قال رحمه الله: [باب النذر].
تعريف النذر وأقسامه
النذر في اللغة: الإيجاب.
وأما في الاصطلاح: فهو إيجاب مكلف على نفسه عبادةً غير واجبة. والنذر ينقسم من حيث الحكم التكليفي إلى قسمين:
القسم الأول: النذر المطلق، كأن يقول: لله علي أن أصلي ركعتين، لله علي أن أصوم يوماً، أو يوم الإثنين ونحو ذلك، فهذا النذر المطلق.
القسم الثاني: النذر المعلق، وهو أن يعلق نذره على حصول منحة، أو النجاة من محنة، كأن يقول: إن شفى الله مريضي صمت كذا وكذا، أو إن سلم مالي، أو إن نجحت في الامتحان، أو إن أخذت درجة كذا وكذا، فلله علي أن أتصدق بكذا وكذا، فحكم النذر في هذين القسمين، قال بعض العلماء: إنه مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كما سيأتينا، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)، ومال بعض أهل العلم إلى أنه محرم ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والأصل في النهي التحريم، والرأي الثالث التفصيل.
أما النذر المطلق فإنه مستحب؛ لأن الله عز وجل أثنى على الذين يوفون بالنذر:
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
[الإنسان:7].
وأما النذر المعلق فهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يحملون النهي في الحديث: (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) على النذر المعلق، وهذا التفصيل قريب لوجهين:
الوجه الأول: أنك إذا تأملت نذور الناس تجد أنها في النذر المعلق، فكثير من الناس يقع في محنة، أو يرغب في منحة ثم يعلق، إن نجحت فلله علي كذا وكذا، إن شفيت من هذا المرض فلله علي كذا وكذا، أو تقول المرأة: إن سلم ولدي أو إن رجع ولدي فلله.. إلى آخره، هذا هو النذر المعلق، وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن هذا النذر فيه نوع سوء ظن بالله عز وجل، كأن الإنسان يظن بالله عز وجل سوءاً، وأن الله سبحانه وتعالى لا يحقق له مطلوبه، ولا يزيل مكروهه، إلا أن يشرط على الله عز وجل شرطاً، فهذا فيه نوع سوء ظن بجود الله وكرمه ورحمته سبحانه وتعالى، والله سبحانه غني عنه، فلهذا على المسلم أن يحذر النذر بقسميه، أما النذر المعلق فهذا لا إشكال في أنه ينهى عنه وأنه مكروه إن لم نقل بأنه محرم، وهذا هو الذي يقع فيه كثير من الناس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (
قلت: يا رسول الله! إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً -وفي رواية: يوماً- في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك) ].
الشرح:
هذا الحديث تقدم لنا في باب الاعتكاف، وتكلمنا عن مسائله، وأن من أهم مسائله: أن الاعتكاف لا يشترط له الصيام، وأن الاعتكاف يصح بلا صيام؛ لأن عمر نذر أن يعتكف ليلةً، والليل ليس محلاً للصيام.
ومن مسائله: أن النذر يصح من الكافر.
ومن مسائله: قوله: (إني كنت نذرت)، فيه أن الاعتكاف الأصل فيه أنه مستحب، لكن إذا نذره المسلم وجب عليه بالنذر.
وفيه أيضاً: وجوب الوفاء بالنذر إذا كان نذر عبادة من العبادات، والنذر كما سيأتينا ستة أقسام لا يجب الوفاء بأي قسم منها إلا بقسم واحد فقط، وهو ما إذا نذر عبادةً من العبادات، سواء كان نذراً مطلقاً أو نذراً معلقاً، أما بقية الأقسام فإنه لا يجب الوفاء بها.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد..