إسلام ويب

فتاوى إسلاميةللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أبدأ بسؤال وصل من قبل الأخوات الصالحات، ولعل هذا عجيب في المسلك أن يقال: لم بدأ بالإجابة على أسئلة النساء، مع أنه ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه في معجم الطبراني الكبير، ومصنف عبد الرزاق عليهم جميعاً رحمة الله بسند صحيح كما قال الحافظ في الفتح، والهيثمي في المجمع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أخروهن حيث أخرهن الله. نعم إذا اجتمع النساء مع الرجال يؤخرن، فإذا حصل الاجتماع بالأبدان كما هو الحال في الصلوات وفي غيرها يؤخرن ويفصلن، وما عدا هذا فمن مروءة الرجال أن يقدموا النساء عليهن في قضاء الحاجات، وفي المعونة، وفي الرفق، وفي المساعدات.

    وقد أخبرني شيخنا المبارك الشيخ محمد المختار الشنقيطي عليه رحمة الله، أنه لما كان في بلاد موريتانيا، يقول لي: يستحيل أن تمشي امرأة في الطريق وتحمل شيئاً، وإذا كانت تحمل متاعاً فيجب على كل رجل صادفها أن يأخذ المتاع منها وأن يحمله وأن يمشي بجوارها دون أن يحصل كلام أو شيء من الأشياء، فإن أوصلها إلى المكان الذي تريده يضع ذلك المتاع في ذلك المكان وينطلق، فالنساء يؤخرن إذا اجتمعن مع الرجال، لكن في موضوع قضاء الحوائج يقدمن على الرجال، وهذا السؤال أرسلنه، فأبدأ بالإجابة عليه.

    السؤال: تقول الأخت السائلة: هل من الأفضل ذهاب المرأة إلى مجالس العلم أم بقاؤها في المنزل للعبادة في شهر رمضان المبارك؟

    الجواب: أن الأخت الكريمة فيما يظهر خفي عليها معنى العبادة، فليس معنى العبادة ما يفهمه كثير من الناس في هذه الأيام، أن يعتكف الإنسان في بيته أو في مصلاه، وأن يقبل على الصلاة وعلى الذكر وعلى قراءة القرآن، لا، إن الأمر أعم من ذلك وأشمل بكثير، فكل مطيع لله جل وعلا فهو عابد ذاكر، أي عمل قام به على حسب شرع ربه يريد به التقرب إلى الله جل وعلا يعتبر ذلك العمل عبادة.

    وعليه فالذهاب إلى مجالس العلم عبادة، والجلوس في البيت لذكر الله جل وعلا، وقراءة القرآن، والتنفل من الصلوات عبادة، وهكذا سائر الطاعات عبادة، لكن إذا تزاحمت العبادات واجتمعت فينبغي على الكيس الفطن أن يقدم أهمها وأقربها إلى الله جل وعلا، وحقيقة إن دروس العلم إذا كانت نافعة ينبغي على المسلم من ذكر وأنثى أن يقدمها على ما سواها من العبادات، فكل العبادات بإمكانه أن يحصلها عندما يجد متسعاً من وقته في ليل أو في نهار، وأما هذه العبادة الجليلة فربما فاتته، ولا يقول الإنسان: إنه يعلم نفسه بمجلس علم يحضره فقط، ربما علق قلبه بربه جل وعلا وأنقذه من ضلالات وبدع وخرافات، ولذلك مجالسة العلماء تحيي القلوب كما تحيا الأرض الميتة بماء المطر.

    نعم إخوتي الكرام! أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله، ولن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله ) ، وثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة )، وهذا عام للصنفين الذكور والإناث، وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.

    فحضور مجالس العلم ضرورية للصنفين، قال مرة الشياطين لرئيسهم اللعين إبليس: نراك تفرح بموت العالم كثيراً، ولا تبالي بموت العابد؟! أي: عندما يموت كأنه لم يمت، فلماذا تبتهج لموت العالم؟ فقال: إن العالم يفسد مخططاتنا، ما نحكمه من حيل لإضلال الناس يفسده علينا بكلمة واحدة، فعندما يبين شريعة الله جل وعلا، والناس يهتدون للتي هي أقوم، ثم قال: تعالوا حتى أريكم كيف نلعب بالعباد، ويلعب بنا العلماء، فذهبوا إلى عابد وسوس له الشيطان قائلاً: هل يستطيع الله جل وعلا أن يدخل هذه الدنيا وأن يوجدها في بيضة، فقال العابد: لا، لا يستطيع هذا، فقال الشيطان: كفر من حيث لا يدري، أرأيتم كيف نفعل بالعباد، ثم ذهب إلى العالم فقال له: هل يستطيع الله أن يدخل هذه الدنيا على سعتها في بيضة؟ قال: ومن يمنعه، قال: وكيف سيدخلها، قال: يكبر البيضة ويصغر الدنيا، ويقول لها: كوني فتكون، فهو على كل شيء قدير، فقال: أرأيتم كيف يفعل بنا هذا العالم، ذاك كفر من حيث لا يدري.

    وسوس الشيطان لعابد خرج إلى الصلاة، فرأى فأرة ميتة، فوسوس له الشيطان أن يرحمها وأن يضعها في جيبه، ولا يدري أنها نجسة، وأنه إذا صلى وهو يحملها لا تقبل صلاته، هذا حال العباد، فلا بد من البصيرة في دين الله جل وعلا، لكن دروس العلم التي ينبغي على الصنفين أن يحضروها مجالس العلم النافعة لا مجالس القصاص الفارغة التي عمت بها المساجد في هذه الأيام إلا ما رحم ربك.

    حضرت البارحة لا أقول من بعيد، وكلما أحضر موعظة في هذه البلاد يفرى كبدي من الهم والغم، حضرت البارحة بعد العصر موعظة في أحد المساجد في المعمورة، الدرس من أوله لآخره تخريف، وكذب على الله اللطيف، من أوله لآخره، يشرح قول الله جل وعلا: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا [البقرة:38]، من المعني بهذا الخطاب؟ آدم وحواء على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه، وإبليس، والحية، ومن انفعالي قلت: اللهم سلط عليه حية وأرح الأمة منه، حية، آدم، وإبليس، وحواء؛ اهبطوا منها جميعاً، ثم كيف دخل إبليس الجنة وقد طرده الله منها قبل أن يحصل لآدم ما حصل من الأكل في الجنة؟ فيقول: إنه دخل في جوف الحية، جاءت الحية ودخل إبليس فيها فدخل إلى الجنة! هذه حيل على الله؟!

    إذاً بإمكان إبليس أن يدخل في جوف حية ويدخل إلى بيتي ولا أراه، هل سيخفى على من لا تخفى عليه خافية وهو على كل شيء قدير؟!

    فدخل إبليس في جوف الحية إلى الجنة، فوسوس بعد ذلك لآدم فأكل منها، والدرس كله يدور حول هذا، ثم طردهم الله جل وعلا وقال: اهبطوا منها جميعاً، هل نزلوا في بقعة واحدة أو في بقاع مختلفة؟ الدرس ثلث ساعة كله -كما قلت لكم- سخيف وكذب على الله، أورد الأقوال فقال: قيل: نزلوا دفعة واحدة في مكان واحدة، لكن المعتمد أنهم نزلوا متتابعين، أول ما نزل آدم في بلدة سرنديب من بلاد الهند، وعلى تحليله الجغرافي هو يقول: سرنديب كانت تسمى من قريب بسيلان، أي: بلد الشاي، سيلان التي هي سريلانكا الآن، يقول: في سريلانكا، ثم علق على هذا وقال: وإنما غيروا اسمها سرنديب لأمر مقصود؛ لأن الشيطان له مدخل في تغيير الاسم، أي مدخل؟ قال: ليطمس المعالم الإسلامية، كما هو الحال يقول في مصر، لما حصل بينها وبين سوريا وحدة سموها الجمهورية العربية المتحدة ليطمسوا اسم مصر الذي ذكره الله في القرآن، يعلم الله هذا من التخريف في بيوت الله، ثم قال: تغيير الأسماء هذا وراءه الشيطان، فلما كان اسم مصر مباركاً زين لهم الشيطان أن يسموها بالجمهورية العربية المتحدة.

    هذا آدم، ثم علق تعليقاً بعد ذلك يتناسب مع تخريفه؛ لأنه لما نزل معه أربعة أعواد من الجنة، وأنتم تحضرون البخور من الهند وما شاكل هذا، لا إله إلا الله!

    وأما أمنا حواء فمسكينة هضمها حقها ولا تكلم عليها إلا أنه قال: نزلت في جدة فقط، وأما الحية فقال: نزلت.. هذا على حسب ما سمعته البارحة، أقول ما سمعت فقط، وأما الحية فيقول: نزلت في بيسان، يقول: بيسان يوجد في بلاد الشام وبلدة في إيران، المعتمد أنها بلدة في إيران يقول: فيها حيايا كثيرة، وما يمكن العيش فيها، لولا أن سلط الله حيواناً اسمه العرفط يأكل الثعابين والحيايا، وإلا ما استطاع أحد أن يعيش في تلك البلاد.

    وأما إبليس فنزل في البصرة، قال: ولذلك رأيتم الحرب والضرب فيها، لا إله إلا الله! يقول هو: وهذا من قديم الزمان البصرة فيها هذه المشاكل؛ لأن إبليس فيها، فإذا كان الدرس بهذه الصورة فحقيقة يحرم على الإنسان من ذكر أو أنثى أن يستمع لذلك الهذيان، ونعجب حقيقة غاية العجب، افرض أن هذا الكلام صحيحاً فما فائدة تحديث العامة به في هذا الوقت، أليس من الواجب أن ترشدهم إلى أحكام الصيام وبيان شريعة الرحمن، وما هم فيه من تقصير، وأن تحذرهم من ذلك؟ تخريف فيما يتعلق بالهند وفي جدة، وفي بيسان، وفي البصرة، ما لنا ولهذا؟ فإذا كانت دروس العلم كذلك تجب مقاطعتها، ويحرم الجلوس إليها.

    ولذلك كان أئمتنا يقولون: من نعمة الله على الحدث -الشاب في أول عمره- أن يوفقه الله إلى شيخ من أهل السنة والجماعة ليتعلم على يديه عقيدة أهل الحق، وليغرس في قلبه حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام على يدي ذلك الشيخ الصالح، حتى بعد ذلك إذا كبر أسس القلب على تقوى، فلا يضره شيء بإذن الله جل وعلا.

    فالأخت الكريمة عندما تقول: هل الذهاب إلى مجالس العلم أفضل أم بقاؤها في المنزل أفضل للعبادة؟

    أقول: لو علمت معنى العبادة التي يحبها الله جل وعلا لما سألت هذا السؤال، ولعل الجواب ظهر، فمجالس العلم من أفضل العبادات وأقربها لله جل وعلا، وينبغي أن يحضرها الذكور والإناث، نعم إذا كان يترتب على خروج المرأة فتنة أو مشكلة أو تقصير في حق واجب فتمتنع عن هذا وتكلف من ينقل هذا من محارمها، والأشرطة في هذه الأيام لعلها تسد هذا الفراغ عند النساء، ولا أقول: يحرم عليهن المجيء إلى دروس العلم من أجل وجود الأشرطة، لا، فحقيقة المرأة عندما تحضر إلى بيت الله جل وعلا، هذا بيت سيدها وبيت ربها، ولها حق في دخوله، كما للرجل حق، ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) ، كما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا استأذنت المرأة زوجها للذهاب إلى المسجد فما ينبغي أن يمنعها، فكما أنه هو يذهب إلى بيت سيده ومالكه وخالقه ومدبر أمره، هي تذهب أيضاً لتجد الأنوار والبركات في ذلك البيت الذي أسس لذكر الله جل وعلا، ولتعلم شرع الله جل وعلا.

    يضاف إلى هذا أن المرأة عندما تجتمع مع أخواتها الصالحات، وتراهن في بيت رب الأرض والسماوات، يحصل في قلبها من النور والبهجة والحبور، ويحصل عندها من الجد والنشاط في طاعة الله جل وعلا ما لا يحصل لو كانت منفردة، وإذا كان أهل الفساد راعوا هذا في دور فسادهم، فما اقتصروا على إفساد المرأة في بيتها فيما جعلوه في البيوت من غزو عن طريق وسائل الحرام ووسائل الإجرام، ما اقتصروا على هذا، إنما أسسوا لإفساد النساء أندية يصرف عليها أكثر مما يصرف على المساجد، دورات في أندية النساء لتعليم السباحة، ويؤتى بكافرة لتعلمهن هذا، وليس المقصود تنشيطهن على الإطلاق، إنما المقصود القضاء على حيائهن وعفتهن، دورة لتعليم اللغة الإنجليزية والفرنسية، دورة لتعليم الغناء والموسيقى والرقص، وحقيقة كل واحدة تتشجع بالفاسدة الأخرى، فإذا كان جند الشيطان يطبقون هذا لإفساد بنات المسلمين، فينبغي على جند الرحمن أن يضعوا طريقة لتحصين النساء المسلمات، فعندما يجتمعن ببعضهن يحصل لهن كما قلت من النشاط والالتزام والمعنويات، وكل واحدة تشد أزر أختها ما لا يكون لو جلست منفردة في قعر بيتها.

    فإذاً: لو أمكنها أن تحصل هذه العلوم عن طريق الشريط تفوتها تلك الفائدة التي أشرت إليها، وقد أذن نبينا عليه الصلاة والسلام لها بأن تذهب، وما ينبغي أن يمنعها من ذلك مانع، وينبغي للرجال القيمون على النساء في هذا الأمر أن يتقوا ربهم، وأن يحثوا النساء على الذهاب فضلاً عن الإذن لهن إذا استأذن، فمطلوب أن تحضر المرأة وأن يحضر الرجل مجالس العلم، فهي من أعلى وأفضل العبادات، وأعظم القربات عند رب الأرض والسماوات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088595490

    عدد مرات الحفظ

    777559352