إسلام ويب

شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [15]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإنفاق من مال الغير بدون إذن إذا كان عن واجب أو لتعلقه بحقه فإنه يرجع عليه، وكذا لدفع الضرر عن العين أو المنفعة المشتركة. وإدخال النقص في ملك الغير إن كان بتعد أو تفريط فالضمان على من أدخل النقص، وإن كان بغير تعد ولا تفريط فلا ضمان. والزرع النابت في ملك
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الخامسة والسبعون: فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه، وهو نوعان:

    أحدهما: من أدى واجباً عن غيره.

    والثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره.

    فأما النوع الأول فيندرج تحته صور:

    منها: إذا قضى عنه ديناً واجباً بغير إذنه فإنه يرجع به...] إلى آخره.

    تقدم لنا في الدرس السابق جملة من القواعد، ومن هذه القواعد قاعدة الأكل من أموال الغير إذا لم يكن هناك إذن، وذكرنا أن هذه القاعدة اشتملت على عدة أقسام منها:

    الأكل من الأموال الزكوية كالزروع والثمار، وما هو قدر ما يجوز له أن يأكله، وكذلك أيضاً أكل ولي اليتيم من مال اليتيم، وكذلك أيضاً ناظر الأوقاف والصدقات وأكله منها، وكذلك أكل عامل المضاربة.

    وتقدم أيضاً لنا من القواعد: من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه، وأن هذه القاعدة يدخل تحتها صور، فمثلاً: الزوجة لا يشترط رضاها بالطلاق فلا يشترط علمها، والرقيق لا يشترط رضاه بالعتق فلا يشترط علمه، يعني: لا يشترط أن يواجهه بالعتق، وكذلك أيضاً المرأة لا يشترط أن يواجهها بالطلاق.

    كذلك أيضاً تقدم لنا من القواعد ما يتعلق باشتراط نفع أحد المتعاقدين، وأن المؤلف رحمه الله ذكر تحت ذلك قسمين، وتقدم لنا أيضاً من القواعد ما يتعلق باستحقاق العوض لمن عمل لغيره عملاً دون أن يكون هناك مشارطة، فهل يستحق العوض أو لا يستحق العوض؟ وتقدم أن المؤلف رحمه الله ذكر تحت هذه القاعدة نوعين:

    النوع الأول: إذا دلت الأحوال والقرائن والأعراف على استحقاق العوض، كمن نصب نفسه لهذا العمل، كالقصار، والطباخ، والمكاري، ونحو هؤلاء الذي نصبوا أنفسهم للعمل، فإنهم يستحقون العوض وإن لم يكن هناك مشارطة.

    والقسم الثاني: إذا كان عمل هذا الشخص فيه غنى للمسلمين فإنه يستحق العوض، إلى آخر ما تقدم.

    ثم قال المؤلف رحمه الله: (القاعدة الخامسة والسبعون: فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه، وهو نوعان).

    هذا القاعدة في الرجوع بالنفقة على مال غيره إذا لم يكن هناك إذن، أما إن كان هناك إذن فالأمر ظاهر، يعني: لو أن الغير أذن لهذا الشخص أن ينفق على ماله فهنا له أن يرجع، لكن إذا لم يكن هناك إذن فهذا الغير لم يأذن لهذا الشخص أن ينفق على ماله، فأنفق على ماله، فهل له أن يرجع عليه أو نقول بأنه ليس له أن يرجع عليه؟

    وأيضاً قول المؤلف رحمه الله: على مال الغير، أو على غير مال الغير، يعني: قد تكون النفقة على المال، وقد تكون النفقة على غير المال، فمثلاً: إذا غاب هذا الرجل، ثم جاء جاره وأنفق على أهل هذا الرجل الذي غاب، فهل الجار يرجع بالنفقة على جاره، أو نقول بأنه ليس له أن يرجع؟ أو مثلاً: أنفق على سيارته، كأن احتاجت سيارته إلى إصلاح فأنفق على هذه السيارة، أو أنفق على بيته، يعني: بيته احتاج إلى شيء من الإصلاح ولو لم يصلح لهدمته الأمطار، ونحو ذلك مما يحتاج إلى إصلاح لمجاري الماء، فأنفق على بيت جاره أو صديقه، فهل له أن يرجع بما أنفقه من مال أو ليس له أن يرجع؟ ومثل ذلك أيضاً: لو أدى الزكاة عنه، أو أدى الكفارة عنه، هل له أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ لكن ما يتعلق بالزكوات والكفارات، فالحنابلة رحمهم الله تعالى لا يرون ذلك؛ لأنهم لا يرون أن التصرفات الفضولية تجري في العبادات.

    ذكر المؤلف رحمه الله في هذه القاعدة أعني قاعدة: من أنفق على مال غيره أو على أهله، هل له أن يرجع دون أن يكون هناك إذن أو ليس له أن يرجع؟ ذكر ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: من أدى واجباً عن غيره

    القسم الأول: قال: (من أدى واجباً عن غيره).

    فإذا أدى واجباً عن غيره فإن له أن يرجع، لكن يشترط أن لا ينوي التبرع، فإن نوى التبرع فليس له أن يرجع؛ لأنه إذا نوى التبرع فإنه يكون واهباً، والواهب لا يجوز له أن يرجع، فالعائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه.

    وذكر المؤلف رحمه الله صور هذا القسم:

    قال: (إذا قضى عنه ديناً واجباً عليه بغير إذنه).

    هذا زيد يريد منه ألف دينار، ثم جاء جاره وقضى هذه الألف، فإنه يرجع عليه؛ لأنه أدى واجباً عنه، كذلك أيضاً: إذا اشترى أسيراً مسلماً فأطلقه، وهذا الأسير عند الكفار فاشتراه فأطلقه، فإنه يرجع عليه بالفداء الذي دفعه إلى الكفار، وكذلك أيضاً الإنفاق على الغير على من تجب عليه نفقتهم، إذا أنفق على أهل هذا البيت فإنه يرجع على رب البيت إذا جاء؛ لأنه أنفق على زوجته وأولاده ونحو ذلك.

    وكذلك أيضاً إذا أنفق على اللقطة كأن تكون اللقطة مما يحتاج إلى نفقة، ولنفرض أن اللقطة شاة، والشاة تحتاج إلى نفقة، فأنفق على هذه اللقطة ثم جاء صاحبها، فإنه يرجع عليه بالنفقة.

    وكذلك لو أنفق أيضاً على اللقيط فإنه يرجع على مال اللقيط، فإذا لم يكن له مال فإنه يرجع على بيت المال.

    وكذلك أيضاً: الوديعة، كأن تكون الوديعة حيواناً يحتاج إلى طعام، أو الوديعة آلات تحتاج إلى نفقة وإلى إصلاح ونحو ذلك، ولو لم ينفق عليها ولو لم يصلحها لفسدت، فنقول بأنه يرجع عليه.

    ومثل ذلك أيضاً -كما قلنا على الصحيح- إذا أدى عنه كفارة يمين، فمثلاً: لو لزم شخص كفارة يمين ثم أداها عنه وأخرجها عنه، فالصحيح أنه يجري فيه تصرف الفضولي، فإذا أجازه من لزمته الكفارة فإنه يرجع المخرج على من لزمته الكفارة بقيمة الكفارة.

    ومثله أيضاً: لو أدى عنه زكاة فإنه يرجع عليه على الصحيح.

    هذا هو القسم الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله، وذكرنا أن هذا القسم يشترط فيه أن لا ينوي التبرع، فإن نوى التبرع فإنه لا يجوز له أن يرجع لما تقدم.

    القسم الثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره

    قال: (والثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره).

    القسم الثاني: أن ينفق على مال الغير لكونه متعلقاً بماله، وهو ما يرجع فيه للإنفاق على مال غيره لتعلق حقه به، فله صور، منها:

    قال: [إنفاق أحد الشريكين على المال المشترك مع غيبة الآخر أو امتناعه].

    فإذا كان هناك شريكان، واحتاج المال المشترك إلى النفقة، فأنفق أحد الشريكين فإنه يرجع على شريكه بحصته من النفقة، وقدر النفقة التي تلزمه قدر ما يملكه في هذا الشركة، ولنفرض أن الشركة في مزرعة، والمزرعة تحتاج إلى نفقة بين اثنين مناصفة، فأنفق أحد الشريكين فإنه يرجع على شريكه بقدر النفقة، فإذا كانت الأملاك على النصف فإنه يرجع عليه بنصف النفقة، وإذا كان يملك الثلث فإنه يرجع عليه بثلث النفقة، فهنا الآن أنفق على مال الغير لكونه متعلقاً بماله، فالشركة الآن مشاعة في هذه المزرعة.

    قال: [ومئونة الرهن من نفقة وعمارة ونحوهما].

    الرهن أمانة عند فالمرتهن، والمرتهن لا يملك الرهن، وإنما يملك حق التوثيق، والذي يملك الرهن هو الراهن، فالرهن ملك للراهن تجب عليه نفقته، ونماؤه يكون للراهن، وعلى هذا لو أن المرتهن أنفق على الرهن، فإنه يرجع على الراهن بما أنفق، فهنا الآن أنفق على مال الغير لكونه متعلقاً بحق من حقوقه، وهو حق الاستيثاق؛ لأن المرتهن له حق الوثيقة فقط، فإذا أنفق مثلاً ولنفرض أن الرهن سيارة، والسيارة احتاجت إلى نفقة، أو حيوان والحيوان احتاج إلى طعام وشراب ونحو ذلك فأنفق عليه، فنقول بأنه يرجع على الراهن المالك.

    ومثله أيضاً: العمارة، فلو كانت العين المرهونة بيتاً، وهذا البيت يحتاج إلى إصلاح، وإن لم تصلح أفسدتها الأمطار ونحو ذلك، فيحتاج إلى إصلاح مجاري المياه ونحو ذلك، وقام بعمارتها، أو مثلاً: تهدمت هذه البيت وقام بإقامة عمارتها، فإن المرتهن يرجع على الراهن.

    قال: [وعمارة المستأجرة].

    يعني عمارة البيت المستأجرة، فإذا استأجر بيتاً ثم بعد ذلك البيت فسدت فيه الأبواب، أو فسدت فيه مواصير المياه أو الكهرباء ونحو ذلك وقام بإصلاحها، فإنه يرجع على المؤجر؛ لأنه تعلق حقه بهذا البيت وهو ملك المنفعة، فهو مالك لمنفعة هذا البيت لمدة سنة أو سنتين، ولا يمكنه أن ينتفع إلا إذا أصلحت مثل هذه الأشياء.

    القسم الثالث: من أدى واجباً عن غيره يتعلق بحقه

    القسم الثالث: قال: [فصل: وقد يجتمع النوعان في صور فيؤدي عن ملك غيره واجباً يتعلق به حق].

    يقول المؤلف رحمه الله: قد يجتمع النوعان، يعني: يكون قد أدى عن غيره واجباً، وكذلك أيضاً هذه النفقة على مال الغير تعلقت النفقة بماله أو بحق من حقوقه، فإذا تعلقت بماله أو بحق من حقوقه وأدى عن غيره واجباً فإنه يرجع في هذه الحالة.

    قال المؤلف رحمه الله: [في ذلك طريقان].

    يعني أن في المذهب طريقان:

    بعض الأصحاب يقولون: على روايتين، وهي طريقة الأكثرين: يرجع، ولا يرجع. وهذا الرأي الأول.

    والرأي الثاني: أنه يرجع رواية واحدة، وهذا هو الصواب، فالصواب أنه يرجع، ومثل المؤلف رحمه الله فقال: [كالإنفاق على الحيوان الرهن والمستأجر] وهذا كما سلف الكلام عليه.

    فتلخص لنا في هذه القاعدة أن من أدى عن غيره واجباً، أو نقول: من أنفق على مال غيره، أو على أهل غيره، أو كما عبر الشيخ السعدي رحمه الله في قواعده: من أدى عن غيره واجباً من الواجبات فإنه يرجع عليه، لكن اشترطنا أن لا ينوي بذلك التبرع، فإن نوى التبرع فإنه ليس له أن يرجع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088542639

    عدد مرات الحفظ

    777226366