الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
قال المؤلف رحمه الله: [المرتبة الثالثة: الإحسان].
الإحسان: هو ضد الإساءة، والإحسان ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إحسان مع الخلق.
والقسم الثاني: إحسان مع الخالق.
أما القسم الأول -وهو الإحسان مع الخلق- فهو: بذل الندى، وكف الأذى، وطلاقة الوجه، هذا الإحسان مع الخلق.
وأما القسم الثاني: الإحسان مع الله عز وجل فبينه المؤلف: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وعلى هذا يأتي بهذين الأصلين العظيمين في عبادة الله عز وجل:
الأصل الأول: الحب. والأصل الثاني: الخوف. أن تعبد الله كأنك تراه، وهذا هو غاية الحب، وإذا حصل غاية الحب حصل غاية الطلب والرغبة، فينتفي مع ذلك الرياء والسمعة والشرك، ويتحقق الإخلاص.
وفي غاية الخوف غاية الذل، وينتفي مع ذلك الشرك فلا تشرك في العبادة مع الله عز وجل أحداً.
لماذا كان الإحسان أعلى المراتب؟ الإحسان ينبني عليه هذان الأمران:
الأمر الأول: غاية الحب، وفي ذلك غاية الطلب والرغبة والتعلق بالله عز وجل.
والأمر الثاني: غاية الخوف، وفيه غاية الذل والتذلل لله عز وجل.
وإذا كان ذلك فإنه إذا تحقق في قلب الإنسان الحب والخوف ينتفي عنه الشرك، أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، وينتفي السمعة، وينتفي الرياء... إلى آخره، فيأتي بالمأمور على وجهه.
ولهذا كان الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، هذا غاية الحب، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا غاية الخوف.
قال المؤلف رحمه الله: [الأصل الثالث: معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، و
هاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام]. هذا الأصل الثالث.
لما تكلم المؤلف رحمه الله على الأصل الأول -وهو معرفة الإنسان لربه-، ثم تكلم على الأصل الثاني -وهو معرفة الإنسان دينه-، تكلم على الأصل الثالث، وهو معرفة الإنسان نبيه.
ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم تتضمن أموراً:
الأمر الأول: فيما يتعلق بنسبه، وهذا بينه المؤلف رحمه الله بقوله: (هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام).
الأمر الثاني: أين ولد؟ وإلى أين هاجر؟ وكم عمره؟ إلى آخره، بينه المؤلف رحمه الله بقوله: [وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبياً ورسولاً].
الأمر الثالث: كم حياته النبوية عليه الصلاة والسلام؟ بينها المؤلف رحمه الله بقوله: [أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبياً ورسولاً]، فالنبي عليه الصلاة والسلام حياته النبوية ثلاث وعشرون سنة.
الأمر الرابع: بم نبئ؟ وبم أرسل؟ قال المؤلف رحمه الله: [نبئ بـ(اقرأ)، وأرسل بـ (المدثر)].
والفرق بين النبي والرسول قال بعض العلماء: الرسول: ذكر وأوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.
والنبي: ذكر أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.
وقالوا بعض العلماء بأن النبي هو الذي يحكم برسالة الرسول الذي قبله، يعني: لا يوحى إليه بشرع جديد.
الأمر الخامس: ما هي بلده؟ وإلى أين هاجر؟ نقول: بلده مكة، وهاجر إلى المدينة.
الأمر السادس: بأي شيء بعثه الله عز وجل؟ بينه المؤلف رحمه الله قال: [بالنذارة عن الشرك] يعني: بالتخويف عن الشرك، والشرك تقدم، ويدعو إلى التوحيد.
قال: [والدليل قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ
[المدثر:1-7] ].
ومعنى
قُمْ فَأَنذِرْ
[المدثر:2]: ينذر عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
[المدثر:3] أي: عظمه بالتوحيد.
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
[المدثر:4] أي: طهر أعمالك عن الشرك.
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ
[المدثر:5] الرجز: الأصنام وهجرها: تركها والبراءة منها وأهلها.
وأيضاً قول الله عز وجل:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
[النحل:36] .
وأيضاً قول الله عز وجل:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
[الكهف:110] .
إن هذه الآيات ونحوها بيان لما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث للدعوة إلى التوحيد والنذارة عن الشرك.