الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول لإخواني المستمعين: إن الصلاة شأنها عظيم، وخطرها جسيم، وليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، كما قال ذلك عبد الله بن شقيق عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله عز وجل، وأن يحافظ على صلاته كما أمره بذلك ربه في قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] ، وكما أثنى الله عز وجل على الذين يحافظون على صلواتهم، وجعل ذلك من أسباب إرث الفردوس، وهو أعلى الجنة، والصلوات نور في القلب، وفي الوجه، وفي القبر، نور تزول به ظلمات الجهل، الصلوات صلة بين الإنسان وبين ربه، يقف بين يديه يناجيه بكلامه، وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ).
فلا يليق بالمؤمن أن يضيع هذه الفرصة العظيمة أن يضيع مناجاة الله سبحانه وتعالى بالسهو واللهو، ولا شك أن الإنسان الذي يعرف ما للصلاة من قيمة في الإسلام، وما لها من ثواب وأجر عند الله عز وجل أنه لا يضيع هذه الصلاة أبداً؛ ولهذا كانت إضاعتها وتركها كفراً مخرجاً عن الملة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، ودليله من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح، أما الكتاب فقد قال الله تعالى في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] ، فجعل الله تعالى شرط كونهم إخوةً لنا في الدين أن يتوبوا من الشرك وأن يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة، فإذا تخلف الشرط كلاً أو بعضاً فإن المشروط لا يتم، ولا يمكن أن تنتفي الأخوة الإيمانية إلا بالخروج عن الإيمان كليةً، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ).
وروى عنه أصحاب السنن أنه قال صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم -أي: بين المشركين والكافرين- الصلاة، فمن تركها فقد كفر ).
ونقل عبد الله بن شقيق عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، والنظر الصحيح يقتضي ذلك، فإنه لا يمكن لشخص يكون في قلبه إيمان وهو يعلم عظم الصلاة وفائدتها، والوعيد على من تهاون بها أن يدعها أبداً، ومن هنا يتبين لنا جواب السؤال الذي أوردتموه، فنقول: إن هذا الذي ترك الصلاة من حين بلغ إلى أن تم له عشرون سنة وهو يعلم وجوبها لا يقضيها؛ لأنه في هذه المدة كافر، والكافر لا يقضي ما فاته من الأعمال؛ لقول الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]. وإذا قدرنا أنه ليس بكافر لجهله وتهاونه أو اعتقاد أن ترك الصلاة ليس بكفر كما هو رأي لكثير من العلماء فإنه لا يقضيها أيضاً على القول الراجح، وإن قضاها لم تقبل منه؛ لأن الله سبحانه وتعالى فرض الصلاة في أوقات معلومة، فقال جل وعلا: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103] ، فإذا أخرها عن وقتها متعمداً بلا عذر فقد أتى بها على وجه لم يؤمر به، فتكون مردودة عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وبهذا نعرف أن القول الراجح أن هذا الشاب الذي لم يصل إلا حين تم له عشرون سنة ليس عليه قضاء للصلوات الفائتة بعد بلوغه، ولكن عليه أن يصلح عمله، ويكثر من الاستغفار، ومن صلاة النافلة؛ لأن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة، ونرجو له من الله عز وجل تمام المغفرة والرحمة.
الجواب: هذه المرأة التائبة كونها تشعر دائماً بذنبها يدل على أن توبتها صادقة؛ لكثرة الندم معها على ما فعلت من معاصي، ولكني أقول لها: أبشري فإن حال الإنسان بعد التوبة قد تكون أكمل من حاله قبل فعل المعصية؛ لأنه يحصل له بالتوبة الإنابة إلى الله، والانطراح بين يديه، والتبرؤ من الحول والقوة، والتبرؤ من الإعجاب بالنفس، واستصغار النفس، واحتقارها أمام عظمة الله، وكل هذه معان جليلة، ترقى بالإنسان إلى درجة أكمل مما كان عليه قبل التوبة؛ لأن مثل هذه الأمور مفقودة من قبل، وعلى هذا فلتبشر بالخير، ولتنته عما حصل من المعصية، فإنها قد غفرت وزالت وانمحى أثرها، ولتتذكر ما جرى لآدم عليه الصلاة والسلام، حيث نهاه الله أن يأكل من الشجرة، ولكنه خالف فعصى، قال الله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122]، فلم يحصل الاجتباء إلا بعد أن تاب من المعصية، فاجتباه الله وتاب عليه وهداه هداية علم وهداية توفيق، وهذا يدل على ما أسلفنا أن الإنسان بعد التوبة النصوح قد تكون حاله أكمل مما كانت عليه قبل فعل المعصية، وإنني بهذه المناسبة أود أن أقول: إن للتوبة شروطاً لا بد منها، وهي خمسة:
الأول: الإخلاص لله عز وجل بالتوبة، بحيث لا يحمله على التوبة رجاء شيء من الدنيا، أو خوف شيء في الدنيا، بحيث يكون الحامل له على التوبة رجاء ما عند الله تعالى من الثواب للتائبين، والتخلص من أوضار هذا الذنب الذي قام به.
الشرط الثاني: أن يندم على ما حصل من الذنب ويتحسر، ويود أنه لم يفعله.
الشرط الثالث: أن يقلع عن المعصية، فإن كان الذنب ترك واجب استدركه ففعله إن كان ممكناً، وإن كان الذنب فعل معصية أقلع عنها في الحال، ومن ذلك ما إذا كانت المعصية حقاً لآدمي فإن الواجب عليه أن يبادر بالتخلص من هذا الحق، إن كان مالاً رده إلى صاحبه إن كان حياً معلوماً عنده، وإن كان ميتاً رده إلى ورثته، وإن جهله أو نسيه تصدق به عنه.
والشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل، يعني: يكون لديه عزم على ألا يعود إلى هذه المعصية في المستقبل، وليس الشرط ألا يعود إلى المعصية في المستقبل، الشرط أن يعزم ألا يعود ثم إن سولت له نفسه فعاد فإن توبته الأولى تبقى على صحتها، ويحتاج إلى توبة جديدة للذنب الجديد.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، بأن تكون قبل حضور الأجل وقبل طلوع الشمس من مغربها، فإن كانت بعد حضور الأجل فإنها لا تقبل؛ لقول الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18].
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها )، ويشهد لذلك قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].
وإنني أحث إخواني الذين لا يزالون على الذنب أن يبادروا بالتوبة قبل فوات الأوان، وأن يعلموا أن عظم الذنب لا يمنع التوبة، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:68-71].
الجواب: الإنسان إذا تاب إلى الله عز وجل من ذنبه مهما عظم فإن الله تعالى يتوب عليه؛ لعموم قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:53-55] الآيات.
وتزويج التائب وهو الذي وقع السؤال عنه لا بأس به، بل قد يشجع على تزويج التائب تأليفاً له، وتثبيتاً لتوبته، و( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )، ولكن لا ينبغي أن نتسرع إذا رأينا هذا الخاطب قد تاب من المعصية حتى ننظر ونسبر حاله، ونعرف أن توبته نصوح، وأنها خالصة لله؛ لأن من الناس من يخطب من عدة أناس فإذا رأى أنه لم يجب وكان يرى في نفسه إخلالاً بواجب أو انتهاك لمحرم ذهب يتصنع التوبة، ويقوم بالواجب، ويدع المحرم، فإذا زوج عاد إلى ذلك، فأقول: إن الرجل الذي كان معروفاً بالانهماك في المعاصي إذا تاب فإن الله يتوب عليه لا شك في هذا، إذا تمت شروط التوبة التي أشرنا إليها في أول هذا اللقاء، لكن ينبغي لنا نحن أن ننتظر، وأن نسبره، وأن نتتبع أحواله، والصدق بين، والتمويه بين، فإذا تبين لنا صدقه فإننا نزوجه، ولا بأس في ذلك.
