إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [9]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الحسنة لها نور في القلب، وضياء وإشراق في الوجه، وقبول في قلوب الخلق، والسيئة لها وحشة في القلب، وتورث صاحبها الذل، وتجعل الشيطان يتسلط على ابن آدم، وإن مما ينبغي أن يعيه المسلم التسليم الكامل لله تعالى، وأن يخضع عقله لشرع الله، سواء في مجال الأمور المادية، أو الحلال والحرام، أو الصفات والغيبيات.
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، اللهم سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فلا زلنا نتدارس الباب الثاني من أبواب الطهارة من جامع الإمام أبي عيسى الترمذي عليه رحمة رب العالمين، وعنوانه: باب ما جاء في فضل الطهور. وقد ساق الإمام الترمذي الحديث من طريق شيخيه: إسحاق بن موسى الأنصاري ، وقتيبة بن سعيد إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)، قال أبو عيسى رحمه الله: هذا حديث حسن صحيح.

    وكنا نتدارس المسألة الثانية من المبحث الثاني الذي دار حول فقه الحديث وبيان معناه، وقلنا: في ذلك مسألتان:

    المسألة الأولى: في تكفير الطاعات للسيئات. وفصلت الكلام على ذلك فيما تقدم.

    والمسألة الثانية: في كيفية خروج الخطايا من أعضاء المتوضئ عندما يتوضأ.

    وهذه المسألة الثانية في المبحث الثاني تدارسنا شيئاً منها وتحتاج إلى تكميل هذا الحديث لننتقل بعده إلى الباب الثالث بإذن الله جل وعلا.

    تقدم معنا أن المعنى الحق لكيفية خروج الخطايا الذي دلت عليه الأدلة وشهدت له، أنه خروج حسي لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وقد يدركه أهل الأحوال وأرباب البصائر.

    وقلنا: دل على هذا أمور كثيرة، فالمعاصي لها أثر في الظاهر وفي الباطن على الإنسان.

    فأما أثرها في الباطن فقد صرح به نبينا عليه الصلاة والسلام، وذكرت الحديث الصحيح وبينت من خرجه: (إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء)، فهذا أثر حقيقي في الباطن (فإذا تاب واستغفر ونزع صقل قلبه، وإن زاد زادت النكتة حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] )، فهذا السواد وهذه النكتة تغطي القلب بحيث يصبح القلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، إذاً: زادت هذه النكت في قلبه بحيث عمت قلبه وغطته.

    وأما أثرها في الظاهر، فقد ذكرت أيضاً الحديث الصحيح المتعلق بالحجر الأسود، وأنه عندما نزل من السماء من الجنة كان أبيض من اللبن، وإنما سودته خطايا بنو آدم، وبينت من خرجه.

    وهناك قولان آخران في بيان معنى الحديث ينبغي أن نحكم عليهما بالهجران والبطلان، ولا يجوز أن نعول عليهما أبداً.

    أولهما: أن هذا من باب الكناية والإشارة إلى مغفرة الذنب دون خروج شيء محسوس من أعضاء المتوضئ؛ لأن الذنوب على هذا القول ليست حسية بحيث تدخل وتخرج وتعلق بالبدن وتزول عنه، فهي شيء معنوي، فهذا كناية عن المغفرة، وقلت: هذا قول باطل، يكفي أنه خلاف ظاهر الحديث الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

    والقول الثاني: أن هذا الخروج حقيقة، لكن مع إثبات عالم الإنسان، فهذه الذنوب وهذه الأشياء المعنوية لها جرم وجسم وحجم وحيز وشكل، لكن في عالم الإنسان، وقلت: إثبات هذا العالم يحتاج إلى دليل، وناقشت هذين القولين وأبطلتهما.

    وسأزيد القول الأول بشيء من التقرير، ثم ننتقل إلى المعالم الثلاثة المتعلقة بهذا البحث، ومن أجلها تكلمت على هذه القضية، من أجل أن نثبت هذه المعالم في مثل هذه الأمور، وما موقف العقل في هذه الأشياء وما يشبهها؟ وما هو مجال العقل؟ ومتى ينبغي أن يعزل العقل عن البحث؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089195714

    عدد مرات الحفظ

    782683227