إسلام ويب

مرض الشبهات [1]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القلب يمرض كما تمرض الأبدان؛ بل قد يصيبه الموت فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، ومن أخطر أمراض القلوب: أمراض الشبهات التي تصيب القلب فتحرفه عن العقيدة والإيمان إلى الزيغ وترك الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأمراض الشهوات، التي تفتح على الإنسان أبواب المعاصي والفتن والموبقات، وأعظمها شهوات البطون والفروج، والسعيد من عافاه الله تعالى من هذين المرضين القاتلين.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطاهرين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، أما بعد:

    معشر الإخوة الكرام! إن الحديث الذي سنتدارسه في هذه المحاضرة بإذن ربنا الرحمن يدور حول مرضين عظيمين: مرض الشبهات، ومرض الشهوات، والموضوع جليلٌ وطويل، وقد كان في نيتي أن أتكلم، على هذين المرضين في هذه المحاضرة، لكنني عندما بحثت في كل واحدٍ منهما رأيت أن كل واحدٍ منهما خطير، والبلاء بسببه كثير، لذلك يصعب الكلام على المرضين في هذه المحاضرة، وإذا تدارسنا مرضاً من هذين المرضين، ووفيناه حقه على وجه الاختصار، فهذا من فضل ربنا العزيز الغفار، ولذلك سأتكلم على المرض الأول ألا وهو مرض الشبهات، وضبطاً لسير البحث بانتظام، سأتكلم على هذا الموضوع ضمن ست نقاط حسان:

    النقطة الأولى: تدور حول تعريف المرض وأقسامه، وأحوال الناس نحوه.

    النقطة الثانية: تدور حول بيان مرض الشبهات.

    النقطة الثالثة: تدور حول تحذير نبينا صلى الله عليه وسلم لنا من الوقوع في هذا المرض الخطير.

    النقطة الرابعة: تدور حول تتابع سلفنا الكرام في التحذير من هذا المرض الخطير.

    النقطة الخامسة: تدور حول أن هذا المرض عمّ انتشاره بعد موت نبينا صلى الله عليه وسلم، وكلما امتدت الحياة بالناس زادت نسبة انتشاره.

    النقطة السادسة: حول أقسام مرض الشبهات، وحكم كل مرضٍ في الحياة وبعد الممات.

    أما النقطة الأولى: فالمرض معناه في اللغة يدور حول أمرين لا يخرج عنهما: فيأتي المرض بمعنى الفساد، كما قال ابن الأنباري ، ويأتي بمعنى النقصان كما قال ابن الأعرابي ، وهما متلازمان، فإذا أصيب الإنسان بمرضٍ فسدت أعضاؤه عن الإتيان بمهمتها التي خلقت من أجلها، وهذا نقصانٌ فيه أيضاً، والمرض كما يكون في الأبدان، ويقع على الأجسام، يكون في القلوب وفي الجنان أيضاً، كما وضح ذلك الإمام الزجاج عليه رحمة الله تعالى، وقد قرر ذلك الإمام ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان عليه رحمة ربنا الرحمن، قرر ذلك في غاية التقرير والإحسان فقال طالت محاسنه: إن كل عضوٍ من أعضاء الآدمي خلقه الله جل وعلا لوظيفةٍ معينة، بتلك الوظيفة يحصل كماله وصحته وشفاؤه، فاليد خلقها الله للقبض وللبطش، وللإعطاء وللمنع، فإذا كانت تقوم بتلك الأمور على وجه التمام فهي صحيحةٌ سليمةٌ ليس فيها مرض، وإذا تعذر عليها القيام بتلك المهام، أو تعثر عليها القيام بها على وجه التمام، وقع الإنسان في الفساد والنقصان، وهذا هو المرض، وهكذا القلب الذي في الإنسان له مهمتان عظيمتان، ينبغي للإنسان أن ينتبه لهما غاية الانتباه، ففي القلب مهمةٌ أولى وهي: العلم حتى يعرف الحق، ويميز به بينه وبين الباطل، فيتبع الحق ويعرض عن الباطل، ففيه قوةٌ علمية، وفيه أيضاً قوة الإرادة والحب، فإذا عرف الحق ينبغي أن يريد العمل به، وأن يحب ذلك، فلو وجد في قلبه معرفةٌ صحيحةٌ تامةٌ كاملة، ثم أراد العمل بذلك الحق الذي عرفه مع الحب التام، فقلبه سليم، صحيح، وإلا فهو مريض.

    ولا ينجو أحدٌ عند الله جل وعلا إلا إذا كان سليم القلب، كما قال خليل الرب جل وعلا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:87-89]، فقد شهد ربنا الكريم على أن خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هو ممن اتصف بذلك الخلق الكريم، وهو صاحب القلب السليم، فقال جل وعلا في سورة الصافات: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ [الصافات:83]، أي: من شيعة نبي الله نوح وممن شايعه وآزره وسار على مسلكه في الدعوة إلى ربه جل وعلا، وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات:83-84].

    ولذلك اتخذه ربنا جل وعلا خليلاً؛ لأنه جعل قلبه للرحمن، وجعل بدنه للنيران، وجعل ولده للقربان، وجعل ماله للضيفان: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، فلا بد من تمام القوة العلمية، ومن تمام القوة العملية، أي: إرادة العمل بذلك العلم النافع، فإذا اكتمل في القلب هذان الأمران فهو قلبٌ سليم، إذا عرف الحق على التمام كما شرعه ربنا الرحمن، ثم قام بموجب ذلك على غاية الكمال والإحسان، فالقلب سليم، والقلب صحيح، وإلا فهو مريض، كما أن اليد إذا لم تقم بوظيفتها فهي مريضة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088619211

    عدد مرات الحفظ

    777653666