إسلام ويب

شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [4]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا ثبت حكم فلا يلزم من ذلك ثبوت لازمه المشكوك فيه، وإذا وجدت عبادات على سبيل الترتيب وكان فيها أصل وفيها بدلٌ؛ فإن وجد الأصل قبل الشروع في البدل فإننا نرجع إلى الأصل، وإن كان بعد الشروع في البدل فلا نرجع إلى الأصل. وإن تزاحمت عبادتان في الكثرة والشرف فإن
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الخامسة عشرة: إذا استصحبنا أصلاً أو أعملنا ظاهراً في طهارة شيء، أو حله، أو حرمته، وكان لازم ذلك تغير أصل آخر يجب استصحابه، أو ترك العمل بظاهر آخر يجب إعماله، لم يُلتفت إلى ذلك اللازم على الصحيح، ولذلك صور.

    ومن هذه القاعدة: الأحكام التي يثبت بعضها دون بعض، كإرث الذي أقرَّ بنَسبِه من لا يثبت النسب بقوله، والحكم بلحوق النسب في مواضع كثيرة، لا يثبت فيها لوازمه المشكوك فيها، من بلوغ أحد أبويه واستقرار المهر أو ثبوت العدة والرجعة أو الحد أو ثبوت الوصية له أو الميراث وهي مسائل كثيرة].

    سلف لنا في الدروس السابقة أربع عشرة قاعدة، وأخذنا من هذه القواعد قاعدة: الماء الجاري هل هو كالراكد أو كل جرية لها حكم الماء المنفرد؟ وذكرنا أن المشهور من المذهب أن الماء الجاري كالراكد، وذكرنا ما يترتب على هذا الحكم.

    وأيضاً من القواعد التي تطرقنا لها ما يتعلق بقاعدة شعر الحيوان، وظفر الحيوان، وذكرنا ضابطاً أعم من ذلك، وهو: ما كان متصلاً في حكم المنفصل، أو ما لا تحله الحياة من أعضاء الحيوان، هل يُلحق ببقية البدن، أو أنه لا يُلحق بجملة البدن؟ وذكرنا أنه لا يُلحق بجملة البدن، وعلى هذا لو طلّق شعر زوجته فإنه لا يقع عليه طلاق، أو أعتق شعر أمته، فإن العتق لا يقع، ومثله أيضاً لو مس شعر زوجته بشهوة فإن وضوءه لا ينتقض.

    ومن مثل ذلك أيضاً القرون والأظلاف التي لا تحلها الحياة، ذكرنا، أنها لا تُلحق ببقية البدن.

    وعلى هذا لو مات الحيوان فإن ظلفه وشعره ووبره وقرونه وصوفه هذه طاهرة.

    كذلك من القواعد التي تكلمنا عليها: ما يتعلق بتقديم العبادات على أسبابها، وذكرنا بأن تقديم العبادة ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: أن تُقدَّم العبادة على سببها، فهذا لا يصح، فلو أنه أخرج كفارة اليمين قبل أن يحلف، فنقول: هذه الكفارة لم تقع موقعها فلا تصح كفارة، كذلك لو أنه أخرج كفارة القتل قبل أن يجرح، قال: ربما أنني أقتل في يوم من الأيام، وأخرج كفارة القتل: أعتق أو صام، فنقول أيضاً: هذه الكفارة لم تقع موقعها فلا تصح كفارة.

    القسم الثاني: أن تقدم العبادة على شرط الوجوب أو قبل الوجوب، يعني: بعد وجود السبب.. إذا كان ذلك التقديم بعد وجود السبب، فإن هذا جائز ولا بأس به، فلو أنه قبل أن يحنث كفّر، مثلاً قال: والله لا أزور زيداً، وقبل أن يحنث أخرج الكفارة، هنا قدّم الكفارة بعد وجود السبب، وقبل وجوب الكفارة، وهذه يسميها العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم يسمونها تحلة، يعني: إخراج الكفارة قبل أن يحنث الإنسان أما بعد الحنث فهذه تسمى كفارة.

    ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2].

    وأيضاً من القواعد المهمة التي تطرقنا لها قاعدة: النهي يقتضي الفساد، وذكرنا أن هذه القاعدة لها أربعة أقسام.

    ومن القواعد أيضاً قاعدة: التنفل قبل العبادة بما هو من جنس العبادة، وذكرنا أن ذلك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أن تكون العبادة بدنية موسعة، أن تكون بدنية مضيقة، أن تكون العبادة مالية.

    وأيضاً المالية تنقسم إلى قسمين، تكلمنا على هذه وغير ذلك مما سلف ولله الحمد.

    هنا يقول المؤلف رحمه الله: (القاعدة الخامسة عشرة:

    إذا استصحبنا أصلاً أو أعملنا ظاهراً في طهارة شيء أو حلّه أو حرمته، وكان لازم ذلك تغير أصل آخر يجب استصحابه، أو ترك العمل بظاهر آخر يجب إعماله، لم يُلتفت إلى ذلك اللازم على الصحيح، ولذلك صور).

    هذه القاعدة تنقسم إلى قسمين:

    استصحاب أصل أو إعمال ظاهر لا يلزم منه ترك العمل بأصل آخر

    القسم الأول: أننا إذا استصحبنا أصلاً، أو أعملنا ظاهراً، فلزم من ذلك أن يتغير أصلٌ آخر، أو أن يُترك العمل بظاهر آخر لم يُلتفت إلى ذلك اللازم.

    يعني: يبقى العمل بالأصل الآخر، ويبقى العمل بالظاهر الآخر، أي: كوننا نستصحب أصلاً لا يلزم من ذلك أن نترك العمل بأصل آخر.

    إذاً: هل يلزم من إعمال أصلٍ أن نترك أصلاً آخر؛ لأن الأصل هو العمل بكل الأصول؟ يقول المؤلف: كوننا نُعمل هذا الأصل لا يلزم من ذلك أن نترك العمل بأصل آخر.

    مثال ذلك: رجل استيقظ من النوم فوجد بللاً في ثيابه، وهذا البلل لم يتحقق أنه مني، ولم يذكر أنه احتلام. هل يجب عليه الغسل؟

    نقول: لا يجب عليه الغسل ما دام أنه لم يتحقق أنه مني، ولم يذكر احتلاماً، لأن هذا هو الأصل، إذ الأصل عدم وجوب الغسل.

    لكن بالنسبة للثياب، فالأصل أنها طاهرة، فهل يلزم من كونه لا يجب عليه الغسل أن يتغير الأصل الآخر وهو طهارة الثياب، أو نقول: بأن هذا ليس بلازم؟

    يعني: الأصل أن سراويله طاهرة وأن ثيابه طاهرة، وكوننا لا نوجب عليه الغسل لأن الأصل عدم وجوب الغسل، هل يلزم من ذلك أن نقول: يجب عليك أن تغسل ثيابك؟

    نقول: لا يجب، ما دام أننا استصحبنا هذا الأصل فلا يلزم أن نقول: بأن الثياب نجسة؛ لأنه يحتمل أن يكون البلل عرقاً، وليس بلازم أن يكون منياً، لكن لو غسل الثياب على سبيل الاحتياط فلا بأس.

    مثال آخر: رجل ضرب طائراً ضربة غير موحية، يعني: ليست قاتلة، ثم بعد ذلك وجد هذا الطائر في الماء، والماء قد تغير، فالأصل في الماء الطهارة، وهذا الطائر ما دام أن الضربة غير موحية فالأصل فيه الحرمة، فكوننا أعملنا الأصل وهي الحرمة لا يلزم من ذلك أن نغير الأصل المتعلق بالماء، فنقول: الماء نجس؛ لأنه يحتمل أنه مات من هذه الضربة، فيكون هذا الطائر طاهراً حلالاً، فعندنا ما دام أن الضربة ليست قاتلة فالأصل حرمة هذا الحيوان ونجاسته، لكن لا يلزم من ذلك أن نحكم بنجاسة الماء لتغيره، فإذا وجدنا هذا الطائر في هذا الماء فالأصل هو طهارة الماء، فلا يلزم من ذلك أن نقول: بأن هذا الماء نجس لكونه تغير بهذا الطائر الذي يكون محرماً.

    لا يلزم من ثبوت حكم ثبوت لازمه المشكوك فيه

    القسم الثاني في هذه القاعدة: أنه إذا ثبت حكم فلا يلزم من ذلك ثبوت لازمه المشكوك فيه.

    وهذا له أمثلة كثيرة، وإن كانت بعض الأمثلة التي يذكرها الفقهاء غير متصورة، لكن لا بأس أن نذكر شيئاً من هذه الأمثلة.

    مثال ذلك: لو أن صبياً له عشر سنوات تزوج وأنجبت زوجته ولداً، هذا الولد يُلحق بهذا الصبي أو لا يُلحق به؟ يقولون: يُلحق به في النسب؛ لأن العلماء يحتاطون للنسب كثيراً.

    بقينا في بقية الأحكام، ما دمنا الآن حكمنا بأن هذا الولد هو من هذا الصبي، وحكمنا أنه يُنسب له، فهل نحكم بأن هذا الصبي قد بلغ، بحيث لو أنه أتى حداً نوجب عليه الحد؟ يعني: لازم إثبات الولد لهذا الصبي أن نحكم ببلوغه، لكن هذا اللازم مشكوك فيه، فما دام أن هذا اللازم مشكوك فيه فلا نقول بإثبات هذا اللازم، فيقولون: بأن هذا الولد يُنسب إلى هذا الطفل، لكن مع ذلك لا نحكم بأن هذا الصبي قد بلغ، ونرتب عليه أحكام البالغ من حيث القصاص ومن حيث الحد، ومن حيث وجوب الواجبات.. إلى آخره، فلا يحكم ببلوغه ما دام أن له عشر سنوات.

    مثال آخر: رجل عقد على امرأة، وهم يقولون: بأن الزوجة تكون فراشاً إذا وُجِدَ أمران: الأمر الأول بعد وجود العقد: إمكان الاجتماع بها، والأمر الثاني: أن تمضي ستة أشهر بعد إمكان الاجتماع وليس وجود الجماع، يعني: رجل عقد على امرأة في هذا البلد، ويتمكن من أن يجتمع معها، وبعد مضي ستة أشهر أنجبت ولداً، فيقولون: احتياطاً للنسب نحكم بأنه لهذا الزوج، وينسب إليه.

    وإثبات هذه النسبة بين هذا الولد وبين هذا الرجل يلزم منه أحكام أخرى، وهذه اللوازم ما دام أنه مشكوك فيها فإننا لا نثبتها، لكننا نثبت النسب احتياطاً للولد.

    فمن اللوازم قول المؤلف رحمه الله: (والحكم بلحوق النسب في مواضع كثيرة لا يثبت فيها لوازمه المشكوك فيها من بلوغ أحد أبويه).

    يعني: لو وطئ من له عشر سنوات وأنجبت زوجته ولداً؛ فالبلوغ هذا مشكوك فيه فلا نحكم بثبوت البلوغ، مع أننا نثبت أن الولد له وننسبه له.

    كذلك أيضاً: ثبوت العدة والرجعة، لو أن هذا الطفل طلق هذه المرأة، هل تثبت العدة أو لا تثبت العدة؟

    يقول المؤلف رحمه الله: لا تثبت العدة، ولا تثبت الرجعة؛ لأن الرجعة فرعٌ عن العدة، ولا يثبت الحد لو أتى بما يوجب الحد بناء على أنه لم يبلغ؛ فهذه لوازم مشكوك فيها، لكننا أثبتنا النسب احتياطاً للولد، أما ما عدا ذلك فإنها لوازم مشكوك فيها فلا تثبت.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533829

    عدد مرات الحفظ

    777177612