بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في السحر، وقول الله تعالى:
وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ
[البقرة:102]. وقوله:
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
[النساء:51].
قال عمر : الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان.
وقال جابر : الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).
وعن جندب مرفوعاً: ( حد الساحر ضربه بالسيف ). رواه الترمذي ، وقال: الصحيح أنه موقوف.
وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وكذلك صح عن جندب . قال أحمد : عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].
تقدم لنا ما يتعلق بالسحر، وذكرنا تعريف السحر في اللغة والاصطلاح، وهل السحر كفر كله أو أنه ليس كفراً كله؟ وأن الصواب كما قال الشافعي : يقال له: صف لنا سحرك، فإن ذكر ما هو كفر فهو كفر.
وعلى هذا نقول بأن السحر سحران: سحر يكون كفراً، وهو ما كان بواسطة الشياطين. والقسم الثاني: سحر ليس كفراً، وهو ما كان بواسطة العقاقير والأدوية.
وتقدم لنا أيضاً أن السحر نوعان: منه ما له حقيقة، ومنه ما هو مجرد تخييل وليس له حقيقة.
معنى قوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه...)
معنى الجبت والطاغوت
قال رحمه الله: (وقوله:
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ 
[النساء:51]. قال
عمر : الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان).
تفسير عمر رضي الله تعالى عنه للجبت هذا من باب التفسير بالمثال، وهكذا تفسير السلف يفسرون بالمثال، لا يفسرون بالحد، وانظر جامع البيان لـابن جرير الطبري رحمه الله تعالى تجد الآثار الكثيرة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعين ومن تبعهم بإحسان في التفسير بالمثال.
والجبت كما تقدم بأنها كلمة تقع على الساحر والكاهن والصنم.
وقوله: (الطاغوت) فسره عمر بالشيطان، تقدم لنا، وهذا من باب التفسير بالمثال، وتقدم لنا قول ابن القيم رحمه الله أن الطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
قال رحمه تعالى: (وقال جابر : الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد).
قوله: (الطواغيت كهان) المراد به: أن الكهان من الطواغيت، فهو من أفراد المعنى.
وقوله: (ينزل عليهم الشيطان) ليس المراد به إبليس، وإنما المقصود به الجنس، يعني: شيطان من شياطين الجن.
وقوله: (في كل حي) يعني: في كل قبيلة.
الشاهد من قوله تعالى:
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
[النساء:51] أن من تفاسير الجبت السحر. والجبت محرم ولا يجوز؛ لأن الله عز وجل ذم اليهود الذين يصدقون بالجبت، فدل ذلك على تحريم السحر.
شرح حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات)
حد الساحر
قال رحمه الله: (وعن
جندب مرفوعاً: (
حد الساحر ضربه بالسيف ). رواه
الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف).
( حد الساحر ) يعني: عقوبة الساحر.
( ضربه بالسيف ) قتله بالسيف.
قال: (موقوف) يعني: لأنه من كلام الصحابي وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر).
(وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت. وكذلك صح عن جندب بن كعب الأزدي رضي الله تعالى عنه.
قال أحمد : عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
في حديث - جندب - والآثار فيها عقوبة الساحر، وأن عقوبة الساحر هي القتل، لسوء باطنته وفساد عقيدته.
حكم قبول توبة الساحر
قال رحمه الله: [باب بيان شيء من أنواع السحر].
أراد المؤلف رحمه الله في هذا الباب بيان شيء من أنواع السحر على وجه العموم، وليس المراد به السحر على وجه الخصوص، ولهذا ذكر النميمة، وذكر: (إن من البيان لسحراً)، وهذه ليست سحرا على وجه الخصوص.
فهذا الباب المراد به: بيان السحر على وجه العموم ليس على وجه الخصوص، من باب التكميل والاستطراد من المؤلف رحمه الله تعالى، اللهم إلا ما يتعلق بقوله: ( من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ). هذا من باب السحر على وجه الخصوص.
الخلاصة في هذا الباب: أن المراد به: السحر، يعني: بيان شيء من أنواع السحر على وجه العموم من الأشياء التي فيها الخفاء وفيها الدقة... إلى آخره، وليس على وجه الخصوص، اللهم إلا قوله: ( من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ) إلى آخره.
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن المؤلف رحمه الله ذكر جملة من أنواع السحر على وجه العموم لا على وجه الخصوص؛ لأن مثل هذه الأشياء قد تخفى على الناس ويظنها الناس من كرامات الأولياء وهي ليست من كرامات الأولياء، وتسبب ذلك أن عبدوا أصحابها، فذكر المؤلف رحمه الله هذا الباب.
ومناسبة هذا الباب لما قبله ظاهر، فإن المؤلف ذكر السحر على وجه الخصوص، ثم ذكره على وجه العموم.
والله أعلم.