إسلام ويب

الذكر [2]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للذكر منزلة عظيمة عند الله عز وجل، فهو أعظم العبادات بعد أداء الفرائض؛ ولذلك رفع الله عز وجل منزلة الذاكرين خصوصاً أهل القرآن، فقد شفع القرآن لهم ولأهليهم، والغناء محرم للأدلة على ذلك، وللمفاسد التي تكون بسببه، وقد أنكر ذلك بعض الناس، وكلامهم باطل وفاسد.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين, فشرح به الصدور, وأنار به العقول, وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الصادقين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

    أما بعد: معشر الإخوة الكرام! لا زلنا نتدارس منزلة ذكر الرحمن في الإسلام، وتقدم معنا أن الذكر ضروري للإنسان؛ فهو لقلبه كالماء للسمك؛ ومن أجل ذلك أمرنا الله أن نكثر من ذكره في جميع الأوقات، وتقدم معنا أن فوائد الذكر تزيد على مائة فائدة، وهذه العبادة الجليلة التي لها هذه المنزلة الفاضلة الكريمة قد غيرها المتأخرون, وابتدعوا فيها وانحرفوا عنها.

    ولكي يكون الحديث موصولاً بما سبق سأتكلم عن فائدة من فوائد الذكر, ثم أتابع خطوات البحث.

    فأقول: إن الإنسان عندما يذكر ربه تحصل له فائدة عظيمة جليلة، أنه يتخلى عن الرذائل، ويتحلى بالفضائل، ففي الذكر تخلية وتحلية، إن من يذكر الله جل وعلا يبتعد عن الرذائل ويحصن نفسه من اللهو واللغو والباطل، فالذكر جُنَّة حصينة للإنسان من وساوس الشيطان, ومن هذيان اللسان، ثم هو بعد ذلك يتصف بالصفات الكريمات, ويقوم -عندما يذكر ربه- بأفضل الطاعات.

    تقرير الأئمة كون الذكر أفضل العبادات بعد الفرائض

    وقد قرر أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أن أفضل العبادات في حق المخلوقات -بعد أداء الفرائض- ذكر رب الأرض والسماوات، نص على هذا شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى الجزء العاشر صفحة ستين وستمائة -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا- قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية : والدلائل القرآنية والإيمانية بصراً وخبراً ونظراً على ذلك كثيرة.

    الأدلة على كون الذكر أفضل العبادات بعد الفرائض

    وهذا الأمر الذي اتفق عليه أئمتنا -أن أفضل العبادات بعد أداء الواجبات ذكر رب الأرض والسماوات أي: أن يشغل الإنسان نفسه بذكر مولاه- دلت عليه سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة, فأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الذاكرين هم السابقون، وأخبرنا أن عبادة الذكر هي أجل العبادات عند الحي القيوم.

    فاستمع لتقرير هذين الأمرين من كلام نبينا الميمون عليه صلوات الله وسلامه، ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي ، والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ، وهو صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: ( كنا نسير مع النبي صلى الله عليه وسلم في طريق مكة المكرمة والمدينة المنورة، حتى وصلنا إلى جبل يقال له: جمدان -وهو جبل منفرد لا نظير له بين مكة والمدينة-، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الجبل, وقال: سيروا, هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ).

    فهم الذين أفردوا الله جل وعلا بذكرهم، ولهجوا بذكره في جميع أوقاتهم، وهم المنفردون بهذه الخصلة الجليلة من بين الخلق، كما انفرد هذا الجبل من بين سائر الجبال بتلك الصفة، ( سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون, ومن المفردون؟ الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ).

    وفي رواية المسند ومستدرك الحاكم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المفردون هم الذين يهترون بذكر الله ) أي: يولعون ويتعلقون بذكر الحي القيوم في جميع أوقاتهم وأحوالهم. وفي رواية الترمذي : ( هم المستهترون بذكر الله, يضع الذكر عنهم أوزارهم، فإذا وافوا ربهم يوم القيامة وافوه خفافاً )، أي: ليس عليهم ذنوب ولا أوزار.

    وهذا الحديث إخوتي الكرام! كما روي في صحيح مسلم وغيره من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، رواه الطبراني في معجمه الكبير من رواية أبي الدرداء ومعاذ بن جبل أيضاً رضي الله عنهم أجمعين.

    إذاً: هؤلاء هم السباقون، هم المفردون؛ لأنهم عبدوا الحي القيوم بأعظم العبادات؛ ألا وهي ذكر الله.

    وقد نص على هذا نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه ، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير، ورواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان وإسناده صحيح كالشمس، من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم, وأزكاها عند مليككم, وأرفعها في درجاتكم, وخير لكم من إنفاق الذهب والورق -وهي الفضة-، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله ).

    ذكر الله هو خير الأعمال عند ذي العزة والجلال، ولذلك من قام به صار من المفردين، وهذا الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ موقوفاً على أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، وقد رفعه من تقدم ذكرهم إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث صحيح ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ورواه الإمام أحمد في المسند بسندٍ صحيح، إلا أنه منقطع من رواية سيدنا معاذ بن جبل عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عن سائر الصحابة الكرام.

    إذاً: الذاكر سابق, ويعبد الله بأجل العبادات، ذكر رب الأرض والسماوات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088608704

    عدد مرات الحفظ

    777615550