إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [736]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السؤال: كثير من الناس, يقول: بأن المولد ليس ببدعة؛ لأن فيه ذكراً للرسول صلى الله عليه وسلم وتمجيداً لذكره, وليس فيه لهو من غناء وغيره, بل هو تذكير فقط بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم, فما الحكم إذا كان المولد بهذه الصورة, أريد جواباً شافياً وواضحاً لهذا الموضوع؛ لأن الكثير من الناس يرون أنه ليس فيه شيء من البدع؛ لأنه ذكر فقط؟

    الجواب: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم, ولا شك أن له حقوقاً علينا أكثر من حقوق أمهاتنا وآبائنا, ولا شك أنه يجب علينا أن نقدم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين, ولا شك أن له من المناقب والفضائل ما لم يكن لغيره, وهذا أمر مسلم, وإذا كان هذا السائل يسأل عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فإننا نبحث في هذه المسألة من ناحيتين:

    أولاً: من الناحية التاريخية: فإنه لم يثبت أن ولادته كانت في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول, ولا كانت يوم الثاني عشر من ربيع الأول, بل حقق بعض المعاصرين من الفلكيين أن ولادته كانت في اليوم التاسع من ربيع الأول, وعلى هذا فلا صحة لكون المولد يوم الثاني عشر أو ليلة الثاني عشر من الناحية التاريخية.

    أما من الناحية التعبدية: فإننا نقول: الاحتفال بالمولد ماذا يريد به المحتفلون؟ أيريدون إظهار محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فإن كانوا يريدون هذا فإظهار محبته بإظهار شريعته عليه الصلاة والسلام, والالتزام بها, والذود عنها, وحمايتها من كل بدعة, أم يريدون ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصلة فيما هو مشروع كل يوم, فالمؤذنون يعلنون على المنابر أشهد أن محمداً رسول الله, والمصلون في كل صلاة يقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, ويقولون فأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, ويقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, بل كل عبادة فهي ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك لأن العبادة مبنية على أمرين: الإخلاص لله, والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وبالمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الذكرى في القلب, أم يريد هؤلاء أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يظهروا مناقبه؛ فنقول: نعم هذه الإرادة, ونحن معهم نحث على كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ونحث على إظهار مناقبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمته؛ لأن ذلك يؤدي إلى كمال محبته وتعظيمه واتباع شريعته, ولكن هل ورد هذا مقيداً بذلك اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم, أم أنه عام في كل وقت وحين. الجواب: الثاني، ثم نقول: اقرأ قول الله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]. فهل نحن متبعون للمهاجرين والأنصار في إقامة هذا المولد, بل في إقامة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فالجواب: لا؛ لأن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين, والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين من بعدهم لم يقيموا هذا الاحتفال ولم يندبوا إليه أبداً. أفنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم؟ أم هم غافلون مفرطون في إقامة هذا الحق للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أم هم جاهلون به لا يدرون عنه؟ كل هذا لم يكن؛ لأن وجود السبب مع عدم المانع لابد أن يحصل مقتضاه, والصحابة لا مانع لهم من أن يقيموا هذا الاحتفال, لكنهم يعلمون أنه بدعة, وأن صدق محبة الرسول عليه الصلاة والسلام في كمال اتباعه، لا أن يبتدع الإنسان في دينه ما ليس منه, فإذا كان الإنسان صادقاً في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي اعتقاده أنه سيد البشر, فليكن ملتزماً بشريعته, فما وجده في شريعته قام به, وما لم يجده أعرض عنه, وهذا خالص المحبة وهذا كامل المحبة, ثم إن هذه الموالد يحصل فيها من الاختلاط والكلمات الزائدة في الغلو برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, حتى إنهم يترنمون بالبردة المضافة إلى البوصيري وفيها يقول:

    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

    كيف يقول هل هذا صحيح؟ يعني: أن هذا الذي أصيب بالحادث لا يرجع إلى الله عز وجل, لا يلوذ بالله عز وجل, هذا شرك, ثم يقول:

    إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم

    فهل الرسول عليه الصلاة والسلام ينقذ الناس يوم المعاد؟

    إن دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك اليوم, اللهم سلم سلم, عند عبور الصراط.

    يقول أيضاً في هذه القصيدة يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فإن من جودك الدنيا وضرتها, وتأمل قوله: من جودك. يعني: من جود الرسول صلى الله عليه وسلم وليس كل جوده, بل هي من جوده, وجوده أجود من هذا, فإذا جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام, فماذا بقي لله تعالى في الدنيا والآخرة, لن يبقى شيء، كل هاتين الدارين من جود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ويقول أيضاً: ومن علومك علم اللوح والقلم -سبحان الله- من علومه وليست كل علومه, أن يعلم ما في اللوح المحفوظ, مع أن الله تعالى أمر نبيه أمراً خاصاً أن يقول: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [الأنعام:50]. فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم ما غاب عنه في الدنيا, فكيف يقال: إنه يعلم علم اللوح والقلم, بل إن علم اللوح والقلم من علومه؟! وهذا غلو لا يرضاه الرسول عليه الصلاة والسلام, بل ينكره وينهى عنه, ثم إنه يحصل بهذا الاحتفال بالمولد أشياء تشبه حال المجانين, سمعنا أنهم بينما هم جلوس إذا بهم يفزون ويقومون قيام رجل واحد, ويدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في هذا المجلس, وأنهم قاموا احتراماً له, وهذا لا يقع ممن به شبه جنون فضلاً عن عاقل مؤمن, فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قبره لا يخرج إلا يوم البعث, كما قال الله عز وجل: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].

    والخلاصة: أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح من الناحية التاريخية, ولا يحل من الناحية الشرعية, وأنه بدعة, وقد قال أصدق الخلق وأعلم الخلق بشريعة الله: ( كل بدعة ضلالة )، وإني أدعو إخواني المسلمين إلى تركه, والإقبال على الله عز وجل, وتعظيم سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشريعته, وألا يحدث الإنسان في دين الله ما ليس من شريعة الله, وأنصحهم أن يحفظوا أوقاتهم, وعقولهم, وأفكارهم, وأجسامهم, وأموالهم, من إضاعتها في هذا الاحتفال البدعي, وأسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق وإصلاح الحال, إنه على كل شيء قدير.

    مداخلة: يا شيخ متى ظهرت بدعة المولد يا شيخ محمد؟

    الشيخ: في القرن الرابع. فقد مضت الثلاثة القرون المفضلة ولم يقمها أحد, وفي القرن الرابع وجدت, وفي القرن السابع كثرت وانتشرت وتوغلت, وقد ألف في ذلك والحمد لله مؤلفات, تبين أول هذه البدعة وأساسها ومكانتها من الشرع, وأنه لا أصل لها في شريعة الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089115559

    عدد مرات الحفظ

    781903870