الجواب: سؤال هذا الأخ يقول: إنه ترك الصلاة في أول عمره وإنه الآن يريد أن يقضيها، وإنه يقضي كل صلاة مع مثيلتها, ويسأل: هل هذا أمر مندوب أو مشروع؟ وهل يجوز قضاء الصلاة بعد الفجر وبعد العصر؟
والجواب على ذلك: أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في الرجل يترك الصلاة عمداً حتى يخرج وقتها بدون عذر, هل يلزمه قضاؤها أم لا يلزمه؟
فجمهور العلماء على أنه يلزمه القضاء, وأنه يقضيها تباعاً, لا يقضي كل صلاة مع مثيلتها, قالوا: لأن الصلاة التي تركها بقيت دين في ذمته, والدين يجب قضاؤه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقضوا الله فالله أحق بالقضاء ), وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك, وتلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] ) قالوا: فإذا وجب القضاء على المعذور بنوم أو نسيان فوجوب القضاء على من ليس له عذر من باب أولى.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن القضاء لا يفيد إذا ترك الإنسان الصلاة عمداً حتى خرج وقتها, وعليه أن يتوب إلى الله ويكثر من العمل الصالح ولا يشرع له القضاء؛ لأن العبادة المؤقتة بوقت لا تفعل قبله ولا بعده, فإنه إذا فعلها قبل وقتها أو بعده بدون عذر فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله, وكل عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه باطل مردود؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي: مردود عليه.
وعلى هذا فإنه لا يشرع لك أيها السائل أن تقضي ما مضى من صلاتك؛ لأن العمل الذي لا يفيد وليس مطلوباً شرعاً تركه هو الفائدة, فأرح نفسك, وأكثر من العمل الصالح, إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].
أما قوله: هل أقضيها بعد الفجر والعصر؟ فنقول: نعم, صلاة الفريضة تقضى بعد الفجر وبعد العصر؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، فإذا نام الإنسان عن الفريضة أو نسيها, أو صلى محدثاً ناسياً أو جاهلاً ثم ذكر ذلك بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر فإنه يقضيها؛ لعموم الحديث الآنف الذكر، أما إذا تركها متعمداً حتى خرج وقتها فإن القول الراجح أنها لا تقضى؛ لأن ذلك لا يفيد.
وليعلم أن العلماء اختلفوا فيما إذا وجد سبب صلاة في وقت النهي هل يجوز فعلها أم لا؟ والصحيح أنه يجوز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي, فإذا دخلت المسجد بعد صلاة الفجر فصل ركعتين, وإذا دخلت المسجد بعد صلاة العصر فصل ركعتين, وإذا دخلت المسجد قبيل الزوال فصل ركعتين, وهكذا كل نفل وجد سببه في أوقات النهي فإنه يفعل ولا نهي عنه, هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم, ويكون النهي عن الصلاة في أوقات النهي مخصوصاً بالنوافل المطلقة التي ليس لها سبب.
ووجه ترجيح هذا القول: أن صلاة ذوات الأسباب جاءت عامة مقيدة بأسبابها, فمتى وجد السبب جاز فعل الصلاة في أي وقت كان, وتكون ذوات الأسباب مخصصة لعموم النهي, كما أن في بعض أحاديث النهي ما يدل على أن ذوات الأسباب لا تدخل فيه, حيث جاء في بعض ألفاظه: ( لا تتحروا الصلاة ) وهذا يدل على أن ما فعل لسبب فلا بأس به؛ لأن ذلك ليس تحرياً للصلاة في هذه الأوقات.
الجواب: ليس هناك حرج في إزالة هذا الإصبع الزائد؛ لأنه من باب إزالة العيوب, وما كان من باب إزالة العيوب فإنه لا بأس به, ولهذا ( أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفاً من ورق -أي: من فضة- فلما أنتن جعله من ذهب, وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ).
وهنا يجب أن نعرف الفرق بين العملية التي قصد بها إزالة العيب وبين العملية التي يقصد بها زيادة الجمال؛ ولهذا نقول: إن العملية التي يقصد بها إزالة العيب لا بأس بها؛ لأن المقصود بها التخلي مما يشوه, كما دل على ذلك الأثر السابق.
وأما العملية التي يقصد بها زيادة التجميل فإنها محرمة, ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن النمص, بل لعن فاعله, وعن الوشم, وعن الوشر وهو برد الأسنان للتحسين, ونهى أيضاً عن وصل الشعر؛ لأن فيه زيادة جمال للأنثى, فكل عملية يقصد بها التجميل فهي محرمة قياساً على النمص والوشم, وكل عملية يقصد بها زوال العيب فإنها جائزة, ولا بأس بها قياساً على اتخاذ الصحابي أنفاً من الذهب, وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له.
وعلى هذا فقطع الإصبع الزائدة وقطع الثالول وما أشبهها مما يكون عيباً مشوهاً لا بأس به, ولكن بشرط أن يستشار في ذلك الأطباء المختصون, حتى لا يعرض الإنسان نفسه للخطر.
الجواب: الجواب عن الآية الكريمة في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] اختلف فيها المفسرون: فمنهم من قال: إن معنى قوله: خَلِيفَةً [البقرة:30] أي خالفاً لمن سبقه, وكان في الأرض عمار قبل آدم, وكان هؤلاء العمار يحصل منهم سفك الدماء والإفساد في الأرض؛ واستدل هؤلاء بقول الملائكة عليهم الصلاة والسلام: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] ؛ وبأن الجن قد خلقوا قبل الإنس؛ كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ [الحجر:26-27].
ومنهم من قال: بل إن المراد بقوله خَلِيفَةً أي: قوماً يخلف بعضهم بعضاً, فيذهب أناس ويأتي آخرون.
وعندي أن الأول الأقرب لموافقته لظاهر الآية, وهو أن آدم وذريته سيكونون خلفاء لمن سبقهم فيمن هم على الأرض, وأن الملائكة قالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30]؛ بناء على ما حصل من هؤلاء القوم الذين خلفهم آدم وذريته في الأرض.
وفي الآية الثانية التي ساقها السائل، وهو قول الملائكة لما قال الله لهم: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:31-32]، فيها دليل على أن الإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه فإنه يقول مثل هذا القول, فيقول: الله أعلم, أو لا علم لنا إلا ما علمنا الله, أو ما أشبه ذلك من الكلام, فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الفتوى أو على الحكم بين الناس بلا علم؛ لأن ذلك من كبائر الذنوب؛ قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33], وقال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].
ولقد كثر في الناس اليوم القول في دين الله تعالى بلا علم من عامة ومن طلبة علم لم يتحققوا مما يقولون ويفتون به, وهذا أمر خطير جداً ليس على المفتي وحده ولا على المستفتي وحده, بل على المفتي والمستفتي, بل وعلى الإسلام؛ لأن الفتوى بلا علم يكثر فيها الاختلاف, إذ إنها مبنية على مجرد نظر قاصر, وكل إنسان له نظره ومزاجه, والمقياس والميزان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا تكلم الناس كل بما عنده اختلفت الآراء وكثر النزاع وتذبذب العامة وشكوا فيما هم عليه من الحق, وقالوا: ما لهذا الدين كل يقول كذا وكل يقول كذا, والتبس الأمر, وحصل بذلك مفسدة كبيرة عظيمة.
فأنصح نفسي وإخواني بأن نقف على حدود الله عز وجل, وألا نتكلم في دين الله بما لا نعلمه من دينه وبما لا نعلم أنه يجوز لنا الكلام فيه, ولقد سمعنا أشياء كثيرة من هذا النوع يأتي الإنسان فيسمع حديثاً عاماً يأخذ بعمومه, وقد دلت الأدلة الواضحة الصريحة على تخصيصه, بل ربما يحكم بدليل قد نسخ ورفع حكمه من أصله, وربما يأخذ بآثار وأحاديث ضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة المدونة في كتب الإسلام المشهورة في الحديث.
فلهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي إخوانه المسلمين, وليس يضيره شيء إذا سئل عن شيء وقال: لا أعلم إذا كان لا يعلمه, بل هذا مما يزيده رفعة عند الله وعند الناس, ويثق الناس بقوله إذا كان يقول عما لا يعلم: إني لا أعلم؛ لأن الناس يعرفون منه الورع وأنه لا يتكلم إلا بعلم.
أما إذا كان يتكلم عن كل ما سئل عنه ثم يتبين خطؤه مرة أخرى فإن الناس لا يثقون به, وأسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين.
الجواب: زيارة القبور مشروعة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نهى عنها, فقال عليه الصلاة والسلام: ( كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكر الآخرة ) وفي لفظ: ( تذكر الموت ).
