إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (985)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    عدم صحة ما يقال من أن أرواح المؤمنين تجتمع كل ليلة جمعة عند الركن والمقام وأرواح الكفار في بئر بأرض العراق

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: (نور على الدرب).

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المملكة الأردنية الهاشمية، وباعثها أخ لنا من هناك يقول: أخوكم القبابي -فيما يبدو- أخونا له مجموعة من الأسئلة، من بينها سؤال يقول:

    هل من دليل شرعي على تجمع أرواح المؤمنين في منتصف كل ليلة جمعة عند الركن والمقام، وتجمع أرواح أهل النار -وفي نفس الوقت- في بئر بأرض العراق، كما قرأت في إحدى الصحف، والواقع أرفق صورة لما ذكرته بعض الصحف تحكي عن هذا الموضوع شيخ عبد العزيز فلو تكرمتم بمعالجته؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فلا أعلم أصلاً لما ذكره السائل من تجمع الأرواح عند الركن والمقام في أي ليلة، وفي أي يوم؛ كل ذلك لا أصل له، كله من الخرافات الباطلة، وهكذا تجمع أرواح الكفار في العراق، أو في غير العراق، أو في عدن، أو في غير ذلك؛ كل ذلك لا أصل له.. كله من الخرافات التي ليس لها أصل في الشرع المطهر، فلا ينبغي أن يعول عليها.

    1.   

    الحد الشرعي لصلة الرحم

    السؤال: أخونا أيضاً يسأل سؤالاً مطولاً ملخص ما سأل عنه: الحد الشرعي لصلة الأرحام لو تكرمتم شيخ عبد العزيز !

    الجواب: قد أوضح النبي عليه الصلاة والسلام ما يجب في هذا الباب، فقال عليه الصلاة والسلام لما سأله رجل قال: (يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك! قال: ثم من؟ قال: أمك! قال: ثم من؟ قال: أمك! قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه).

    فصلة الرحم واجبة، وقطيعتها من المنكرات ومن الكبائر، والرحم هي القرابة، وأعلاها الأبوان: الأب والأم، فبرهما من أهم الواجبات، وقد أمر الله بذلك في آيات كثيرات من كتابه العظيم:

    منها قوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24].

    ومنه قوله جل وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ .. [النساء:36] الآية.

    قوله جل وعلا: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].

    فالوالدان لهما شأن عظيم، وبرهما من أهم الفرائض؛ بالنفقة عليهما إذا كانا محتاجين، بالإحسان إليهما بكل أنواع الإحسان، بالسمع والطاعة لهما في المعروف، بإعانتهما على كل خير، بخفض الجناح لهما وطيب الكلام معهما.. إلى غير ذلك.

    ثم يليهما الأولاد بعد الوالدين وإن عليا، كالجدين وإن عليا، بعدهم الأولاد، فالإحسان إلى الأولاد والإنفاق على المحتاج منهم من أهم القربات، ومن أفضل الواجبات.

    ثم ما يلي ذلك من الإخوة والأخوات صلتهم فريضة، والإحسان إليهم والإنفاق عليهم إذا كانوا محاويج وقريبهم ذو قدرة.

    ثم يلي ذلك أولاد الإخوة والأخوات، ثم الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ثم الأقرب فالأقرب، بالإحسان، بالكلام الطيب، بالإعانة على الخير، بالشفاعة في الخير، بالزيارة، بالكلام المناسب، بالتحفي عن حالهم ولو من طريق الهاتف، ولو من طريق الرسائل؛ كل ذلك من صلة الرحم.

    والإنفاق على الفقير واجب أيضاً مع القدرة، وهو من صلة الرحم، وفي ذلك خير كثير وفضل عظيم، وقد حذر الله من القطيعة، فقال سبحانه وتعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

    فالخطر في القطيعة عظيم، والواجب الحذر منها، نسأل الله لجميع المسلمين التوفيق والهداية.

    1.   

    موقف المسلم من أرحامه القاطعين والعاصين

    السؤال: إذا كان الطرف الآخر -سماحة الشيخ- من ذوي الأرحام مقصر بعض التقصير، أو ربما يكون معتدي، أو ربما يكون سيئ في التعامل، ما هو موقف الطرف الذي يريد الإحسان؟

    الجواب: الواجب الصلة وإن أساء الطرف الثاني، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ليس الواصل بالمكافي، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، خرجه البخاري في صحيحه.

    فالواصل في الحقيقة -وعلى المعنى الأكمل- هو الذي يصل رحمه وإن أساءوا وقطعوا، ومن ذلك الحديث الآخر رجل قال: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي؛ فقال له عليه الصلاة والسلام: لئن كنت كما قلت لكأنما تسفهم المل -يعني: الرماد الحامي- ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك)، يعني: ظهير يعني: عوين عليهم ما دمت على هذه الصلة والإحسان.

    فالمؤمن يصل أرحامه وإن أساءوا، ويطلب الأجر من الله عز وجل، ولا ريب أن الإحسان من أعظم الأسباب في رجوعهم إلى الصواب وتركهم العداء والأذى، فإن الإحسان يغير القلوب، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها؛ فينبغي للمؤمن ألا ييئس، وينبغي له أن يفعل المعروف.

    أما إذا كان القريب عنده معاصي.. عنده سيئات فهذا له حال أخرى، فإذا كان فقيراً ففي الإمكان صلته والإحسان إليه، مع نصيحته عما هو فيه من الباطل، وإنكار المنكر عليه بالحكمة وبالكلام الطيب، والاستعانة في ذلك بأقاربه وأحبابه ومن يعزون عليه؛ حتى يتعاونوا جميعاً على إصلاحه، وعلى توجيهه إلى الخير، ولا ينبغي أن تقطع عنه الصلة بسبب معاصيه أو كفره، الله جل وعلا يقول سبحانه في كتابه العظيم: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].

    فالكفار إذا كانوا ليسوا حرباً لنا، بل بيننا وبينهم صلة بعهد أو ذمة أو أمان وهم فقراء؛ لا مانع من صلتهم والإحسان إليهم، بنص هذه الآية.

    وفي الصحيحين: أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وفدت إليها أمها في وقت الهدنة التي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة، فقالت: (يا رسول الله! إن أمي وفدت إلي وهي راغبة -يعني: في الصلة.. في المواساة والإحسان- أفأصلها يا رسول الله؟! فقال عليه الصلاة والسلام: صليها)، فأمرها أن تصلها وهي مشركة؛ لأنها ليست في حال حرب معنا، بل في حال هدنة وصلح.

    فهكذا المؤمن مع أقاربه العصاة، ومع أقاربه الكفرة، إذا كانت الحال ليست حال حرب مع الكفرة، بل حال هدنة أو ذمة وهم فقراء؛ يحسن إليهم، ويجود عليهم، ويتألفهم؛ لعل الله يهديهم بأسبابه.

    وهكذا العصاة إذا أحسن إليهم وواساهم إذا كانوا فقراء، أو شفع لهم فيما ينفعهم؛ كل ذلك من أسباب هدايتهم، ومن أسباب رجوعهم عما هم عليه من الباطل، فالإحسان لا يأتي إلا بالخير.

    ولا مانع من هجرهم إذا رأى أن الهجر فيه مصلحة، يهجرهم إذا رأى الهجر فيه مصلحة مع المساعدة إذا كانوا فقراء ومحاويج، يهجرهم رجاء الهداية، وإذا كان يرى أن هجرهم قد يزيدهم شراً لم يهجر، بل يصلهم بالكلام، والزيارة لدعوتهم إلى الله، لا لاتخاذهم أصحاباً وأصدقاء، بل لدعوتهم وتوجيههم وتعليمهم، والمبالغة في نصيحتهم لعلهم يهتدون.

    والمقصود: أن الهجر نوع من التأديب والاستصلاح، فإذا كان الهجر يحصل به المقصود من الإصلاح والتوجيه والإقلاع من المنكر فعل، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب بن مالك وصاحبيه لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر، هجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون خمسين ليلة حتى تابوا؛ فتاب الله عليهم.

    أما إن كان الهجر قد يزيد شراً، وقد يترتب عليه ما لا تحمد عقباه فإن المؤمن يرعى المصلحة ويرعى النتيجة الصالحة والقواعد الشرعية، ولا يهجر، ولكن يواصل النصيحة، ويواصل أسباب الهداية لعله ينجح، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي بن سلول وغيره ممن يتهم بالنفاق، لم يزل يرفق بهم، ويدعوهم إلى الله، ويرشدهم؛ لما في ذلك من المصلحة؛ ولأن هجرهم قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، فلهذا لم يهجرهم عليه الصلاة والسلام.

    فهكذا المؤمنون بعده صلى الله عليه وسلم يسلكون هذا المسلك، ويتوخون المصلحة في الهجر وعدمه، ليست المصلحة الدنيوية، أو مصلحة القرابة، بل المصلحة الإسلامية.. المصلحة الشرعية؛ فحيث رأى أن الهجر فيه مصلحة هجر، وحيث رأى أن المواصلة للدعوة والتوجيه والإرشاد والتنبيه والاتصال بصاحب المعصية أو البدعة أنفع اتصل ونصح ولم يهجر؛ يرجو ما عند الله من المثوبة، ويرجو العاقبة الحميدة، هذا هو معنى ما قرره المحققون من أهل العلم كـأبي العباس ابن تيمية وغيره من أهل العلم رحمة الله عليهم.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    شيخ عبد العزيز : قد يناقش بعض المستمعين فيقول: إنه من الصعب على الإنسان أن يحسن إلى من أساء إليه، وقد تفضلتم جزاكم الله خيراً وبينتم أن وراء ذلك دوافع كثيرة، حبذا لو تفضلتم بالزيادة على ما تفضلتم به؟

    الشيخ: لا بد من الصبر، النفوس لا شك قد يشق عليها أن تحسن إلى من أساء، ولكن مثلما قال الله سبحانه: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35].

    لا بد من الصبر؛ لأن النفوس مجبولة على كراهة من أساء إليها، والنفرة منه، وعدم الإحسان إليه، بل على حب الانتقام، ولكن إذا راعى المؤمن عواقب الصبر وفائدة الصبر وفائدة المقابلة على الإساءة بالإحسان وما جاء فيها في الشرع المطهر من الخير والوعد الحسن.. إذا تأمل المؤمن هذه الأمور صبر على الأذى، وصبر على الإحسان لمن آذاه ولمن أساء إليه؛ عملاً بالأوامر الشرعية، ورجاء حسن العاقبة، هكذا المؤمن.

    1.   

    حكم من يلحن قراءة القرآن وحكم إمامته

    السؤال: من جمهورية مصر العربية مستمع سمى نفسه: ناجي أحمد أحمد، أخونا ناجي يصف حاله بأنه ضعيف في قراءة القرآن الكريم، ولا يحفظ إلا بعض الآيات وقصار السور، لكنه يخطئ في تشكيل الآيات -كما يقول- ويرجو من سماحتكم التوجيه؟ وهل تصح إمامته بالناس؟

    الجواب: المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن الكريم، وأن يحرص على إقامة تلاوته، وأن يقرأه على من هو أحفظ منه؛ حتى يوجهه، وحتى يرشده إلى القراءة الحسنة، ولكن لا يترك من أجل عجزه، بل يستمر في المحاولة والقراءة والتهجي، والحرص على إقامة الحرف، حتى يسهل الله له من يعينه على ذلك، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع فيه له أجران)، فأنت يرجى لك أيها السائل أجران على صبرك وعنايتك وحرصك على الخير، فلا تيأس، ولا تترك القراءة، ولكن عليك بالعناية، والحرص على إقامة الحروف، وعرض ذلك على من هو أعلم منك؛ حتى تستقيم قراءتك إن شاء الله، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2].. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، فعليك بالصدق، والتماس القراء الذين يعلمونك ويوجهونك، وسل ربك العون والتوفيق، وأبشر بالخير والعاقبة الحميدة.

    أما الإمامة فلها شأن آخر، إذا كان في المسجد من هو خير منك فقدمه ولا تؤمن وفيه من هو خير منك، قدم من هو أفضل في قراءته ودينه، فإذا دعت الحاجة إليك وكنت أحسن القوم فلا بأس أن تؤمهم، إذا كنت تقيم الفاتحة وأنت خير أصحابك وأفضلهم فلا بأس، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا [التغابن:16]، يؤم القوم أحسنهم وأقرأهم حسب الطاقة، فإذا كنت في قوم أنت أحسنهم فلا مانع من أن تؤمهم، وعليك أن تحرص غاية على إقامة الفاتحة؛ لأنها الركن الأعظم، أما بقية القراءة فهي مستحبة، المهم الفاتحة أن تقيمها، وتحفظها جيداً، وإذا تيسر مع ذلك الحرص على إقامة بقية السور وبقية القراءة؛ فهذا هو الواجب عليك حسب الطاقة، نسأل الله لنا ولك التوفيق.

    1.   

    حكم الزواج من الأقارب والحكمة في تحريم نكاح المحارم

    السؤال: تردد كثيراً موضوع الزواج من الأقارب، وكان لهذا صدى على كثير من الناس - شيخ عبد العزيز - فهذا المستمع من الرياض عبد الله العبد العزيز بعث برسالة يقول:

    حذر الطب من الزواج من الأقارب مثل: بنت العم، وبنت الخال، وبنت الخالة، حيث قالوا: إنه يسبب انتقال الأمراض الوراثية، ما حكم الشرع في مثل هذا؟ نرجو أن تتفضلوا بالإجابة جزاكم الله خيراً، مع أن الإسلام حدد المحارم وحرمها علينا، كما يقول أخونا في رسالته.

    الجواب: لا ينبغي للمؤمن أن يلتفت إلى أقوال الأطباء أو غيرهم في كل ما يخالف الشرع المطهر، فالشرع مقدم على الأطباء وعلى غير الأطباء.

    والزواج من الأقارب أمر مطلوب، وفيه فائدة كثيرة في صلة الرحم.. في تقارب الأقارب وتعاونهم على الخير، وكثرة النسل فيهم، فلا ينبغي أن يلتفت إلى هؤلاء.

    لكن من كان من الأقارب سيئ السيرة هذا له بحث آخر، إذا كان سيئ السيرة، أو بنت سيئة السيرة، أو هناك أمراض يخشى منها في نفس الأسرة التي يريد الزواج منها فلا مانع من اختياره غيرها والاحتياط، أما مجرد النهي عن نكاح الأقارب فهذا غلط، يعني: كونه يدعى أن الزواج من الأقارب أمر مرغوب عنه، هذا غلط ومنكر، قد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أقاربه ومن بنات عمه، فـأم حبيبة بنت أبي سفيان ابنة عمه؛ لأنها أم حبيبة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف جد النبي عليه الصلاة والسلام، وعائشة كذلك بنت الصديق ابنة عمه، وإن كانت من جد أعلى من عبد مناف ، وكذلك حفصة بنت عمر ؛ كلهم من بنات العم كلهم أقارب، هكذا سودة .

    المقصود: أن القول بأن التزوج من الأقارب أمر مرغوب عنه هذا قول باطل، لا ينبغي أن يلتفت إليه بالكلية، إلا لعذر شرعي من سوء السيرة، أو مرض بالمرأة، أو مرض بأهلها يخشى منه، هذا له وجه.

    المقدم: جزاكم الله خيراً! أخونا يذكر أن الإسلام حرم المحارم وبينهن لنا، وحرم علينا النكاح بهن، لا أدري ما مدعاة هذا شيخ عبد العزيز؟

    الشيخ: هذا لحكمة بالغة، الله حرم بعض الأقارب وليس كل الأقارب.

    حرم المحارم المعروفين: الأمهات والجدات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخت وبنات الأخ هؤلاء لقربهم، قال جمع من أهل العلم: إن الحكمة في ذلك أنه قد يطلق؛ فيكون بينهم سوء الاتصال وقطيعة الرحم بسبب ما جرى من الطلاق والوحشة، فمن رحمة الله أن حرم المحارم حتى تبقى المودة والمحبة والصلة بينهم، والتعاون على الخير، فلو أبيحت الخالة أو الأم أو البنت أو العمة أو الأخت أو بنت الأخ أو بنت الأخت لربما جرى طلاق وسوء نزاع بينهما فيفضي إلى القطيعة المستمرة، وعدم الصلة للرحم.

    وكذلك في الأم والبنت علل أخرى كونها ابنته أو أمه، كونه يفترشها ويجعلها كالخادم وهي أمه من حكمة الله جل وعلا أن حرمها وحرم الجدات لعظم حقهن؛ ولأن في ذلك إساءة لهن لو أمرهن بما لا ينبغي، أو أساء عشرتهن أو غير ذلك.

    فالحاصل: أن ربك حكيم عليم، لله الحكمة البالغة في تحريم ذوات المحارم؛ لحكم عظيمة، ومنها ما يبين للعبد ومنها ما لا يبين للعبد، لكن مما يظهر للعباد أن من حكمة ذلك: أن الطلاق قد يسبب سوء الصلة، وحصول القطيعة بعد الطلاق لو طلقها؛ لأن الوئام قد لا يحصل بين الرجل وبين قريبته ذات المحرم لو كانت حلالاً له، فمن رحمة الله أن حرم هؤلاء القريبات؛ حتى تبقى المودة والمحبة والصلة والتعاون على الخير بين الأقرباء، ولا يكون هناك وسائل تفضي إلى النزاع والقطيعة، وقد تكون هناك حكم أخرى الله أعلم بها، كما قد يظهر فيما يتعلق بالأم والبنت، ولا سيما الأم بوجه أخص والجدات، فإن حقهن عظيم، فمن رحمة الله أن حرم عليهن وعلى أولادهن النكاح.. أن ينكحهن أولادهن؛ لما في ذلك مما قد يقع من الإساءة إليهن وحقهن عظيم.

    المقدم: جزاكم الله خيراً. بعض الباحثين في هذا الموضوع -شيخ عبد العزيز - يستشهد بما ورد في أحد كتب الفقه الحنبلي (زاد المستقنع)، يقول: إن صاحب الزاد أشار إلى هذا الموضوع بقوله: يسن أن تكون المخطوبة من غير الأقارب.

    الشيخ: كل هذا غلط، ولو قالوه

    المقدم: إذاً: المعول على هذا؟

    الشيخ: نعم، المعول على أن نكاح الأقارب أمر مطلوب وطيب، إلا أن يمنع منه مانع شرعي، أو مانع فيه ضرر.. أو مانع يخشى منه الضرر.

    1.   

    حكم وراثة أبناء الابن من تركة جدهم إذا مات أبوهم قبله

    السؤال: رسالة وفيها ذلكم الموضوع من المستمع رياض بن داري المقدري من جدة، أخونا رياض له أربعة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: توفي شخص قبل والده وترك أولاداً، هل لهؤلاء الأولاد الحق والميراث في تركة جدهم بعد وفاته كما لو كان والدهم موجوداً على قيد الحياة؟

    الجواب: ليس لهم ورث في جدهم إذا كان يوجد لهم أعمام؛ فإن الأعمام مقدمون، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)، يعني: لأقرب رجل ذكر، فالعصبة مقدمون الأقرب فالأقرب، ولا ريب أن ابن الإنسان مقدم على ابن ابنه، فأولاد الولد الذي مات في حياة أبيه ليس لهم حق في الميراث، لكن يشرع لجدهم أن يوصي لهم بما فيه منفعتهم، بشرط أن يكون الثلث فأقل، فإذا أوصى لهم بشيء من ذلك، ولا سيما إذا كانوا فقراء؛ فهذا من أفضل القرب، ومن أفضل الطاعات أن يوصي لهم بما يعينهم وينفعهم بالثلث فأقل، أما الإرث فليس لهم إرث إذا كان لهم أعمام ولو عماً واحداً يمنعهم ويحجبهم، أما إذا كان ما هناك أعمام فإنهم يرثونه، أو كان هناك عمات فالعمات يأخذن فرضهن الواحدة تأخذ النصف، والاثنتان فأكثر تأخذن الثلثين، والباقي يكون لأولاد الابن ذكورهم وإناثهم.. لأولاد الابن إذا كانوا ذكوراً، أو ذكوراً وإناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنهم هم العصبة حينئذ.

    أما بنات الابن إذا كن إناثاً وليس معهن ابن ذكر فلا يرثن مع البنتين فأكثر؛ لأن الثلثين ذهبا، فلم يبق للإناث الفرع حق، أما لو كانت موجودة بنت فقط -بنت جدهن- فإنها تعطى النصف، ويعطى بنات الابن إذا كن بنات ليس معهن ذكر.. يعطين السدس تكملة الثلثين والباقي للعصبة، أما إن كان معهن ذكر فإنهن يأخذن الباقي مع أخيهن، أو ابن عمهن الذي في درجتهن للذكر مثل حظ الأنثيين، بعد البنت أو بعد البنتين فأكثر.

    1.   

    حكم الفوائد البنكية

    السؤال: هل الحصول على فائدة ومكسب على النقود المودعة في البنوك الإسلامية هل هذا حلال أم حرام؟ نرجو الإفادة.

    الجواب: أخذ الفائدة من الودائع البنكية لا يجوز، هذا من الربا، كونه يودع في البنك أموالاً بشرط أن يعطى (5%) أو (10%) أو أقل أو أكثر هذا من الربا بإجماع المسلمين، إنما نازع في هذا بعض المتأخرين نزاعاً فاسداً لا وجه له، بل هو باطل، فمن قال بجواز ربا البنوك فقد قال قولاً خاطئاً ضالاً منكراً.

    المقصود: أن الربا الموجود في البنوك محرم بلا شك، وقد دل على ذلك إجماع أهل العلم المعروفين رحمة الله عليهم، وكذلك ما استندوا إليه من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في تحريم الربا، وهذه العمل حلت محل الذهب والفضة؛ فيحرم فيها الربا.. ربا النسيئة وربا الفضل جميعاً، ولا يجوز لأحد أن يقرض بنكاً أو غير بنك بالفائدة، فإن هذه الودائع في حكم القروض تدفع للبنوك؛ حتى تدفع لهم البنوك فوائد سنوية أو شهرية، هذا كله منكر.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767948255