إسلام ويب

نصيحتان إلى الإخوة الكرامللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينبغي على من أكرمه الله تعالى واختصه ووفقه لحضور مجالس العلم والوعظ أن يتأدب بآدابها، حتى ينتفع بها، وقد وردت تلك الآداب مبينة مفصلة في كتب أهل العلم الذين كتبوا فيها كتباً مستقلة، كما تمثلوها واقعاً في حياتهم، فقد كان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل العلم والدين مدرسة مثالية في باب الأدب والأخلاق خاصة مع العلم والعلماء والشيوخ في مجالسهم، فحري بالمؤمن أن يقتدي بهم، وأن يتمثل سيرتهم واقعاً حياً في حياته.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! قبل أن نتدارس ما بدأنا في مدارسته ولم ننته منه وقد طال كثيراً، وكما قلت: ما كان في ظني أنه سيأخذ هذا المقدار، ولعله سيأخذ ضعف ما مضى أيضاً من محاضرات، وأقول ما قاله سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، كما ثبت في السنن الكبرى للإمام البيهقي في الجزء الثاني صفحة تسع وثمانين وثلاثمائة من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين: أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنهم أجمعين صلى صلاة الفجر فقرأ في الركعتين بسورة البقرة حتى أكملها، وهذا بعد وفاة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام! قربت الشمس أن تطلع، فقال: والله لو طلعت ما وجدتنا غافلين. فصلاة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه بسورة البقرة في ركعتي الفجر ثابت في موطأ الإمام مالك بن أنس رضي الله عنهم أجمعين، وهكذا نحن طال الأمر معنا، لكننا في مجالس علم وعبادة، فنسأل الله أن يتقبل منا بفضله ورحمته، لكن أحب أن أنبه في هذه الموعظة على أمرين اثنين قبل أن نكمل ما بدأنا في مدارسته من الفصل المستطرد الطويل.

    فالأمر الأول يتعلق بكم، والأمر الثاني يتعلق بي، وهو أيضاً مثار من قبلكم، فلا بد من وضع الأمر في موضعه لنكون على بينة من أمرنا، والدين النصيحة.

    أما ما يتعلق بكم وألاحظه على بعض الإخوة الكرام في كثير من المواعظ في هذا المكان المبارك وفي غيره، أني أرى علامات الكسل والفتور في تحمل العلم وفي طلبه، وهذا الكسل يأخذ أشكالاً متعددة، أحياناً ترى بعض الحاضرين يتكئ أو يستند، إما أن يسند ظهره وإما جنبه وإما يمينه أو يتمايل، وأحياناً ترى بعض الحاضرين يتثاءب، وأحياناً ترى بعض الحاضرين يعبث بأعضائه، وأحياناً ترى بعض الحاضرين قد سيطر عليه النعاس، وكثيراً ما ينام، وإذا كان النوم قبل صلاة العشاء فهو مذموم، هذا لو كان في بيته وأراد أن يستلقي على فراشه، فكيف يأتي للإنسان نوم في بيت من بيوت الله بعد صلاة المغرب وقبل صلاة العشاء وهو في موعظة؟ حقيقة ما أعلم هل هو مجهد متعب أم أن الشيطان يركب على رأسه عندما يحضر مواعظ العلم من أجل أن يشغله عن ذلك؟ وهذا يعرفه من ينام في هذه المواعظ، ولعل بعضكم تكرر منه النوم وأيقظه بعض الإخوة الحاضرين، وبعد أن استيقظ ذهب وغسل وجهه ثم عاد ونام ثانية، وأنا أتابع الأمور فرداً فرداً، ولكن لا داعي لأن نخص واحداً بلوم ونسأل الله أن يتوب علينا.

    وحقيقة عندما يرى المتحدث المتكلم الواعظ الناصح شيئاً من ذلك أمامه فإن نفسه تحجم عن الكلام، وعندما يتكلم كأنما يضرب بسياط، فعندنا في شريعتنا اتصال وثيق بين الإمام والمأموم، وبين المتكلم والسامع، وإذا كان نبينا خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه يتأثر من عدم تهيؤ الحاضرين عند مناجاة رب العالمين، فيخلط في القراءة لتقصير بعضهم في طهوره، فمن نحن إذن؟! إذا حصل منا ما حصل من تلعثم وتردد وعدم انشراح في الكلام فهو بسبب هذا، فنبينا عليه الصلاة والسلام خير الأنام -كما سأوضح هذا- أمَّ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فخلط في القراءة وحصل عنده لبس فيها عندما قرأ سورة الروم في صلاة الفجر، فالتفت إلى الصحابة وذكر لهم أن بعضهم لا يحسن طهوره عندما يتطهر، فيسبب له الخلط في القراءة، أي: بسبب الاتصال الحاصل بين الإمام والمأموم يتأثر نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فيؤثر النقص الذي في بعض المأمومين على قراءته، فيخلط في قراءة القرآن وهو خير الأنام عليه الصلاة والسلام.

    فماذا نقول نحن إخوتي؟! واحد كما قلت يتثاءب، وواحد ينام، وواحد يعبث بأعضائه، وواحد يتكئ ويستند، وواحد يتشاغل، وأنت بعد ذلك تنظر إلى هذه المناظر، ماذا سيكون حال المتكلم؟! وأنا حقيقة أعجب من جد أهل الباطل في باطلهم، ومن عجزنا في حق الله، فلو نظرت إلى خشوع وإخبات وسكينة وتفاعل أهل الغناء والرقص مع غنائهم ورقصهم لرأيت عجباً! يخشعون لضلالهم أكثر مما نخشع لربنا، لا أقول: أكثر مما يخشع المؤمنون، بل أكثر مما نخشع نحن أهل التقصير، أما المؤمنون فهم أشد حباً لله، وهم خاشعون مخبتون متذللون للحى القيوم، لكن نحن حقيقة من نظر إلى صلاتنا وحالنا فيها، وهكذا في مجالسنا مجالس العلم والعبادة وقراءة القرآن، ونظر بعد ذلك إلى حال أتباع الشيطان في مجالسهم لرأى بوناً شاسعاً، يجلس الواحد منهم ساعات طويلة في الغناء وهو يستقلها ويستعذبها، ولا يتوجه اعتراض من الحاضرين على المغني والمغنية، أما في مجالس العلم فما يكفي أنه قصر في أدب الاستماع، بل قبل أن ينفض المجلس كل واحد عنده قائمة بالاعتراضات، وإلى الله نشكو أحوالنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088600414

    عدد مرات الحفظ

    777581897