والأمر كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم, فإن الرجل إذا مر بالمقبرة ورأى هذه الأجداث وتصور ارتهان أصحابها فيها, وأنهم الآن مرتهنون بأعمالهم, وأن هؤلاء القوم كانوا بالأمس على ظهر الأرض يذهبون ويأكلون ويشربون ويتمتعون بزخارف الدنيا, تذكر حاله هو أيضاً بأنه سيكون عن قريب مثل هؤلاء, مرتهناً بعمله, لا يستطيع زيادة في حسناته ولا نقصاً من سيئاته, فيتذكر ويعتبر, ويزداد استعداداً للموت.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور, لكن أمره هذا خاص بالرجال, أما النساء فقد ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ), فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة, لكن لو مرت المرأة بالمقبرة بدون قصد زيارة, ووقفت ودعت بما يسن الدعاء به, فإن هذا لا بأس به؛ كما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم ، وأما خروجها من بيتها لقصد الزيارة فإن هذا داخل في لعنة الله.
وأما من زارها فإن المشروع له أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون, يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين, نسأل الله لنا ولكم العافية, اللهم لا تحرمنا أجرهم, ولا تفتنا بعدهم, واغفر لنا ولهم .
وأما قراءة الفاتحة عند زيارة القبور فإنه لا أصل لها ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولهذا لا ينبغي للإنسان قراءتها؛ لأنها غير مشروعة, بل ينبغي له أن يدعو بالدعاء الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما ذكرناه آنفاً.
الجواب: تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً كافر؛ كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن الصحابة والنظر الصحيح, فهذه أربعة أدلة كلها تدل على كفر تارك الصلاة.
فمن أدلة القرآن: قول الله تعالى في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11]، فاشترط الله تعالى لثبوت أخوتهم في دين الله ثلاثة شروط:
الأول: التوبة من الشرك. والثاني: إقام الصلاة. والثالث: إيتاء الزكاة.
فإن لم يتوبوا من الشرك فهم مشركون وليسوا إخوة لنا, وإن لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا, وأن لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا أيضاً.
ولكن نقول: أما عدم إقامتهم الصلاة فإن أخوتهم لنا في دين الله تنتفي انتفاء مطلقاً؛ لأنهم كفار, كما دل على ذلك نصوص السنة وآثار الصحابة.
وأما إذا لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا الإخوة الكاملة المطلقة؛ لأن مانع الزكاة قد دلت السنة على أنه لا يكفر, ونحن نأخذ بالأدلة حيثما كان مدلولها, نفرق بين ما فرق الله ورسوله, ونؤلف بينما ألف الله ورسوله.
وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة؛ ففي قوله صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) وكلاهما صحيح, الأول في مسلم , والثاني في السنن, وهما صريحان في أن تارك الصلاة خارج من الإسلام؛ لأن البينية حد فاصل يفصل بين المحدودين بحيث لا يتداخلان, وعليه فإنهما صريحان في كفر تارك الصلاة.
فإن قال قائل: أفلا يحمل الحديثان على أن المراد بذلك من ترك الصلاة جاحداً بوجوبها؟
قلنا: هذا لا يصح لوجهين:
الوجه الأول: أن جاحد وجوب الصلاة كافر ولو صلى, فيكفر بجحده لا بتركه.
الوجه الثاني: أننا لو قلنا بذلك لأبطلنا دلالة النص, وصرفناه عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر, ولكان يلزم من ذلك أن الرجل إذا صلى وهو جاحد بالوجوب فليس بكافر, مع أن الجحد كفر على كل حال.
وأما الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم؛ فقد روي ذلك عن عمر و ابن مسعود وبضعة عشر صحابياً, بل قال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة, وقد نقل إسحاق بن راهويه رحمه الله الإجماع على كفر تارك الصلاة من عهد الصحابة إلى زمنه رحمه الله.
وأما النظر: فلأنه كيف يمكن أن نقول عن رجل يحافظ على ترك الصلاة ليلاً ونهاراً ولا يبالي بها, كيف نقول: إن هذا في قلبه إيمان؟ وهو يعلم ما للصلاة من شأن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, حتى إن الله تعالى فرضها على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بدون واسطة, وفرضها عليه وهو فوق السماوات, وفرضها عليه خمسين صلاة لولا أن الله خففها عن عباده إلى خمس؟ كل هذا يدل على أهمية الصلاة وعلو شأنها. والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر