إسلام ويب

محاربة كلام اللهللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه الأيام انعكست الموازين فبررت المعاصي وألقيت عليها الصبغة الشرعية، ونُحي كلام الله جل وعلا من الحياة جملة وتفصيلاً، وكفر بعض الناس بكلام رب العالمين، وحاربوه وكادوا له، ومن ذلك: عكوفهم على القوانين التي وضعها من غضب الله عليهم من اليهود والنصارى والشيوعيين، وإذا بك تجد من أهل الإسلام من يروج لهذا وينافح عنه وكأنه دين الله المنزل، ومن أخطر وأشنع ما يحارب به كلام الله وشرعه المناداة بفصل الدين عن الدولة وتنحية السياسة عن أمور الدين والعبادة، فكان لابد من وقفة حقيقية مع هؤلاء لعلهم يسلمون إلى ربهم فيسعدون أو أن نسلم منهم ومن كيدهم ومكرهم.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياء، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! في هذه الموعظة سأبين ما يخطط لكلام الله جل وعلا ويكاد له من قبل شياطين الإنس وعصاة البشر في هذه الأيام من مؤامرات للقضاء على هذا القرآن.

    إخوتي الكرام! الصحابة الكرام رضوان الله عليهم علموا أن هذا القرآن منزل من عند الرحمن، والأمر كذلك ولا شك عند عقلاء بني الناس، فوقفوا نحو هذا القرآن موقفاً سديداً رشيداً، وهو أنهم عملوا به وعكفوا عليه تلاوة وحفظاً وفهماً وعملاً، وما كانوا يخالفونه في شيء اللهم إلا ما يقع في نفوسهم في بعض الأحيان عن طريق الضعف البشري والقصور الإنساني، فهي شهوة نفسانية يقع فيها بني آدم، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

    لكن ما كان فيهم واحداً يؤله عقله، ما كان فيهم ولا يخطر ببال أحدهم أن يبرر المعاصي والكفر التي تقع في الحياة في الجاهلية، والشريعة الإسلامية شريعة ربانية، ولابد من الفصل بينهما.

    وأما أن نصبغ الجاهلية بصبغة إسلامية، وأن نرضي الشيطان ونرضي الرحمن، فالله منا بريء في هذه الحالة، فما ألهو عقولهم، وما برروا شيئاً من المعاصي أو الكفر الذي يقع في الحياة، فهذا حق وهذا ضلال، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32].

    وفي هذه الأيام انعكست الموازين عندنا في هذا الزمان، فبررت المعاصي، وألقي عليها الصبغة الشرعية، ونحي كلام الله جل وعلا من الحياة جملة وتفصيلاً، وكفر الناس بكلام رب العالمين، وعكفوا على قوانين الذين غضب عليهم رب العالمين من يهود ونصارى وشيوعيين.

    وإذا كان الأمر كذلك لابد حقيقة من أن نقف وقفة مع هؤلاء، لعلهم يسلمون إلى ربهم جل وعلا فيسعدون في الدنيا والآخرة وتسعد الأمم والبشرية، وإذا لم يحصل هذا فلا أقل من أن نسلم من شرهم ومكرهم وكيدهم.

    نسأل الله أن يحفظ أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من شر كل ذي شر؛ إنه على كل شيء قدير.

    إخوتي الكرام! آخر ما ختمت به الموعظة السابقة ثلاث آيات من القرآن كنا نتدارسها في سورة المائدة: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].

    قلت: اختلفت العبارات لاختلاف الاعتذارات، فمن حكم غير شريعة رب الأرض والسماوات فهو كافر؛ لأنه جحد الحق وكفر، وهو ظالمٌ لأنه تجاوز الهدى إلى الردى، وهو فاسق لأنه خرج من الحق إلى الضلال، ومن النور إلى الضلام، فهو كافرٌ ظالمٌ فاسق واختلفت العبارات لاختلاف الاعتذارات.

    إخوتي الكرام! والإنسان عندما ينحرف عن شريعة الإسلام، ولا يقبل حكم الرحمن، ويخالف حكم الرحمن له حالتان:

    الحالة الأولى: يكون فيها كافراً مرتداً عن الإسلام

    الحالة الأولى: يكون فيها كافراً ولاشك، وهو مرتد مخلد في نار جهنم، وهذه لها خمس صور:

    الصورة الأولى: أن يجحد أحقية كلام الله جل وعلا وشريعة الله جل وعلا، فلا يراها أنها حقيقة، ولا يرى أن أحكامها سليمة، فمن جحد شيئاً من ذلك فهو كافر.

    الصورة الثانية: ألا يجحد أحقية شرعية الله وكلام الله، لكنه يرى أن بعض أنظمة البشر خير من كلام الله ومن تشريع الله، فلاشك في كفره.

    الصورة الثالثة: ألا يجحد أحقية شريعة الله، ولا يرى أن شريعةً من الشرائع خير منها، لكنه يرى أن بعض الشرائع الوضعية والقوانين الرديئة تساوي شريعة رب البرية، فهو كافر.

    الصورة الرابعة: ما جحد أحقية حكم الله، ولا رأى نظاماً خيراً من شريعة الله، ولا رأى قانوناً يساوي أحكام الله، لكنه قال: إن هذه الشرائع الوضعية والقوانين الرديئة هي دون شريعة الله، وكلام الله أعلى منها وأصدق وأحق، لكن يجوز الأخذ بها، ويجوز الاحتكام إليها؛ لأن الأوضاع تغيرت، فنأخذ بهذه القوانين الوضعية في هذه العصور الزمنية، فلا شك في كفره وخلوده في نار جهنم.

    الصورة الخامسة: أن يحاد ويضاد شرع الله بقانون باطل يخترعه ويفتريه.

    ففي هذه الأحوال الخمسة: كافرٌ، ظالمٌ، فاسق، مرتد عن دين الإسلام، مخلدٌ في أسفل دركات النيران، وإن زعم أنه من أهل الإسلام. فالذي يتبجح ويقول: بأنه لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين، ولا دخل لشريعة رب العالمين في شئون المخلوقين، إنما الشريعة هذه شعور خاص بين الإنسان وبين ربه، وكما قال المغضوب عليه سعد زغلول : الدين لله، والوطن للجميع. أي: لا مجال لإدخال دين الله في الوطن، فهذه وطنية، وهذه شريعة إسلامية، فإذا أردت الشريعة الإسلامية فمكانها المسجد، وإذا أردت الحياة والقوانين والوطنية والأحكام فمجالها ومكانها البرلمان.. مجلس الشيطان الذي يشرع من الأنظمة ما لم يأذن به الرحمن.

    إذاً: من دعا إلى شيءٍ من ذلك، أو رأى سلامة شيء من ذلك في هذه الأحوال الخمسة، فلا خلاف إخوتي الكرام في كفره عند أهل الإسلام، لا خلاف في ردته، لا خلاف في تخليده في نار جهنم.

    الحالة الثانية: لا يحكم فيها بكفر من ترك حكم الله وخالفه

    أما الحالة الثانية التي لا يحكم فيها بكفر من ترك حكم الله وخالفه، فهذه الحالة لها ثلاثة أحوال لكل حالة حكم يخصها:

    الحالة الأولى: أن يخالف حكم الله جل وعلا؛ لأنه لا يعلم حكم الله في المسألة فهو جاهل، وبالتالي معذور يعلم، فلا نرتب عليه أحكام الكفر إلا بعد إقامة الحجة والبينة عليه.

    الحالة الثانية: أن يخالف حكم الله عن طريق التأويل، والذين يتأولون ويخالفون أحكام الحي القيوم لهم حالتان:

    الحالة الأولى هم فيها ضالون مبتدعون زائغون كما هو حال أهل البدع والأهواء الذين خالفوا النصوص الشرعية في تأويل نصوص الصفات، أو في غير ذلك من أمور الاعتقاد، كالخوارج، والجهمية، والجبرية، والمعتزلة، والرافضة الذين لا يصلون إلى درجة الغلو، فهؤلاء كلهم أهل بدعة، وخالفوا النصوص الشرعية، لكن لشبهة قامت عندهم فيحكم عليهم بالبدعة والضلال، وقد يكون لواحدٍ منهم عذر عند الله جل وعلا، وهو أعلم بمن اتقى.

    فقد يكون الذي دعاه إلى التأويل عذر عنده مقبول وإن كان مردوداً في الحقيقة، وما ظهر له الأمر، فنقول: هذا القول بدعة، وأمر قائله مفوض إلى ربه جل وعلا.

    والحالة الثانية من أحوال التأويل: يرد الإنسان فيها حكماً شرعياً، ويخالف نصاً جلياً لتأويل شرعي يقوله ويأتي به، ففي هذه الحالة إذا كان هذا عنده أيضاً مستندٌ استند إليه لرد ذلك النص، وإن كان ذلك المستند لا يسلم له، لكن عنده شبهة تمنعنا من تضليله فضلاً عن تكفيره، فنقول: إنه متأول مجتهد معذور، خطؤه مغفور، وله أجرٌ عند العزيز الغفور. وهذا كمخالفة إمام من أئمة الإسلام الكبار عليهم جميعاً رحمة الله في القسم والحلف بنبينا عليه صلوات الله وسلامه فأجاز الحلف والقسم به، مع أن النصوص الشرعية نهتنا أن نحلف بمخلوق: ( ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) ، ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ) ، كما ثبت هذا في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

    فهذا الإمام الذي خالف هذا النص ورد هذا الحكم في الظاهر بناءً على تأويل تأوله وهو أن الإيمان بنبينا عليه الصلاة والسلام والشهادة بأنه رسول الله، هذا أحد شطري الشهادة، وأحد ركنيها، وأحد الشرطين لدخوله في الإسلام، فكما أنه يجوز القسم بالشرط والشطر والركن الأول وهو لا إله إلا الله، فيجوز أن يقسم بالله، كذلك يجوز أن يقسم بالركن الثاني وهو محمدٌ رسول الله عليه صلوات الله وسلامه.

    وغاية ما نقول نحو هذا القول: إنه تأويل خاطئ، وصاحبه معذور، وسعيه فيما بذله مشكور، وله أجر عند العزيز الغفور، لكن لا يجوز الاقتداء به في هذه الحالة.

    إذاً: فالذين يتركون حكم الله لأجل التأويل لهم حالتان: حالة فيها يضللون، ويكون تأويلهم ضلالة إذا كانوا من أهل الأهواء، وحالة يعذرون ولهم أجر، ونسأل الله جل وعلا أن يغفر لأئمة المسلمين أجمعين.

    هذا الأمر وهو الأمر الثاني الذي يخالف الإنسان فيه حكم الله عن طريق التأويل، لو خالف حكماً جلياً ظاهراً واضحاً بيناً، وحكم عليه بالكفر من أجله، لكنه يرى أنه في هذه المخالفة يتبع النبي عليه الصلاة والسلام، وما يقصد محادة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا مشاقته، ولا معارضته كالأحوال الخمسة المتقدمة، ولا يرى أنه خارج عن شريعته، وإن كنا نحن نرى أن قوله في منتهى الضلال كما هو الحال في الرافضة، وكما هو الحال في أهل البدع الغلاة الذين حكم عليهم بالكفر، مع ذلك عندما يحكم عليهم بكفر من أجل التأويل، مع ذلك نقول: إن كفرهم دون كفر الكافرين الحقيقيين الذين يعلم كفرهم بالضرورة عند المسلمين من يهود ونصارى وشيوعيين، وأمر هؤلاء مفوض عند رب العالمين.

    وهذا القول هو الذي قرره أئمة الإسلام عليهم رحمة الله، فنقل عن الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله وغفر له، ونقل عن سائر علماء أهل السنة الكرام أنهم قالوا بهذا القول وارتضوه وقبلوه، فالإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (5/88) في ترجمة الإمام أبي الحسن الأشعري عليه رحمة الله يقول: رأيت للأشعري كلمة أعجبتني. وهي ثابتة رواها البيهقي ، ثم بعد أن ذكر الإسناد إلى الإمام الذهبي قال: أي: قال الإمام الأشعري : أشهد عليَّ أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف في العبارات.

    قلت: القائل -الإمام الذهبي -: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا الإمام ابن تيمية في آخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم.