الجواب: نعم، العقيقة سنة مؤكدة على القادر، وهي شاتان عن الذكر، وشاة عن الأنثى، والأفضل ذبحها يوم السابع من الولادة، فإذا ولد في يوم الثلاثاء مثلا فيوم عقيقته يوم الإثنين من الأسبوع الثاني، وإذا ولد يوم الجمعة فيوم عقيقته يوم الخميس من الأسبوع الثاني.. وهكذا، فإن فات السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات الرابع عشر ففي اليوم الحادي والعشرين، فإن فات ففي أي يوم.. هكذا قال الفقهاء رحمهم الله، فإذا كان الإنسان وهو أبو الولد ذكراً كان الولد أو أنثى إذا كان في ذلك الوقت غير موسر فإنها تسقط عنه العقيقة؛ لأنها إنما تشرع لمن كان موسراً، أما الفقير فإنه لا يكلف بها وهو عاجز عنها؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ، وقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .
فهذا الرجل الذي قد مات وعنده أبناء لم يعق عنهم ننظر إذا كان معسراً لم يتمكن من العق عنهم فإنها لا تقضى عنه؛ لأنها ليست مشروعة في حقه، وإن كان موسراً ولكن ترك ذلك تهاوناً فإن كان في الورثة قوم قصر أي: دون البلوغ، أو عندهم تخلف في العقل، فإنه لا يؤخذ من نصيبهم شيء لهذه العقيقة، وإن كانوا -أي: الورثة- مرشدين وأحبوا أن يعقوا من مال والدهم باتفاق الجميع فلا بأس، وإن لم يكن ذلك وأراد كل واحد منهم أن يعق عن نفسه نيابةً عن أبيه أو قضاءً عن أبيه فلا بأس.
الجواب: أي نعم هو حديث لكنه ضعيف، فلا عمل عليه.
الجواب: ليس عليكم أن تغسلوا ثيابكم أو أبدانكم من هذا الماء المكرر؛ لأن هذا الماء المكرر قد زالت نجاسته بما أضيف إليه من المواد الكيماوية التي ذهبت بالنجاسة، والماء النجس يكون تطهيره بإضافة شيء إليه يزول بها أثر النجاسة من طعم أو لون أو ريح، بل قال العلماء: إن الماء النجس إذا زال تغيره بنفسه صار طهوراً، لكن بعض العلماء اشترط أن يكون كثيراً أي: بالغاً للقلتين، فإذا زال تغيره بنفسه وقد بلغ القلتين فهو طهور، وإن كان دون القلتين فإنه لا يطهر إلا بإضافة ماء طهور كثير إليه، ولكن القول الراجح: أنه متى زال تغير الماء النجس بأي مزيل فإنه يكون طهوراً لا ينجس الثياب ولا الأبدان.
الجواب: الصبرة: مأخوذة من الصبر وهو الحبس؛ وذلك لأن الأرض المصبرة أو البيت المصبر محبوس عند المتصبر، والمتصبر في عرف الناس كالمالك في تصرفه في رقبة الملك المتصبر، فتجده يحرث ويزرع ويدق المطاب ويحفر الآبار للماء، وإذا كان في أرض سكنية يبني عليها ويؤجرها ويتصرف تصرف الملاك ما دامت الصبرة باقية، بخلاف المستأجر، المستأجر لا يملك أن يتصرف فيما استأجره من بيت أو أرض إلا على وفق الشروط التي تم عقد الإجارة عليها.
الجواب: قال أهل العلم: إنه يجوز للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته على حسب الميراث الشرعي ولو كان حياً، ولكننا نرى ألا يفعل ذلك؛ وذلك لأن الأمور قد تفلت، فهو الآن يعتقد أنه في غنى عن هذا المال، وربما يطرأ عليه حاجة توجب أن يكون لديه مال، وكم من إنسان يفعل ذلك -أي يقسم ماله بين ورثته- ثم يطرأ عليه حاجات يتمنى أن ماله بيده ولكن قد فات الأوان، ثم إننا نقول: أنت قسمت الآن مالك بين ورثتك وربما تكون أنت الوارث لهم، فلا يدرى من يموت أولاً، فالذي ينبغي للإنسان أن يبقي ماله حتى يقضي الله أمره، فإذا مات وزعت التركة على حسب ما تقتضيه الشريعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر