إسلام ويب

هدي الإسلام في النكاحللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النكاح عبادة فلا يتم نسك الناسك حتى يتزوج، ليكمل له الدين والإيمان بالله تعالى، وأيضاً فإن النكاح تحصين للنفس البشرية من الآفات الرديئة، فهو يحصن البدن من الآفات الحسية ويقيه من الأمراض الجسدية والأخلاقية، ويحفظه من الانزلاق في المعاصي والفواحش ورذائل الأعمال، ولا تستقيم حياة الإنسان إلا بالزواج، فهو يحتاجه كحاجته للقوت، فالنكاح قوت وغذاء وفاكهة ودواء، فعلى الإنسان أن يحسن اختياره لقوته وفاكهته ودوائه باختيار المرأة الصالحة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، ورازقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    معشر المؤمنين! تدارسنا في الموعظة السابقة أن دين الله جل وعلا يقوم على خمسة أمور بها يسعد العباد في الحياة وبعد الممات: على العقائد الحقة، والعبادات المستقيمة، والأخلاق الفاضلة الكريمة، والمعاملات الصحيحة القويمة، وإذا خرج الإنسان عن هذا المنهج شرع له ربنا ما يردعه في هذه الحياة، ويطهره من البلايا والقاذورات، والأمر الخامس هو الحدود والعقوبات.

    عباد الله! ليس لنا عبادة شرعها ربنا جل وعلا منذ أن أوجد هذه الحياة من عهد أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، وهذه العبادة ستبقى مستمرة إلى يوم القيامة في هذه الحياة، ثم بعد ذلك يتفضل بها ربنا جل وعلا علينا أيضاً بها في نعيم الجنات، ليس لنا عبادة تبقى في هذه الحياة وبعد الممات غير عبادتين اثنتين:

    العبادة الأولى: توحيد الله جل وعلا وذكره.

    والعبادة الثانية: النكاح الذي شرعه الله في هذه الحياة، ويستمر في نعيم الجنة.

    عباد الله! وهذا النكاح قلت: إنه عبادة جليلة عظيمة، وهو معاملة حقة فاضلة كريمة يؤلف الله به بين الأسر، ويجمع الله به بين الناس المتباعدين بهذا النكاح، فهو عبادة، وهو معاملة.

    ولكونه عبادة أمر الله جل وعلا به عباده، ومن أجل ذلك قام به المرسلون عليهم صلوات الله وسلامه.

    وسنتدارس هذا الموضوع في عدة مواعظ فيما يتعلق بمقاصده بعد ذلك، وفيما يتعلق بطريق تحصيله وكيف يتم، وفيما يتعلق بحكم من أعرض عنه وابتعد منه.

    عباد الله! النكاح عبادة ولاشك في ذلك، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج)، أي: لا تتم عبادته حتى يقوم بهذه العبادة، فالنكاح عبادة، فإذا ما تزوج الإنسان ما تمت عبادته.

    وقد ثبت في مستدرك الحاكم بسند صحيح كالشمس عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج)، فالعبادة لا تتم إلا بتحقيق هذه الشعيرة في هذه الحياة.

    ثم بعد ذلك الشطر الثاني لا يصفو للإنسان ولا يمكن أن يقوم به إذا لم يتزوج، بل يتشوش باله، وقد تخطر له خواطر رديئة وهو في صلاته في سجوده، فتصبح هذه العبادة التي يتقرب بها إلى ربه جل وعلا مبعدة له في الحقيقة عن الله.

    فالإنسان لا يتم نسكه حتى يتزوج، ليكمل دينه، وليكمل إيمانه بالله جل وعلا، وليقوم بما أوجبه الله عليه، ثم إذا لم يتزوج فقد فاته هذا الشطر، والشطر الثاني سيقع أيضاً فيه شيء من الخلل والتقصير، ولذلك كان ابن عباس رضي الله عنهما يجمع غلمانه إذا بلغوا: عكرمة وكريباً ويقول لهم: إذا أردتم النكاح أنكحتكم؛ فإن العبد إذا زنى نزع الإيمان من قلبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088604337

    عدد مرات الحفظ

    777596778