نقل [عن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (
أجرى النبي صلى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع)].
الشرح:
قوله: (ما ضمر من الخيل) الخيل المضمرة: هي التي تعطى من العلف والطعام حتى تسمن، ثم بعد ذلك يقلل لها هذا الطعام تدريجياً حتى تخف، ويكون ذلك أعون لها في الحركة والسرعة.
قال: (ما ضمر من الخيل من الحفياء) الحفياء: مكان خارج المدينة.
(إلى ثنية الوداع)، الثنية هي: الطريق في الجبل، وسميت هذه الثنية بثنية الوداع؛ لأن المسافر كان يلحقه أهله إلى أن يتعدى هذه الثنية ثم يودعونه، فسميت بثنية الوداع.
قال: (وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق). بنو زريق: بطن من بطون الأنصار.
(قال ابن عمر : وكنت فيمن أجرى. قال سفيان : من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة, ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل).
هذا الحديث اشتمل على مسائل:
من هذه المسائل: مشروعية المسابقات على الخيل، والخف، والنصل: السهام، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر)، يعني: لا عوض إلا في هذه الأشياء الثلاثة، ويقاس على هذه الأشياء الثلاثة ما كان في معناها من آلات الجهاد، فالمسابقة على آلات الجهاد من المسابقة المشروعة، ويجوز أخذ العوض في أقسامه الأربعة:
إذا كان العوض من الإمام.
إذا كان العوض من أحد المتسابقين.
إذا كان العوض من أجنبي.
إذا كان العوض من كل من المتسابقين.
فهذه يجوز فيها الميسر والرهان؛ لأن هذه يقصد منها المصلحة ويترتب عليها المصلحة، وهي التمرن على آلات الجهاد وقتال العدو.
وأما القسم الثاني: فهي المسابقات المحرمة، وهي كل ما يترتب عليه ضرر في الدين أو الدنيا، وهذه لا يجوز أخذ العوض عليها مطلقاً.
وأما القسم الثالث فهي المسابقات المباحة، وهي ما يترتب عليه مصلحة في الدين أو الدنيا كالسباحة، ومسابقة الجري على الأقدام، والمصارعة ونحو ذلك، فما يترتب عليه مصلحة دينية أو دنيوية فهذه يجوز أخذ العوض عليها إذا كان من الإمام أو كان من أجنبي، أما إن كان من كل منهما فهذا محرم؛ لأنه ميسر، وإن كان من أحدهما فهذا موضع خلاف والأحوط تركه.
وقوله: (إلى مسجد بني زريق) فيه أنه لا بأس أن يسمى المسجد باسم شخص من الأشخاص، نقول: مسجد فلان فهذا جائز ولا بأس به إن شاء الله.
وفي هذا أيضاً: تحديد المسافة في المسابقات؛ لأنه قال: خمسة أميال وستة، وقال: ميل.. إلى آخره.
وفيه أيضاً: أن تكون المسافة على حسب آلة السباق، ولهذا أجريت التي ضمرت خمسة أميال وستة، والتي لم تضمر ميلاً واحداً، فالمسافة تكون حسب الآلة، ومثله أيضاً أن يتسابقوا على الرمي، لا بد أن تكون الآلة تبلغ الإصابة، وإلا أصبح من الميسر.