إسلام ويب

النفاق ضد الإيمانللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أهم أسباب سوء الخاتمة النفاق، وحقيقته: الاتصاف بالإسلام ظاهراً مع مخالفته باطناً، ومنه مخالفة القول للفعل، والاتصاف بالكذب والخيانة والغدر، وقد ميز الله المؤمنين في الدنيا والآخرة عن المنافقين بسبب الصدق، وكان السلف رضوان الله عليهم يخافون كثيراً من النفاق، وقد ورد أن أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها.
    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] .

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3] .

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين, فشرح به الصدور, وأنار به العقول, وفتح به أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    معشر الإخوة المؤمنين! كنا نتدارس صفات عباد الله الطيبين، الذين يعمرون بيوت رب العالمين، وكنا نتدارس الصفة الرابعة من صفاتهم ألا وهي: استعدادهم للقاء ربهم، وقد نعتهم الله جل وعلا بأنهم رجال, ووصفهم بأربع خصال: لا تلهيهم الدنيا عن طاعة ربنا، ويصلون لله جل وعلا ويسبحونه ويذكرونه، ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم، يخافون من الله ويستعدون للقائه كما قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].

    وقد تدارسنا ما يتعلق بتعريف الخوف، ومنزلة الخوف في الإسلام، وثمرات الخوف التي يحصلها الخائف من ربه في عاجل أمره وآجله.

    وبعد ذلك شرعنا في مدارسة الأمر المتعلق بالصفة الرابعة من صفات عباد الله المهتدين ألا وهو: أسباب خوف المكلفين من رب العالمين، وقلت: إن أسباب الخوف كثيرة وفيرة، يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب:

    أولها: إجلال الله وتعظيمه.

    ثانيها: خشية التفريط؛ سواء كان ذلك التفريط في ترك المأمورات أو في ارتكاب المحظورات.

    وثالثها -وهو الذي بدأنا في مدارسته-: الخوف من سوء الخاتمة.

    وقلت: إن الخوف من سوء الخاتمة له أيضاً أسباب كثيرة يمكن أن ترد إلى سببين اثنين:

    أولهما: عدم خوف المؤمن على إيمانه من ذهابه، فما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه إلا سلبه عند الموت، وقررت هذا الأمر بأمرين اثنين، فقلت: إن الإنسان في حالة الاحتضار يعاني من الشدائد والأهوال ما لم يمر عليه قبل ذلك في ليل أو نهار، فما يعاني الإنسان شدة أعظم من شدة الموت، فهي أعظم من ألف ضربة بالسيف، ومع ذلك قلت: تعظم المصيبة بالأمر الثاني؛ فيجتمع إبليس وجنوده حول المحتضر، ويقول إبليس -عليهم لعنة ربنا- لأتباعه: دونكم هذا فإن فات فلن تدركوه.

    فكيف سيكون حال الإنسان وهو في شدة تذهل الحليم، وتجعله حيران، وقد اجتمع عليه جميع الشياطين في ذلك الحين؟ أما المؤمن فكما قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، فإذا ظلمت نفسك وأسرفت في حياتك فالويل لك في ساعة مماتك، وإذا اتقيت الله فحاشا بكرمه أن يخذلك في ذلك الوقت، بل يثبتك الله جل وعلا ويقوي إيمانك، وتتنزل عليك الملائكة بالبشرى كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

    وقد مضى الكلام على السبب الأول من أسباب سوء الخاتمة: وهو الأمن على الإيمان من الاستلاب والفقدان، وإذا كان الإنسان لا يأمن على إيمانه فإنه يشتد خوفه ويتعلق قلبه بربه جل وعلا.

    السبب الثاني من أسباب سوء الخاتمة: اغترار المكلفين بما يصدر عنهم من طاعات قاصرة، والغفلة عما فيهم من بليات مهلكة مدمرة.

    والبليات التي تسبب سوء الخاتمة عند الممات ثلاث:

    أولها: النفاق، وثانيها: البدعة، وثالثها: التعلق بالدنيا والركون إليها.

    فمن اغتر بالحالة الحاضرة، وأعجب بما يصدر عنه من طاعات ناقصة قاصرة، وغفل عما فيه من بليات مهلكات من النفاق والبدعة والتعلق بهذه الدنيا الدنية، التي لا تعدل جناح بعوضة عند رب البرية، من اتصف بشيء من ذلك يخشى عليه سوء الخاتمة، ونسأل الله حسن الخاتمة.

    وهذه الأسباب الثلاثة: النفاق, والبدعة, والتعلق بالدنيا هي التي سنتدارسها هنا بعون ربنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088610497

    عدد مرات الحفظ

    777622847