إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (1010)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: (نور على الدرب).

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابته للإخوة المستمعين فأهلاً وسهلاً.

    الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من اليمن - محافظة حجة، باعث الرسالة مستمع من هناك يقول: محمد محمد ، الأخ محمد يسأل تفسير قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فهذه الآية الكريمة من أعظم الآيات، ومن أوضحها، يبين سبحانه جل وعلا أنه أنزل كتابه الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لبيان ما ينفع الأمة في دينها ودنياها، وأنه سبحانه جعل مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7].

    قد أوضح أهل العلم رحمة الله عليهم أن الآيات المحكمات هي الواضحة المعنى، التي ليس فيها شبهة، فهي أم الكتاب.. أصل الكتاب، وعليها المدار، وجميع الآيات الأخرى ترجع إليها وتفسر بها، مثل قوله جل وعلا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238].. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23] .. وأشباه ذلك، وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22].. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43].. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32].. إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].. وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].. إلى غير هذا من الآيات الواضحات، هذه أم الكتاب، وهذه واضحة المعنى.

    أما المشتبهات فهي التي لا يتضح معناها، يكون في معناها خفاء؛ فإنها ترد إلى المحكم.. ترد المشتبهات إلى المحكم من الآيات، مثل قوله جل وعلا: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، فسرها العلماء بأن المحصنات، يعني: المزوجات السبايا؛ لأن غير السبية إذا كانت مزوجة ما تنكح، حتى يطلقها الزوج وتخرج من العدة.

    فهذه فسرتها المحكمات، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، فسرتها النصوص الدالة على أن السبية تطلق من زوجها الذي كان في الكفر وتكون حلاً للمسلمين؛ ولهذا قال: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، فالمحصنات المزوجات ممنوعات محرمات إلا المملوكة السبية، فالمحصنات المزوجات لا يحل نكاحهن إلا بعد الطلاق والعدة، أو بعد الفسخ والعدة، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، فالمحصنة المزوجة إذا كانت ملك اليمين مسبية فإنها تحل، ويكون سبيها طلاقاً لها؛ فتستبرأ بحيضة، وتحل لمن سباها إذا قسمها ولي الأمر على الغانمين، تكون حلاً لما جاءه سبية من هذه السبايا، وإن كان لها زوج في الشرك؛ لأن السبي لها فرق بينها وبين زوجها، وصارت حلاً للمسلمين السابين، وحرمت على زوجها بذلك.

    وهكذا وما أشبهها من كل آيات تشتبه على المسلم تفسر بالآيات المحكمات الواضحات المعنى في جميع القرآن.

    الشيخ: ومثل قوله جل وعلا: لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، ليس معناه أن الربا المضاعف هو الحرام، والذي غير مضاعف ليس بحرام، لا؛ لأنه بين في الآية الأخرى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، هذه محكمة، فالمراد أن الربا المضاعف يكون أشد تحريم.. أشد إثم، وليس المراد تقييد الربا بالمضاعف، فلو باعه بيعاً ربوياً؛ حرم عليه ذلك، وإذا كرر ذلك صار التحريم أشد مضاعفاً، فإذا -مثلاً- حل عليه الدين وهو مائة، فجعله مائة وعشرة، وأجله عليه من أجل العشرة؛ هذا ربا، فإذا حل الثاني وقال: مائة وعشرين؛ هذا الربا الأشد وأشد تحريم، هذا المضاعف، وإذا حل ثالثة وقال: مائة وثلاثين؛ صار أشد وأشد، لكن ليس معناه أن الربا الأول ما هو بحرام، الربا الأول حرام، لكن هذا المضاعف يكون أشد تحريماً، والنصوص يفسر بعضها بعضاً، هذا المشتبه على بعض الناس تفسره الآيات المحكمات في قوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] .. وما أشبهها. نعم.

    والمقصود: أن المحكمات: ما اتضح معناها، والمشتبه: ما خفي المعنى، فإنه يرد إلى المحكم، مثل قوله جل وعلا: (نحن) و(إنا)، ليس المراد بذلك أن الرب ثلاثة جماعة كما تقول النصارى، لا، الرب واحد، فإذا قال: (نحن) فهي للتعظيم، نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ [الإنسان:23]، وما أشبه ذلك، وما يأتي في النصوص الأخرى: فعلنا كذا.. أمرنا بكذا، كل هذا من باب التعظيم؛ لأنه سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه، فإذا تكلم سبحانه بـ(نون) العظمة، فالمراد بذلك: أنه هو العظيم الشأن، وليس المراد التثليث، وهكذا إذا قال: (نحن)، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .. وما أشبه ذلك، وقوله سبحانه وتعالى في آيات كثيرات يعبر بـ(نا)، نون العظمة: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا [الإنسان:23] .. وما أشبه ذلك من الآيات التي فيها تعبير بهذا الضمير المراد به التعظيم، وأنه سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه، وليس المراد التثليث كما تقول النصارى قاتلهم الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088473184

    عدد مرات الحفظ

    776911558