الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فإن للنوم آداباً ينبغي على المسلم مراعاتها:
التبكير بالنوم
المبتلى بمتابعة المسلسلات والذي يسهر من أجلها كيف يمكنه بعد ذلك أن يقوم لصلاة الفجر؟! فهذه من البلايا التي انتشرت في هذه الأوقات، نسأل الله أن يطهر بيوتنا منها، يمر الإنسان في شوارع المسلمين في هذه الأيام بعد العشاء يسمع -وليلته لم يسمع- ما يصك الآذان، قال الله تعالى:
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ 
[الأعراف:97]، جاءك الليل يا عبد الله فلا تدري لعل هذه آخر نومة وليس بعدها نومةٌ أخرى، فلا ينبغي للإنسان أن يسهر على الفساد والبلاء إلى الساعة الواحدة، أو الساعة الثانية عشر، وإذا كان عنده الجهاز الثاني (الفيديو) فقد يقيم الليل كله على المعاصي، وهذا هو الواقع، في بيوت المسلمين، بل بعضهم لحاهم إلى سرتهم نسأل الله أن يفرج عنا، إنه على كل شيء قدير، ولا يمكن للأسرة أن تنام وفيها هذا أبداً، فإذاً لابد من النوم المبكر، ينتهي الناس من صلاة العشاء في الساعة التاسعة إلا ربع في هذه الأيام، إذا امتدت فإلى التاسعة والنصف، فلو ناموا الساعة العاشرة بعد أن جاءهم ضيف وآنسوه نصف ساعة، فمن الساعة العاشرة إلى الساعة الرابعة يوجد معك ست ساعات يأخذ الجسم حظه وزيادة فإذا استيقظ الرابعة قبل صلاة الفجر بثلث ساعة صلى ركعتين أو أربع ثم ذهب إلى المسجد في نشاط وطاعة ونور، إنما هذه ليست ضمن الجدول في دفاتر المسلمين ولا في حساباتهم، فأنت يا عبد الله! اعتن بنفسك، فإذا كنت طالب علم ورأيت نشاطاً لمواصلة العلم فواظب، وإلا فنم مبكراً وعود أهلك على هذا إذا لم يكونوا من أهل العلم: أن يناموا بعد العشاء مباشرةً ويستيقضوا قبيل الفجر لمناجاة الله جل وعلا، ثم لذهاب الذكور إلى صلاة الفجر في جماعة، فهذا لابد منه، فالتبكير بالنوم من الآداب التي ينبغي للمسلم أن يأخذ نفسه بها.
تقديم التوبة بين يدي النوم وتصفية القلب
الوصية وكتابة الحقوق
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (
ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عند رأسه ) قال
عبد الله بن عمر : ما مرت عليّ ليلة بعد ما سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا ووصيتي مكتوبة عندي، فإذا أردت أن تنام فبيّن ما لك، وما عليك من الحقوق، وما الذي تريد أن توصي به من مالك في سبيل الخير من بناء مسجد أو من صدقة ونحوها، والمؤسف أن الدنيا صارت هي المعيار في كل تعاملات الناس، فلا تكاد تجد من يقول مثلاً: أزوجك على أن تقوم الليل أنت وعيالك، هذا لا يوجد أبداً، أو أزوجك على أن تحضر صلاة الفجر في جماعة، هذه ذهبت، يقولون الآن: كم تدفع من الفلوس؟ وكم تعطي من الذهب؟ وما هي حجرة النوم (حجرة الجحيم) التي ستؤثث، فيا عباد الله! اتقوا الله ربكم، واعلموا أنكم ملاقوه.
المحافظة على أذكار النوم
عليك قبل منامك أن تختم بأذكار النوم فإن الملك يدعو فيقول: اللهم اختم بخير، سهل عليه أن يختم بخير، وأما الشيطان فيقول: اختم بشر، وهذا الأمر الذي دعاني أيضاً لإلقاء المحاضرة وهو السبب الثاني، والأول: أن أحوالنا بدأت تفعل بحكم العادة لا العبادة.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وسط النهار، فلما التفت إليّ رآني، فقلت له: أنت هنا من صلاة الفجر؟ قال: نعم، هذا غدائي، ووالله! لولا هو لفنيت نفسي وتعبت، أي: فذكر الله جل وعلا يعطي الإنسان قوة أعظم من الاستعانة بخادم، وذكر أن شيخ الإسلام قال: إن الله لما خلق حملة العرش -والأثر رواه الطبري وابن أبي الدنيا أيضاً- قال حملة العرش: يا ربنا! لم خلقتنا؟ قال: لحمل عرشي، قالوا: ومن يقوى على ذلك وعليه جلالك وجمالك ووقارك، فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوه فأعانهم الله على حمله، قال الإمام ابن القيم : وللذكر أثر عظيم لإعانة الإنسان لاسيما: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقد شوهد بالتجربة أن هذا الذكر ينفع إذا التقى الجيشان، يقول: ولما التقى جيش الإسلام مع جيش الكفر وانهزم المسلمون، قال سلمة بن حبيب : لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالها المسلمون وكبروا فانتصروا، هكذا كان سلفنا الصالح، ومعاركنا الآن مع الأعداء خائبة لأننا تركنا لا حول ولا قوة إلا بالله، وذهبت هذه المعاني منا.
عباد الله! هذا الذكر لابد من التنبيه عليه في هذا الوقت بعد أن عمت المفاسد في بيوتنا من الشغالين والشغالات، من السائقين والخادمات في بيوتنا، فاطمة رضي الله عنها طلبت من النبي أمة أو خادماً، أي: رقيقاً رجلاً أو امرأة فلم يعطها بل أرشدها إلى الذكر، والخادم إن كان رجلاً فيحل له أن يرى وجه سيدته وكفيها، وبعد ذلك سيزاول هذه الأمور دون اختلاف، وهذا حكم الرقيق في الإسلام، وإن كانت أمة حلت لسيدها كما تحل له زوجته، أما الآن فتأتي الشغالة إلى بيوت المسلمين فيرون وجهها وشعرها وساقيها ويديها ولابد، بأي شرع يستباح هذا؟! ثم ماذا في بيوت المسلمين الآن من جهد ومن كلفة؟ فالبيوت مفروشة من فناء المنزل إلى الحجر، وغير ذلك من التكاليف، والمرأة التي ستجلس أمام التلفاز إلى الساعة الواحدة أو الثالثة تحتاج إلى عشر خدامات وليس إلى واحدة، فاتقوا الله عباد الله، وإذا كان عند الإنسان زوجة مسلمة فليعلمها هذا الدعاء فهو خير لها من خادم، والمفاسد التي حصلت من الخدامات ومن السائقين لا أريد أن أذكر شيئاً منها في هذه الساعة المباركة، ونلوث بها هذا المجلس، فاتقوا الله عباد الله فالباب قد فتح على مصراعيه، وبدأ الناس يتباهون بهذا، فحالهم كحال الجبابرة عنده شغالة وعنده تمثال وعنده سائق أو ثلاثة، فنسأل الله أن يلطف بحالنا، وعلينا أن نعلم الذرية والأسرة طلب المعونة من رب البرية فهو خير لهم من خادم، ومن فعل هذا أعطاه الله قوة.
يقول الإمام ابن القيم -انظروا هذا في الوابل الصيب في الفائدة واحدة وستين -يقول: ولقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام، أي: ابن تيمية عجباً لمحافظته على ذكر الله، فكان يكتب ما لا يكتبه النساخ في أسبوع، يكتب في ساعة أو في يوم ما لا يكتبه النساخ في الأسبوع، وقد شاهد منه الجنود في الحرب ما لا يخطر ببالهم من القوة.
فإذاً لابد من الاستعانة بهذا،
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
[الرعد:28]، فإذا نمت لتكتسب قوةً ونشاطاً في حال يقظتك، فكبر الله أربعاً وثلاثين، واحمده ثلاثاً وثلاثين، وسبحه ثلاثاً وثلاثين، ونم، لترى القوة التي تكسبها بعد ذلك إذا استيقظت.
قراءة شيء من القرآن قبل النوم
عدم الوفاء بالعهد على المحافظة على صلاة الوتر قبل افرج
السؤال: قرأت فضائل صلاة الوتر قبل صلاة الفجر، فعاهدت ربي أن أصليها قبل الفجر إن استطعت، والذي حصل أنني لم أف بعهدي، فهل استثنائي بالعهد بقولي: ما استطعت، يخرجني من الذنب؟ وماذا عليّ فعله تجاه عهدي؟
الجواب: يقول هنا: عاهد ربه على أن يصلي الوتر قبل الفجر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينتهي وتره إلى السحر، فما تيسر له ذلك، ومن لوازم العهد أنه قسم، وأن هذا بمثابة اليمين. الإنسان يعاهد ربه أيضاً على فعل كل الطاعات، فإذا حصل في ذلك قصور أو تقصير في بعض الأحيان خارج عن إرادة الإنسان فلا يعتبر هذا نكثاً للعهد أبداً، كما أن الإنسان إذا تعب وقال: لله علي ألا أعود، ولا يقصد من هذا الحلف ألا يعود أبداً، إنما يقصد من هذا: إنني سأستمر على طاعتك، والإنسان يعاهد في الأصل ربه على فعل الطاعات وترك المعاصي في جميع الأوقات، فإذا وقع في بعض الأحيان في خلاف هذا فلا يعتبر نكثاً للعهد إذا لم يكن هذا النكث باختياره، كأن نام فأخذ على عينيه في بعض الأيام، فإذا كان هناك فسحة فليوتر قبل أن يصلي صلاة الفريضة في المسجد، وإن أذن الفجر، وضاق الوقت فعليه أن يدرك صلاة الجماعة، فيقدم صلاة الجماعة وليصل صلاة الوتر بعد طلوع الشمس على القول الراجح المعتمد، أن الوتر يقضى؛ لأن له منزلة أكبر من منزلة النوافل كلها.
ما يفعله من توجد الملاهي في بيته
السؤال: إذا كان التلفاز أو الفيديو موجود في البيت، وأنكرنا ذلك كثيراً فلم يلتفت لنا أحد، ووجدنا العتاب يوجه إلينا، فما هو العمل في ذلك؟ نفارق البيت أم ماذا؟
الجواب: الإنسان إذا كان في أسرة وسيطرت عليها آلات الملاهي من تلفزيون أو من فيديو وغيرها، وهذه الأجهزة تفتح، فأنت بين أمرين يا عبد الله: فإذا كنت تستطيع الخروج من هذا البيت، ولا يترتب على خروجك فتنة، فالخروج واجب، وبقاؤك معهم في هذا بقاء المقر على المعصية وإن كنت تنكر، وإذا كنت من الخروج لا تتمكن كما يحصل هذا في بعض الأحيان في حق النساء، ويعلم الله أن عدداً من الأسئلة من قبل البنات الصالحات وجهت إلي بهذا، تقول: ماذا تعمل؟ فنقول: يا أمة الله! اصبري وصابري، إنما الحجرة التي يحصل فيها هذا البلاء لا يجب أن تدخليها، ولا أن تجلسي فيها، وتقول: الصوت يأتي من الحجرة الثانية، فنقول: يأتي وأنت له كارهة ولست فيه راغبة، وليس لك مندوحة بالمفارقة، فإذا كان لك طريق للمفارقة فالمفارقة واجبة، وإذا كانت المفارقة صعبة وليست متيسرة ويترتب عليها بلاء، فماذا يعمل الإنسان؟ يرتكب أخف الضررين ويكره هذا، ويصر دائماً على الإنكار، وليس معنى هذا أنه يدخل أيضاً وهو عابس الوجه.
نسأل الله أن يلطف بحالنا، وأن يفرج كروبنا إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.