إسلام ويب

شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [23]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلف أهل العلم في الصلاة على الغائب على أقوال، منها جواز ذلك إن لم يصل عليه أحد حيث مات، والشهيد إذا مات في المعركة لم يُغسل ولم يصلّ عليه، ولدفن الميت صفتان: صفة كمال وصفة إجزاء، وتحرم النياحة على الميت والندب ما لم يكن يسيراً.

    تابع الصلاة على القبر

    تقدم لنا في الدرس السابق شيء من أحكام الصلاة على الجنائز، وذكرنا من ذلك كيفية الصلاة، وأيضاً ما يتعلق بحكمها، وأنها تشرع جماعةً، وأيضاً تطرقنا لأركان الصلاة على الجنائز، وكذلك أيضاً ما يتعلق بالدعاء المشروع, وذكرنا أن هناك صيغاً واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي للمسلم وخصوصاً طالب العلم أن يحفظ هذه الصيغ, وأن يأتي بها في أثناء صلاته على الجنازة.

    قال المؤلف رحمه الله: (ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر إلى شهر).

    هنا مسألتان:

    المسألة الأولى: الصلاة على القبر.

    والمسألة الثانية: الصلاة على الغائب.

    الصلاة على القبر؛ المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يصلى على القبر إلى شهر من دفنه، فلو أن الإنسان فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يذهب إلى قبره وأن يصلي عليه، ومدة ذلك إلى شهر، فله أن يصلي بعد أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع إلى آخره، لكن إذا مضى شهر من دفنه ولم يصل عليه فإنه لا يتمكن من الصلاة عليه، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

    والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك قالوا: بأنه يصلى على القبر ما لم يغلب على الظن فناء الجسد، فإذا غلب على الظن أن الجسد قد فني فإنه لا يصلى عليه، وحينئذ يرجع إلى أهل الخبرة, فيسأل أهل الخبرة هل الجسد الآن باق أو أن الأرض قد أكلته؟ فإذا قال أهل الخبرة: بأن الجسد لا يبقى أكثر من شهر أو من شهرين أو من ثلاثة أشهر.. إلى آخره, إذا غلب على الظن أن الجسد قد فني فإنه لا يصلى عليه، أما إذا غلب على الظن أن الجسد لا يزال باقياً فإنه يصلى عليه.

    الرأي الثالث: ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله, الشافعية قالوا: يصلى على القبر بشرط أن يكون المصلي حين موت الميت من أهل فرض الصلاة عليه، يعني: أن يكون بالغاً، فإذا مات أحد وأنت بالغ فلك أن تصلي عليه، ولا يحدد هذا بشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر، بشرط أن تكون بالغاً، فلو أنه مات ميت وأنت غائب وقدمت بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات, وأنت من أهل فرض الصلاة عليه, يعني أنك بالغ فلك أن تصلي عليه.

    وتوسع بعض الشافعية فقالوا: يشترط أن يكون من أهل الصلاة عليه، يعني أن يكون مميزاً، فإذا مات قريب أو صديق أو نحو ذلك وأنت قد بلغت حد التمييز فلك أن تصلي عليه، وحد التمييز بعض أهل العلم يحده بسبع سنوات، وبعضهم يحده بالحال لا يحده بالسن، فيقول: إذا كان يفهم الخطاب, ويرد الجواب فهذا صبي مميز، وبعضهم يحدده بسبع سنوات، المهم أن الإنسان إذا كان مميزاً حين موت هذا الميت فله أن يصلي عليه.

    وما ذهب إليه الشافعية هو أقرب المذاهب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما سلف صلى على القبر، ولم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه حد ذلك بمدة، ما ورد التحديد.

    أما ما استدل به الحنابلة رحمهم الله من كون ( النبي عليه الصلاة والسلام صلى على أم سعد بعد موتها بشهر ), هذا يجاب عنه بجوابين:

    الجواب الأول: أنه ضعيف لا يثبت.

    والجواب الثاني: أنه لو ثبت فإن هذا حصل من النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقاً، والعلماء يقولون: ما وقع اتفاقاً لا يكون شرعاً.

    فعلى هذا نقول: الصواب في هذا ما ذهب إليه الشافعية، وأن الإنسان له أن يصلي على القبر حتى بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات بشرط أن يكون بالغاً أو أن يكون مميزاً كما هو القول الثاني عند الشافعية.

    أما إذا لم يكن مميزاً فإنه لا يصلي عليه كما لو كان صغيراً لم يميز، أو أنه ولد بعد موت الميت لا يصلي عليه؛ والدليل على ذلك: أن السلف رضي الله تعالى عنهم لم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي .

    الصلاة على الغائب

    قال المؤلف رحمه الله: [وإن كان الميت غائباً عن البلد صلى عليه بالنية].

    أيضاً الصلاة على الغائب، لو مات ميت في بلد ونحن في هذا البلد فهل نصلي عليه صلاة الغائب أو لا؟

    يقول المؤلف رحمه الله: يصلى عليه، وأيضاً المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنهم يحدون ذلك بشهر, فيقولون: يصلى على الغائب عن البلد إلى شهر، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ؛ واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي ) رحمه الله ورضي الله عنه، وهذا في الصحيحين.

    الرأي الثاني: أن الصلاة على الغائب غير مشروعة، لا تشرع الصلاة على الغائب، وهذا قول أبي حنيفة ومالك رحمه الله؛ واستدلوا على ذلك بأنه مات كثير من الصحابة في المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم خارج المدينة ولم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم.

    وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة فقال: الغائب إن صلي عليه فلا تشرع الصلاة عليه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحفظ عنه أنه كان يصلي على من مات في المدينة إذا كان خارج المدينة، فيقول شيخ الإسلام : إن صلي عليه فإنه لا يصلى عليه، وإن لم يصل عليه فإنه يصلى عليه؛ ودليل ذلك قصة النجاشي , فإن النجاشي في بلد لم يكن فيها مسلم فمات فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم, في بلد كفر.

    فنقول: الغائب إن صلي عليه لا نصلي عليه، وأما إذا لم يصل عليه فإننا نصلي عليه، وهذا هو أقرب الأقوال، وهو الذي تجتمع به أدلة المسألة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523850

    عدد مرات الحفظ

    777121227