إسلام ويب

ثلاثة أحاديث عليها مدار الإسلامللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم حتى إن الشريعة الواردة جمعتها في ثلاثة أحادث، وذلك أن الله بين لنا الحلال والحرام، فمن تعداهما بزيادة أو نقصان أو بصرفهما لغير الله فعمله مردود عليه، ولأهمية الشهادتين خلق الله الجنة والنار، وجعلهما سبباً في حصول الأمن في الدنيا والآخرة، وقد قيد الأجور على الأعمال بإخلاص النية له، ويتأكد الإخلاص خاصة على طالب العلم، وإلا فإنه أول من تسعر به النار.
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونصلي ونسلم على النبي الكريم، صلى الله عليه وعلى آله، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    وبعد: إخوتي الكرام! لا يخفى عليكم خطر العمل الذي تقلدناه وقمنا به، فنحن بين قسمين لا ثالث لهما:

    إما أن نكون خلفاء لخير خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، وإما أن نكون خلفاء لشر خلق الله إبليس عليه لعنة الله، فالقرآن حجة لنا أو علينا، والعلم إذا لم ينفعنا فسيضرنا، فإما أن تكون -أخي طالب العلم- عند الله من المقربين، وإما أن تكون في أسفل السافلين.

    وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن أنصح نفسي وأنصحكم في أمر إذا حققناه نكون عند الله جل وعلا من المقربين، وهذا الأمر هو إخلاص النية لله رب العالمين في هذا الأمر العظيم الذي نقوم به في هذا الحين، ولا يخفى عليكم أن الإسلام بأكمله, وأن أحاديث نبينا عليه صلوات الله وسلامه على كثرتها تدور على ثلاثة أحاديث، كل منها في الصحيحين:

    الحديث الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )، أي: إلى ذلك العرض الخفيف الذي لا وزن له ولا اعتبار، فهو في الصورة مهاجر، لكنه عند الله خاطب أو تاجر.

    والحديث الثاني: حديث أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لـمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    والحديث الثالث: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الحلال بين والحرام بين, وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ).

    إن وجه دوران الإسلام وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام على هذه الأحاديث الثلاثة: أن حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما يبين لنا أن نبينا عليه صلوات الله وسلامه تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فما من خير إلا ودلنا عليه وحثنا عليه صلوات الله وسلامه، وما من شر إلا وقد بينه لنا وحذرنا منه عليه صلوات الله وسلامه، فهذا الخير وذلك الشر ينبغي للإنسان أن يقف نحوهما موقف المسلم المتبع فيفعل الخير ويترك الشر، يحل الحلال ويحرم الحرام على الكيفية الواردة عن خير الأنام عليه صلوات الله وسلامه، فإذا أدخل عقله في تحليل أو تحريم فهو مردود عليه؛ لأنه شرع من الدين ما لم يأذن به الله: كما في حديث عائشة : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).

    فإذا فعل الإنسان ما بينه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم على أنه حلال، ويقربنا إلى ذي العزة والجلال، وترك الإنسان ما بينه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه حرام، ويؤدي بنا إلى النيران، فهل اقتصر الأمر على ذلك؟ وهل هذا يكفيه؟ لا، لا بد من شيء آخر، لا بد من فعل الحلال ابتغاء وجهه سبحانه وتعالى، ولا بد من ترك الحرام ابتغاء وجه الرحمن بدلالة: ( إنما الأعمال بالنيات ) فالإسلام كله يدور على هذه الأحاديث الثلاثة، فقد وضح لنا نبينا صلى الله عليه وسلم كل شيء، فينبغي أن نأخذ بذلك كما بينه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نريد بذلك وجه ربنا سبحانه وتعالى.

    دوران الدين كله على مدلول الشهادتين

    إن الدين بأكمله يدور على هذه الأحاديث الثلاثة التي تتلخص في كلمتين وفي جملتين هما: مدلول الشهادة التي ينطق بها كل مسلم، أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

    إن الإله المعبود الذي ينبغي أن يفرد بعبادتنا وقصدنا وتعظيمنا هو الله جل وعلا، ينبغي أن يعبد على حسب ما بينه على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فالنية إذاً: تنبعث منك لعبادة هذا الخالق حسبما شرع، وكما قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله، معبراً عن هاتين الجملتين بعبارة من عنده: إياك أريد بما تريد.

    إن شرع الله المجيد يدور على هاتين الدعامتين: إياك أريد بما تريد، فقصدي ونيتي ليس فيها إلا ربي سبحانه وتعالى، وهذا القصد لا يكون على حسب رأيي، إنما يكون على حسب ما بينه نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق على الهوى.

    لا إله إلا الله: إياك أريد، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: بما تريد.

    ولأجل هذا الأمر خلق الله السماوات والأرض، وبنى الجنة وأسس النار، وخلق المكلفين، وسينقسمون بهذا الأمر -وهو عبادة الله حسبما شرع- إلى قسمين في نهاية المطاف: إلى فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2].

    ثبت عن أبي علي الفضيل بن عياض شيخ المسلمين وسيدهم في زمانه أنه قال في تفسير هذه الآية: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] أي: أخلصه وأصوبه، فقيل: ماذا تعني بذلك يا أبا علي ؟! قال: الإخلاص: هو المراد بالعمل وجه الله، والصواب أن يكون على السنة، فمن عمل عملاً لم يقصد به وجه الله فهو مردود عليه، ومن عمل عملاً لم يشرعه نبينا صلى الله عليه وسلم فهو مردود عليه.

    تحقيق مدلول الشهادتين سبب السعادة والأمن في الدنيا والآخرة

    إذا تحقق الإنسان بهاتين الدعامتين فقد سعد في الدنيا والآخرة، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، أي: لم يخلطوا إيمانهم بظلم، والمراد من الظلم هنا: الشرك، أي: إشراك غير الله مع الله في العبادة، أي: قصد غير وجه الله سبحانه وتعالى، فهذه نية، وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] أي: بشرك.

    وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم تفسير الظلم هنا بالشرك كما ورد في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ ) وكأنهم رضي الله عنهم فهموا من الظلم مطلق المعاصي، ولا ينفك أحد من معصية، إنما الإنسان إذا عصى ربه جل وعلا وأخطأ فلن يشرك به ولا يتطلب الشرك من مسلم، بل نيته مع ربه جل وعلا، وإذا وقع في غفلة في بعض الأحيان استيقظ عما قريب ورجع إلى ربه الرؤوف الرحيم: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].

    (فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ليس كالذي تعنون، إنما الظلم الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح لقمان: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]).

    فإذا خلصت نيتك لربك، وطهر قلبك لإلهك سبحانه وتعالى، فهنيئاً لك ثم هنيئاً، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ [الأنعام:82] في الآخرة، وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] في الدنيا، فهم في الدنيا على صراط الله المستقيم، وهم في الآخرة في جنة الله العظيمة الواسعة، هم في جنات النعيم.

    وهذا كما قال ربنا سبحانه وتعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، لا بد من هذين الشرطين، ولا بد من وجود هذين الركنين في جميع أعمالك أخي المؤمن؛ من عمل صالح مشروع، ونية طيبة تريد بذلك وجه الله سبحانه وتعالى فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088619036

    عدد مرات الحفظ

    777653255