    وهذا الحديث إخوتي الكرام! حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد ، والدارمي ، وابن ماجه ، والحاكم وغيرهم من حديث ثوبان ، وله شاهدٍ من حديث عبد الله بن عمرو ، وشاهدٍ آخر من حديث أبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين، ولفظ الحديث ثابت عن نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه: ( استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ).

    والإمام الذهبي أشار إلى مثل هذا في ترجمة الضال المضل بشر المريسي ، فختم ترجمته بأن من كفر من أجل بدعته لا نجعله كالكافر الحقيقي الأصلي، فأبى الله أن يجعل من عرفه ووحده وإن عظم ضلاله وبدعته كمن ألحده وجحده، واعترض على رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجعل الله المبتدعين الذين كفروا أيضاً ببدعتهم كالكافرين الحقيقيين، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

    والإمام ابن تيمية عليه رحمة الله الذي نقل الإمام الذهبي تلميذ الإمام ابن تيمية هذا عن الإمام ابن تيمية ، الإمام ابن تيمية ذكر هذا أيضاً في كتبه، وهو موجود في مجموع الفتاوى في (35/201) وسئل رحمه الله عن رجل يفضل اليهود والنصارى على الرافضة؟ فأجاب: الحمد لله، كل من كان مؤمناً بما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم فهو خيرٌ من كل من كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك -أي: بالنبي عليه الصلاة والسلام- نوع من البدع سواءٌ كانت بدعة الخوارج، والشيعة، والمرجئة، والقدرية أو غيرهم، فإن اليهود والنصارى كفار كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافقٌ للرسول صلى الله عليه وسلم ولا مخالف له لم يكن كافراً به، ولو قدر أنه يكفر من أجل بدعته التي خالف فيها ما هو معلوم من الدين بالضرورة فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: قد يكون متأولاً فيحكم عليه بالبدعة والضلال، أو هو معذور وأمره عند الله جل وعلا، وبينت لكل واحد بمثال.

    الحالة الثالثة: أن يخالف حكم الله لأجل شهوة غلبته لا من أجل معارضة لشرع الله ولا جحود له، ولا جواز الخروج عن شريعة الله، إنما نفسه غلبته فوقع في الزنا.. في شرب الخمر.. في غير ذلك دون استحلال، ودون جواز مخالفة شريعة الله، فهذه معصية ظاهرة شهوانية، إن تاب منها فمغفور وإلا فرحمة الله واسعة.

    إذاً: خمسة أحوال: من ترك حكم الله فيها فهو كافر مرتدٌ مخلدٌ في النار، وثلاثة أحوال يفصل الكلام في التارك لحكم الله، إما أن يتركه جهلاً فيعذر حتى تقام عليه الحجة، وإما أن يتركه متأولاً، فإما أنه ضال وإما أنه معذور، وإما أن يترك الحكم الشرعي من باب الشهوة النفسية التي غلبته وأوقعته في المحظور، أو في مخالفة المأمور، فهو عاصٍ وأمره إلى العزيز الغفور.

    أما الأحوال الخمسة المتقدمة فالذي يقع في واحدة منها فهو كافر، ولذلك يقول الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية، يقول: كل من يرى أنه يحكم بغير ما أنزل الله، ويحكم ويتوخى العدل من غير أن يتبع في ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو كافر؛ لأن جميع الأمم تدعي أنها تحكم بالعدل، وقد يكون العدل ما رآه شيوخهم وساداتهم وطواغيتهم، فلا يكفي أنه يريد أنه يحكم بالعدل، لابد أن يكون هذا العدل متبعاً فيه لنبينا صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: أنا أحكم بالعدل وأريد المصلحة، وهذا العدل لا يتبع فيه النبي عليه الصلاة والسلام، فهو كافر؛ لأنه ما من قانون على وجه الأرض إلا ويدعي أنه يحكم بالعدل، لكنه العدل الذي قرره عصاة البشر وسفهاؤهم، فيرون ذلك الضلال عدلاً، فلابد من كون ذلك العدل متبعاً فيه لنبينا صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088615100

    عدد مرات الحفظ

    777640289