، وهذه نأخذها من أن عمر

    رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي

    ، ولا شك أن عمر

    في جلالته ومنزلته وعلمه يبعد أن يغيب عنه مثل هذا المعنى، ومع ذلك سأل عنه أبا واقد الليثي

    ، وهو أقل منه علماً وأقل منه صحبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولماذا سأل عمر

    أبا واقد الليثي

    ؟ قد يكون عمر

    نسي؛ لأن عمر

    بشر، فيجوز أن يكون لكثرة معلوماته ومحفوظاته وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم نسي ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العيد، فأحب من أبي واقد

    أن يذكره. وقد يكون عمر

    غاب أحياناً عن صلاة العيد لسبب، فقد يكون في غزو أو سفر أو غير ذلك. وقد يكون عمر

    رضي الله عنه يستذكر شيئاً وأحب من أبي واقد

    أن يؤكد له المعنى الموجود عنده؛ لأن علم الاثنين أفضل من علم الواحد. وقد يكون عمر

    رضي الله عنه أراد المذاكرة مع أبي واقد

    ، وهذا أيضاً يكون درساً في هدي وطريقة الأستاذ مع طلابه في مذاكرتهم للأشياء التي ربما هو يعرفها ولكنه يأخذها عنهم وينسبها إليهم، فيكون في ذلك تحفيز وتشجيع لهم.

    1.   

    شرح حديثي مخالفة الطريق يوم العيد

    الحديث الثالث: (497) حديث جابر رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق ) وهذا الحديث رواه البخاري .

    والبخاري روى الحديث في كتاب الجمعة، باب من خالف الطريق إذا رجع من العيد.

    والحديث الذي بعده مثله أيضاً: (498)، قال: ولـأبي داود عن ابن عمر نحوه. يعني: نحو حديث جابر رضي الله عنه.

    تخريج الحديثين

    حديث أبي داود عن ابن عمر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد من طريق ثم رجع من طريق آخر ).

    حديث ابن عمر رواه أبو داود أيضاً في الصلاة، باب الخروج من طريق والرجوع من طريق آخر، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي وابن أبي شيبة وغيرهم.

    والحديث في إسناده: عبد الله بن عمر العمري، ويسميه المحدثون بـعبد الله المكبر وهو ضعيف، بخلاف عبيد الله المصغر فهو ثقة، وفي بعض أسانيد الحديث جاء: عبيد الله، ولكن هذا تصحيف ومرده إلى عبد الله بن عمر العمري وقد ورد مر معنا في أكثر من موضع، عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف كما ذكرنا، ولهذا ضعف هذا الحديث النووي في الخلاصة وجماعة، ويكفي عنه حديث جابر الذي قبله.

    كما يكفي عنه شواهد عديدة ذكرها أهل العلم.

    فقد ورد هذا المعنى عن أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي وابن ماجه والحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين.

    وعن سعد القرظ عند ابن ماجه وهو ضعيف.

    وعن أبي رافع عند ابن ماجه وهو ضعيف أيضاً.

    وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار وهو ضعيف.

    فهذه كلها شواهد لحديث الباب.

    معاني ألفاظ الحديثين

    النقطة الثانية: ما يتعلق بمفردات الحديث.

    قول جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كان يوم عيد) (كان) الثانية يسميها النحويون تامة. يعني: ليست (كان) الناقصة هي وأخواتها، فهن ناقصات عقل ودين، وهذه (كان) تامة، وقد كمل من النساء أربع، هذه كان تامة إذاً، بمعنى: أنها لا تحتاج إلى اسم وخبر، وإنما ترفع ما بعدها على أنه فاعل.

    فقوله: (كان إذا كان يوم عيد) يعني: إذا حضر أو جاء يوم عيد، فيكون (يوم عيد) فاعلاً، جاء يوم عيد أو حضر يوم عيد، (يوم) هنا فاعل، وقد جاءت (كان) تامة في القرآن الكريم: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] يعني: هذه عندك بعدها قوله: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ [البقرة:280].

    يعني: حضر أو قام، فجاء بعدها الفاعل.

    أيضاً: من الألفاظ في الحديث قوله: (كان إذا كان يوم عيد خالف الطريق) فقوله: (خالف الطريق) هذا جواب الشرط، جواب إذا، يعني: إذا جاء يوم عيد خالف الطريق، يعني: ذهب من مكان ورجع من مكان آخر، فممكن يذهب مع طريق رئيسي ويرجع مع طريق فرعي، أو يذهب مع طريق فرعي ويرجع مع طريق فرعي آخر، أو مع طريق رئيسي آخر.

    حكم مخالفة الطريق في يوم العيد

    النقطة الثالثة: مسألة الباب، وهي: الذهاب من طريق والرجوع من طريق غيره مختلف عنه: هذا ما عليه جمهور أهل العلم، وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم وعن الأئمة الأربعة: مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة .

    وقد نقل الترمذي رحمه الله عن الشافعي : أنه يرى هذا مقصوراً على الإمام فقط، يعني: بحكم أن المروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الشافعي على حسب نقل الترمذي رأى أن هذا خاص بالإمام، أنه يذهب من طريق ويعود من طريق، لكن الجمهور من الأئمة والعلماء، بل وحتى الجمهور من الشافعية والمنصوص عليه في كتاب الأم للشافعي أن هذا لا يخص الإمام وإنما هو عام لجميع الناس، يعني: الإمام والمأموم، وكل أحد يذهب إلى المسجد يوم العيد يستحب له إذا ذهب من طريق أن يخالف الطريق إذا رجع.

    الحكمة من مخالفة الطريق في يوم العيد

    لماذا يخالف الطريق، ما هي الحكمة؟

    الحكمة بالنسبة لنا أولاً: اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إن أهل العلم تلمسوا حكماً حتى أوصلها العيني وابن حجر في شرح البخاري إلى أكثر من عشرين احتمالاً، وهكذا ابن القيم رحمهم الله.

    القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله قال: هذه كلها تخرصات وتمحلات باردة لا دليل عليها، بينما قال العيني : كلها اختراعات جيدة، وهكذا ابن القيم رحمه الله قال: لا مانع من إرادة الكل، يعني: إرادة كل الاحتمالات.

    وبعضها حقيقة ضعيف، مثلاً بعضهم يقولون: إنه كان من أجل الخوف من أن يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لأذى أو ضرر، يعني: يكون هذا إجراء أمنياً، مثل ما يفعلون في بعض الدول يكون هناك نوع من التغيير أو كما يسمى التمويه، بحيث إذا كان هناك استهداف يكون هناك احتياطات أمنية، وهذا أمر مستبعد جداً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش بين الناس ويخرج ويدخل ويأكل ويشرب معهم: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، وقد كان عليه حراسة ثم رفعها، فمثل هذه لا شك أنها تمحلات بعيدة.

    لكن هناك احتمالات جيدة، مثل القول -وهذا ورد فيه بعض الآثار المرفوعة- أنه حتى يسع الناس، بمعنى: أنه حتى يرى الناس جميعاً، يعني: يسع وقته للناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم يمر من طريق فيسلم عليهم ويعايدهم ويعايدونه، ويرجع من طريق آخر حتى يسلم على ناس آخرين ويسهل عليهم، بدل ما يأتون إليه عليه الصلاة والسلام يكون هو الذي مر عليهم، فيكون هذا من باب تسهيل عملية التواصل مع الناس.

    بعضهم قالوا: تفاؤلاً بتغير الحال، وهذا أيضاً معنىً جيد أن المسلم ينبغي أن تكون كل حركاته في معنى التفاؤل والتطلع إلى ما هو خير وأفضل.

    وبعضهم قالوا: إن هذا من باب إظهار الشوكة، وهذا أيضاً معنى جيد، خصوصاً عندما يحتاج المسلمون إلى ذلك، فيكون الاجتماع وإظهار شعائر الدين والإعلام بها، نوعاً من تدعيم وترسيخ مكانة الدين في المجتمع؛ لأنه في كل مجتمع يكون هناك قوة خفية من المنافقين وضعفاء الإيمان الذين يتربصون الدوائر، فإذا آنسوا من المؤمنين ضعفاً رفعوا رءوسهم، فإذا كان هناك نوع من إظهار الشوكة فإنهم يكمنون ويستخفون، هذه من المعاني الطيبة المطلوبة.

    فوائد الحديثين

    من فوائد الحديث أخيراً:

    أولاً: استحباب الذهاب لصلاة العيد، وهذا ذكرناه سابقاً وبينا أقوال العلماء فيه والقول الراجح.

    فيه: استحباب مخالفة الطريق كما نص عليه الحديث، مالم يكن في ذلك مشقة، فمثلاً: لو كان في ازدحام سيارات غير عادي هنا هذه السنة يكون هناك ما هو أولى منها.

    كذلك من فوائد الحديث: أن هذه السنة خاصة بصلاة العيد؛ لأنها لم ترد في غيرها، هل نقول بالنسبة للجمعة: يستحب أن يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر؟ لا. أو في غيرها من الصلوات؟ وإنما نقول: هذا خاص بصلاة العيد؛ لأنه لم يرد فيما سواه، والله تعالى أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    معنى حديث: (اختلاف أمتي رحمة)

    السؤال: يقول: ( اختلاف أمتي رحمة

    الجواب: هذا فيه كلام طويل ولنا مصنف عنوانه: (كيف نختلف) ذكرنا فيه هذا المعنى.

    موضع قراءة الفاتحة في صلاة العيد

    السؤال: هل يقرأ سورة الفاتحة مرة أخرى؟

    الجواب: لا. يقرأ الفاتحة مرة واحدة فقط بعد التكبيرات.

    الرأي في جوال الباندا

    السؤال: ماذا تقول في جوال الباندا؟

    الجواب: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، فمن كانت نيته في هذا الجهاز خيراً، ولم يرد سوءاً ولا شراً، فلا شيء عليه، ومن أراد شراً فله ما نوى.

    حكم من أدرك ركعة واحدة من صلاة العيد

    السؤال: لو جئت لصلاة العيد وصليت ركعة وبقي ركعة، فهل أتم الركعة مع التكبيرات أم لا؟

    الجواب: يقضيها بالتكبيرات؛ لأنه ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) والفقهاء يقولون: القضاء يحكي الأداء، فيقضيها كما هي بتكبيراتها.

    استعمال التصوير وقت الدرس

    السؤال: يقول: أنا ممن يحب أن يحضر الدروس، أتحرج من التصوير وخاصة إذا وجهت للطلاب؟

    الجواب: لا تتحرج يا حبيبي، لماذا نحن نشعر بالعداوة مع هذه الكاميرا؟ هذا التصوير ليس من باب الترف، أنت تعرف يا حبيبي أننا الآن أمام تحد ضخم جداً يجب أن نعيه، في العراق إحدى عشرة قناة للشيعة، بينما لا يوجد للسنة ولا قناة واحدة، ولو وجد للسنة قناة ربما يتحير السنة ماذا ينشرون؟ لماذا لا نكون فطنين؟ قد تكون هذه بالنسبة لك مفسدة أنك لم تتعود، نفسك لم تتقبل الشيء هذا، ويمكن تحل مشكلتك الشخصية بطريقة أو بأخرى، لكن لا تنس المصلحة العامة.

    يعني: مثل درس يحضره ثلاثمائة طالب، لكن إذا نقل وأراد الله ونقل في قناة كم سوف يشاهده؟ تقول: ثلاثة ملايين أو أكثر، وعلى مدى عصور وقرون وأجيال.

    كان هناك مشايخ أنا رأيتهم، أنا أقول لك بصراحة: الشيخ عبد الله بن جبرين، سبق أني جلست معه قبل أربع سنوات وقلت له: يا فضيلة الشيخ! اليوم مسألة تصوير الدروس ونقلها عبر القنوات أصبحت ضرورة لا خيار لنا فيها، فكان الشيخ مقتنعاً لكنه غير متحمس، والبارحة أنا أشاهد درساً للشيخ ابن جبرين في قناة المجد العلمية، وتخيل كم يشاهده في مصر والمغرب والمشرق والعراق والشام ممن لم يعرفوا بالشيخ إلا من خلال هذه القنوات، حتى إن الشيخ أصبح يقدم الدروس التي تصور وتنشر في المجد على غيرها.

    وهناك شيخ آخر -ولا أريد أن أسميه- من هيئة كبار العلماء، وكان شديد الكراهية للتصوير والتحريم، وأنه من الكبائر، ولا يتساهل فيه، ومع ذلك أصبحت دروسه تصور وتنقل في قناة المجد وغيرها، وهو يقول لهم: صوروا بس ما دريت! لأنه يخشى من بعض الطلاب الذين ربما لا يقبلون مثل هذه الأشياء.

    نسأل الله أن يوفق الجميع ويهدي الجميع لما يحب ويرضى.

    إن شاء الله بقية الأسئلة يأتي لها وقت يا إخوان، نترك بقية الوقت لمن أراد أن يتوضأ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767943952