إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [412]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السؤال: ما الفرق بين حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (الذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه فله أجران )، ومعنى الحديث الذي يقول: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه

    الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه بأنه لا يمكن أن التعارض في كتاب الله سبحانه وتعالى بين آياته، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أحاديثها الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بين القرآن والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الكل من عند الله، وما كان من عند الله فلن يكون فيه تناقض، قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، ولكن قد يبدو للناظر التعارض في هذا، وحينئذٍ يحتاج إلى الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، أو بين الآيات التي ظاهرها التعارض، والجمع بين الآيات يكون بحمل بعضها على وجه لا يخالف البعض الآخر، مثال ذلك: قول الله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42]، ظاهر هاتين الآيتين التعارض، وأنهم ينكرون أن يكونوا أشركوا بالله في الآية الأولى، وفي الآية الثانية لا يكتمون الله حديثاً، فيخبرون بما هم عليه، ولكننا نقول: الجمع بين هاتين الآيتين: أن للمشركين يوم القيامة أحوالاً، فتارة يقرون بما فعلوا، وتارة ينكرون ما فعلوا، ويوم القيامة يوم مقداره خمسون ألف سنة، وقد يأتي التعارض ويكون أحدهما ناسخاً للأول، وحينئذ لا تعارض؛ لأن النص الأول ليس قائماً حتى يكون معارضاً للنص الثاني، وهذا موجود في القرآن وفي السنة، ففي القرآن مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:65-66]، فالآية الأولى منسوخة، صرح الله بذلك: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا [الأنفال:66]، فلا يكون بينها وبين الثانية تعارض، لأن الأولى بعد النسخ صارت غير قائمة، وكذلك ما جاء في السنة من النهي عن زيارة القبور في أول الأمر، ثم الأمر بزيارتها في آخر الأمر.

    على كل حال التعارض بين المنسوخ والناسخ غير قائم، لأن المنسوخ قد رفع حكمه، وقد يأتي التعارض ولكن يرجح أحدهما على الآخر، وإذا رجح أحدهما على الآخر فلا تعارض أيضاً، لأن المنسوخ غير قائم، بل هو مهدر لا يعمل به، ينسخه الثاني.

    وبعد هذه المقدمة وهي: أن نعلم أنه لا يمكن أن يوجد التعارض في الكتاب الكريم بين آياته، ولا في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أحاديثها، ولا بين القرآن والسنة يمكن الإجابة على هذا السؤال:

    الجواب: نقول: إنه لا تعارض بين الحديثين إن صح الثاني وهو قوله: (ربَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه )، فإن المراد بالحديث الأول: (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق ) المراد به الرجل الحريص على قراءة القرآن، فيحرص على قراءة القرآن ولو كان يتتعتع فيه، أي: يشق عليه النطق به على وجه سليم، ومع ذلك فيحافظ على قراءة القرآن فإن هذا له أجران: أجر التلاوة وأجر المشقة في التلاوة، أما الثاني إن صح فالمراد بقارئ القرآن الذي يلعنه القرآن هو القارئ يقرأ القرآن ولكنه لا يؤمن بأخباره ولا يعمل بأحكامه، يكذب الأخبار ويحرفها ويستكبر عن الأحكام فيخالفها، فمثل هذا القارئ يكون قارئاً للقرآن، لكنه في الحقيقة برئ من القرآن بتكذيبه القرآن أو استكباره عن العمل بأحكامه، ولا فرق بين من يكذب القرآن جملة أو يكذب خبراً واحداً من أخباره، وبين أن يرفض أحكامه جملة أو يرفض حكماً من أحكامه؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الكفر ببعض الشريعة كفراً بها كلها، فقال تعالى ناعياً على أهل الكتاب: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85]، وجعل الذين يكفرون ببعض الرسل دون بعض كافرين بالجميع، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:150-151] فهذا هو القول في ما ذكره السائل، وبه يتبين أنه ليس هناك تعارضٌ أصلاً بين ما ذكره السائل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088484408

    عدد مرات الحفظ

    776948527