الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من السودان، وباعثها مستمع من هناك يقول: مختار عبد الله مصطفى ، الأخ مختار له جمع من الأسئلة من بينها سؤال يقول فيه:
لقد وقع علي مرة بأن حلفت على أخي بألا يذهب إلى مكان ما، ولكنه ذهب، والحلف كان بالطلاق، فهل هذا الطلاق واقع؟ وماذا أعمل؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فكان ينبغي لك يا أخي ألا تحلف بالطلاق، وأن تقول له شيئاً آخر غير الطلاق، لكن ما دام وقع الطلاق، فإن كنت أردت بهذا منعه ولم ترد إيقاع الطلاق فعليك كفارة يمين، ويكون الطلاق في حكم اليمين.
أما إن كنت أردت إيقاع الطلاق ففي إمكانك الاتصال بالمفتي لديكم أو المحكمة الشرعية حتى تنظر فيما جرى منك، تحضر أنت والمطلق عليه والمرأة ووليها لدى المفتي لديكم أو لدى المحكمة في الأحوال الشخصية، أو إذا كان هناك قاض شرعي أو عالم معروف بالعلم والفضل حتى يفتيكم بما يوافق الشرع المطهر إن شاء الله، بعدما تذكر له الواقع، وبعدما يسأل الزوجة عما لديها وعما لدى وليها، وبعدما يسأل المطلق عليه ماذا سمع منك، ونصيحتي ألا تعود لمثل هذا.
الجواب: أنت مخير، إن أخرجتها مع فطرتك في محل إقامتك كفى، وإن أمرت أهلك في محلهم يخرجونها كفى ذلك، والأفضل لك أن تخرج زكاتك أنت في محلك، أما الأولاد فأنت مخير: إن شئت أخرجتهم معك؛ لأنك المسئول، وإن شئت أمرت أهلك في محلك في بلدك أن يخرجوها هناك، والأمر في هذا واسع والحمد لله.
الجواب: لا ينبغي هذا الفعل، وهذا الشيخ متهم بأنه يستخدم الجن وتساعده الجن على حماية الزرع من الطيور، فينبغي ألا يستدعى هذا الشيخ؛ لأن هؤلاء الصوفية متهمون، وأكثرهم -إلا من عصم الله- يستخدمون الجن ويدعون أهل القبور وأصحاب الزوايا فيستغيثون بغير الله من الأموات ومن الجن وغير ذلك، فلا يليق ولا ينبغي أن يسألوا، وهذا الذي تحضرونه ليحمي الزرع هذا إنما يأتي ليستعين بمن يعرفهم من الجن أو من الأموات الذين يعبدهم مع الله، فيساعده الشياطين على ذلك حتى يقع الناس في الشرك، فالواجب الحذر من ذلك، وأن تعملوا أنتم ما تستطيعون من حماية الزرع بشيء يمنع الطيور من ذلك، وللناس في هذا عادات معروفة يستطيعون بها حماية الزرع من الطيور، إما بنهمها بالحجارة ونحوها، والإشارة بعصا أو برمح أو نحو ذلك أو بغير هذا مما يعتاده الناس لزجر الطيور، أو بنصب شيء يظنون أنه يناهم كأنه إنسان وهو ليس بصورة، لكن يوهم العصافير ونحوها أنه إنسان حتى يحذروه، فالمقصود يفعلون ما يستطيعون غير هذا العمل السيئ.
يوجد عندنا في اليمن بشطريه عادات سيئة في أيام الزواج، منها على سبيل المثال: قبل العقد يدفع الزوج ما يسمونه بثوب العم وثوب الخال وثوب الأم، وهي مبالغ من المال، ويدفع لكل واحد حوالي ألفين شلن، والمصيبة الكبرى أن الزوجة تمتنع عن زوجها إلا إذا دفع لها مبلغاً يصل أحياناً إلى عشرة آلاف شلن، أي: ما يعادل خمسة آلاف ريال سعودي، فما حكم ذلك؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: هذه أمور عادية بين الناس، إذا تركوها فلا بأس وإذا استمروا عليها فلا بأس، والأفضل التخفيف والتيسير وعدم التشديد في المهور والعادات حتى لا يتعطل الشباب وحتى لا تتعطل الفتيات من النكاح، وإذا اصطلحوا على أن العم يعطى شيئاً أو الخال أو الأب أو الأم أو الجدة يعطى شيئاً من الزوج فلا حرج في ذلك؛ من باب البر ومن باب الصلة من هذه البنت التي يراد تزويجها، وإذا كان يشق على الخاطب فالأولى تركه تشجيعاً للخاطب على الزواج، وتشجيعاً للفتيات على الزواج، مهما أمكن التيسير في هذا فهو الأولى، وخير الصداق أيسره، لكن لا يحرم هذا، إذا اصطلح أهل الزوجة والخاطب على شيء يبذله الخاطب والمرأة التي هي الفتاة راضية بذلك فلا حرج في ذلك، أما إن كان ما اصطلحوا عليه يضرها ويعطلها، فالواجب عليهم تركه، ولا يفعلوا شيء يعطلها، إذا كان شرط المال للخال أو الأب أو الخالة أو الجدة يسبب تعطيل النكاح وتأخير الزواج فلا يجوز، يكفي المهر المعتاد المناسب للبنت فقط للفتاة فقط، وينبغي لأهلها أن يسهلوا في هذا، وألا يشددوا حتى لا تعطل بناته من الزواج.
والشارع يدعو إلى تسهيل الأمور وتيسيرها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خير الصداق أيسره)، ويقول للخاطب: (التمس ولو خاتماً من حديد) وزوج إنساناً على أن يعلمها بعض القرآن، فينبغي لأهل المرأة ألا يشددوا وأن يتسامحوا في المهور، وينبغي للفتاة أيضاً ألا تشدد أيضاً، وأن تتسامح في المهر وترضى بالقليل إذا جاء الزوج الطيب والخاطب الطيب، نسأل الله للجميع الهداية.
الجواب: ننصحك وننصح إخوانك بترك هذه العادة السيئة، الواجب التحجب من زوجات إخوانك، والواجب على زوجتك أيضاً أن تتحجب عن إخوانك وألا تصافحهم، كما أن زوجاتهم ليس لهن أن يصافحنك، فأنت لا تصافح زوجات إخوتك وهم لا يصافحون زوجتك، وعليها أن تحتجب عنهم وعلى زوجاتهم أن يحتجبن عنك، هذا هو الواجب على الجميع، وعليكم جميعاً التمشي مع الشرع المطهر، وفي التمشي مع الشرع السعادة كل السعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى في كتابه العظيم: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فالتحجب وعدم المصافحة من أسباب طهارة القلوب، والبعد عن الشبهة والفساد، وإذا لم يتيسر هذا فاعتزل اخرج في بيت وحدك، حتى تبتعد عن الفتنة، والمؤمن مأمور بالبعد عن أسباب الفتن والحرص على أسباب السلامة بالطرق المباحة الشرعية.
لي صديق يعمل مع أحد باعة الغنم، وعندما يشتري خروفاً بمبلغ خمسين ديناراً مثلاً يحلف بأنه بسبعين مع تحريف لفظ الجلالة؛ ليوهم المشتري بأن المقصود بالحلف هو الله، وعندما أنبهه لذلك يقول: أنا لم أحلف بالله، سؤالي هو: هل يعتبر حلفه هذا شركاً بالله؟ وهل علي إثم في مصاحبته ومؤاكلته؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب: الكذب محرم ولو ما حلف، فإذا اشتراه بخمسين ليس له أن يقول: اشتريته بستين ولا بسبعين؛ لأن هذا كذب وغش لمن يريد الشراء منه، وإذا حلف أو أوهم الحلف كان أشد في الإثم، إذا قال: والله إنه علي بسبعين، أو أتى بعبارة توهم أنه يحلف فقد زاد في الإثم، فالواجب عليه ألا يكذب، ويقول: اشتروا مني وليس عليكم من ثمنه، اشتروا مني بما ترونه، سوموا، وليس من اللازم أن يخبرهم بالثمن الذي اشترى به، فإن أخبرهم فليخبرهم بالحقيقة ولا يكذب، وإن لم يخبرهم فلا بأس يقول: اشتروا مني ولا تسألوني عن ثمنه، اشتروا بما ترون، سوموا، أما أن يكذب ويقول: اشتريته بكذا وهو كاذب فهذا لا يجوز، وهذا غش، وإذا علموا كذبه فلهم الخيار؛ لأنه غشهم وخدعهم، نسأل الله السلامة.
أنا ممن يخافون الله ولا ينظرون إلى هذه الدنيا الفانية، بل أتطلع إلى ما أقدمه من أعمال صالحة تنفعني يوم الدين، أنا دائماً أقرأ الكتب التي تصف الجنة والنار وعلامات الساعة والقضاء والقدر وما شابه ذلك من الكتب الغيبية، فلا يكاد يقع تحت يدي كتاب إلا وأقرؤه بتمعن وأحتفظ به، مثل هذه الكتب هي التي يقشعر منها جسمي وتذرف لها عيني، وتنقلني إلى عالم آخر، لكن يدور في ذهني بعض التساؤلات، مثلاً: هل يوم القيامة مثل أيام الدنيا؟ وهل يكون الناس على هذه الصفة أم يتغيرون؟ ومتى يتغيرون؟ أنا لم أستطع أن أتخيل صفة الجنة والنار وما بهما، وأيضاً في قول الحق تبارك وتعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، هل معناه أن الجنة أصغر من النار؟ أرجو الإفادة مع ذكر بعض الكتب الصحيحة التي تشرح وتصف الجنة والنار، جزاكم الله خيراً.
الجواب: نوصيك بحمد الله وشكره على ما من عليك بمحبة الخير والإيمان والاستقامة على طاعة الله، وحب الكتب المفيدة، نوصيك بحمد الله على هذا وشكر الله على ذلك، ونوصيك بأن تسأله المزيد من العلم النافع والعمل الصالح، ونوصيك بالقرآن فإن فيه الشفاء، فنوصي بالقرآن الكريم أن تكثر من تلاوته، تدبر معانيه، فهو يفيدك ما تسأل عنه، ويدلك على ما أشكل عليك من سعة الجنة وعظمتها، ويوم القيامة هو يوم.. وأنه يوم عظيم مقداره خمسون ألف سنة، ليس مثل أيام الدنيا، الله بين جل وعلا في سورة المعارج أن مقداره خمسين ألف سنة، فينبغي لك أن تحرص على قراءة القرآن وتدبر معانيه حتى تستفيد فيما أشكل على من أمر الجنة والنار ويوم القيامة وغير ذلك، يقول جل وعلا في سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:5-7]، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (إن ذلك اليوم مقداره خمسون ألف سنة)، ذكر من بخل بالزكاة ولم يؤدها أنها تحمى عليه أمواله ويعذب بها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
والنار لا يزال يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد، حتى يضع الجبار سبحانه فيها رجله فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، يعني: حسبي حسبي امتلأت، والجنة أوسع وأعظم، يقول جل وعلا: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، فأمرها عظيم وسعتها عظيمة، ويدخلها المؤمنون ويبقى فيها فضل.
فعليك يا أخي أن تجتهد في تدبر القرآن والإكثار من تلاوته حتى تعلم ما أشكل عليك، وننصحك بمراجعة الصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم .. تفسير ابن كثير .. تفسير ابن جرير .. تفسير البغوي ، هذه كتب عظيمة مفيدة جداً، كذلك ننصحك بمراجعة زاد المعاد للعلامة ابن القيم رحمه الله، وهو كتاب جيد، سماه: زاد المعاد في هدي خير العباد، كذلك نوصيك بمراجعة كتب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهي كتب مفيدة: الثلاثة الأصول.. كتاب التوحيد.. كشف الشبهات.. آداب المشي إلى الصلاة، هذه كتب مفيدة، وشرح كتاب التوحيد لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن واسمه: فتح المجيد، كتاب مفيد في العقيدة، كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة كتب مفيدة مثل: العقيدة الواسطية، كتاب الحموية، كتاب التدمرية، كتاب الإيمان.. هذه كتب عظيمة مفيدة، نسأل الله لنا ولك التوفيق.
ما حكم الشرع في إنسان أكل لحم إبل ظاناً أنه لحم غنم ثم صلى بعد ذلك، هل صلاته صحيحة لجهله أم يجب عليه الإعادة؟
الجواب: بل يجب عليه أن يعيد؛ لأن لحم الإبل ناقض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (توضئوا من لحوم الإبل)، فالواجب عليه أن يتوضأ، فإذا جهلها ثم علم يتوضأ ثم يعيد الصلاة، كما لو صلى يحسب أنه على وضوء ثم تذكر أنه قد أحدث بولاً أو ريحاً أو غائطاً فإنه يتوضأ ويعيد؛ لأن لحم الإبل ناقض للوضوء في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (توضئوا من لحوم الإبل)، وقال له رجل: (يا رسول الله! أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. قال أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت)، فجعله في لحوم الغنم مخيراً، إن شاء توضأ وإن شاء لم يتوضأ في لحم الغنم، أما لحوم الإبل فأوجب عليه الوضوء، فإذا أكل لحم إبل ثم علم أنها لحم إبل فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة.
المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ ماذا يستثنى من أجزاء لحم الإبل الذي لا ينقض الوضوء؟
الشيخ: كثير من أهل العلم يرون أن الكرش والأمعاء لا تسمى لحماً، والشحم كذلك؛ لأن اللحم عند العرب هو الهبر المعروف، فإذا أكل من كرشها أو شحمها أو أمعائها لا يسمى لحماً فلا يجب عليه الوضوء، وبعض أهل العلم يستحب له الوضوء، يرى أنه لو توضأ يكون أحوط؛ لأنه قد يتسامح في تسميته لحماً لكونه يشبه اللحم، فإذا توضأ منه احتياطاً فهو حسن إن شاء الله؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه)، فإذا توضأ من كرش الإبل وأمعاء الإبل فهذا حسن إن شاء الله.
أما الوضوء اللازم فهو من اللحم.
المقدم: بالنسبة للكبد والطحال؟
الشيخ: مثل الأمعاء.
المقدم: أحد الإخوة يسأل أيضاً عن الحليب؟
الشيخ: لا؛ الحليب لا ينقض الوضوء، المرق واللبن لا ينقض الوضوء؛ لأنه لا يسمى لحماً.
الجواب: الصواب أن الكحل ليس مفطراً؛ لأن العين ليست منفذاً معتاداً، لكن إذا أخره المؤمن والمؤمنة إلى الليل يكون أحوط وأحسن، فلو اكتحل نهاراً لم يبطل صومه، لكن لو وجد طعم الكحل في حلقه فبعض أهل العلم يرى أنه يقضي احتياطاً، فإذا قضى احتياطاً فحسن، وإلا فالصواب أنه لا يفسد الصوم، إذا قطر في عينه أو اكتحل في عينه فالصواب أنه لا يبطل وإن أحس بذلك في حلقه، لكن إذا قضى احتياطاً إذا أحس به في الحلق من باب الاحتياط فحسن، وإذا أخره إلى الليل كان ذلك أبرأ للذمة وأحوط، لقوله عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
لدينا في المدينة شيخ وهبه الله جمالاً في الصوت وعذوبة لا توصف عندما يقرأ القرآن، أخذت مسجلاً وتوجهت إليه لأسجل له من سورة البقرة، ولكنه رفض التسجيل وقال: إن تسجيل القرآن أو الاستماع إليه من خلال أي جهاز حرام ولا يجوز؛ لأن كلام الله منزه عن التساجيل، فخرجت من عنده وأنا متعجب من موقفه، سؤالي: هل هو محق في موقفه هذا، أم أنه موقف غير مبني على أي أساس من الصحة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب: لا أعلم لكلامه وجهاً ولا حرج في التسجيل، هذا الكلام الذي قاله ليس له وجه شرعي فيما نعلم، ولا حرج في تسجيل القرآن والأحاديث المفيدة، يكون في ذلك نفع عظيم للمسلمين، وقد جرب المسلمون ذلك، وأي حرج في هذا؟ ليس في هذا حرج، ولعله ينتبه لهذا الأمر ويرجع عن رأيه، هذا الرأي الذي قاله أخونا هذا ليس بسديد، والصواب أنه لا مانع من تسجيل القرآن ولاسيما بالأصوات الحسنة التي تحرك القلوب وتخشع لها القلوب، كما يسجل أيضاً العلم النافع من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم، كل ذلك لا بأس به والحمد لله.
أنا شاب مسلم لي خال متزوج يشرب الخمر إذا وجده، وهو تارك للصلاة، فهو لا يصلي حتى في شهر رمضان، نصحته ولكن بدون فائدة، فهل صيامه صحيح؟ وهل يجب أن نقاطعه ولا نتحدث إليه ولا نجلس معه؟ أنا أجد نفسي مجبراً على التحدث والجلوس معه؛ وذلك بصفته خالي، فماذا علي أن أفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب: إذا كان الواقع ما ذكره السائل فالواجب هجره ومقاطعته، وألا تجاب دعوته، وألا يدعى إلى وليمة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح. ويقول عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه مسلم في صحيحه، في أحاديث كثيرة وآيات قرآنية تدل على كفر تارك الصلاة، فالواجب على من يدعي الإسلام أن يتقي الله وأن يصلي، فإذا لم يلتزم بذلك وجب على ولاة الأمور إذا كان في بلد إسلامية أن يستتيبوه، فإن تاب وإلا وجب قتله.
ومثله لا يستحق أن تجاب دعوته، بل ينبغي هجره وعدم دعوته حتى يستقيم، أما من زاره ليدعوه إلى الله ليرشده فلا بأس، هذا من باب الدعوة إلى الله، إذا زرته لأن تدعوه إلى الله وترشده إلى الحق لعل الله يهديه بأسبابك هذا أمر طيب، أما صومه فلا يصح على الصحيح؛ لأن الكافر لا يصح عمله، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من ترك صلاة العصر حبط عمله) وهذا مثال، فمن ترك الصلوات من باب أولى، إذا ترك صلاة العصر وحدها بطل عمله، فالذي يترك الصلوات كلها من باب أولى أن يبطل عمله، وهذا يدل على كفره، نسأل الله له الهداية والرجوع إلى الصواب.
الجواب: مثلما تقدم، الواجب عليك نصيحته والإنكار عليه، وإذا كنت تقدر على تأديبه لأنك أكبر منه أو لأن لك سلطاناً عليه فأدبه حتى يستقيم، وإلا فارفع بأمره إلى من يقوم بالواجب من قاض أو أمير مسلم يستطيع أن يلزمه بالحق؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب إنكار المنكر، والله يقول سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، رواه مسلم في الصحيح.
فالواجب عليك أن تجتهد في أسباب هدايته، لعل الله يهديه بأسبابك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لـعلي رضي الله عنه: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، فاجتهد يا أخي لعل الله يهديه بأسبابك، فإن أبى فاعمل ما تستطيع من إلزامه بالحق وردعه عن الباطل من طريق الإمارة أو القضاء، أو من طريق أبيه إذا كان أبوه موجوداً يقوم عليه والده بالتأديب لعل الله يهديه بأسبابكم، نسأل الله لنا وله الهداية.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نسأل الله ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
أما أنتم مستمعي الكرام! فشكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر