إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [23]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حثت الشريعة على الجماعة، وأن يكون على الجماعة أمير يسمع له ويطاع، وكذا جماعة الصلاة يجب فيها متابعة الإمام، ولكن متابعته فيما هو من صحة الصلاة، فإذا كان محدثاً وجب مفارقته وإلا بطلت الصلاة، وكذا من كان عليه نجس، وتجوز إمامة من به سلس، ومن يلحن لحناً لا يح
    قال الحجاوي رحمه الله تعالى في زاد المستقنع: [ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو قيام, إلا إمام الحي المرجو زوال علته، ويصلون وراءه جلوساً ندباً، فإن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً، وتصح خلف من به سلس البول بمثله، ولا تصح خلف محدث ولا متنجس يعلم ذلك، فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت لمأموم وحده، ولا إمامة الأمي, وهو من لا يحسن الفاتحة, أو يدغم فيها ما لا يدغم، أو يبدل حرفاً, أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى إلا بمثله، وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته، وتكره إمامة اللحان والفأفاء والتمتام, ومن لا يفصح ببعض الحروف، وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن، أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق، وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما، ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه, لا مفترض بمتنفل، ولا من يصلي الظهر لمن يصلي العصر, أو غيرها].

    تقدم لنا شيء من أحكام الإمامة والإتمام، وذكرنا من ذلك ما يتعلق بأحوال المأموم مع الإمام، وذكرنا بأن أحواله أربع حالات:

    الأولى: المسابقة.

    والثانية: التخلف.

    والثالثة: الموافقة.

    والرابعة: المتابعة، وذكرنا أن المتابعة هي السنة المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا ضابطها.

    وتكلمنا أيضاً عمن هو الأولى بالإمامة، وأن هذا مراتب كما جاء في السنة، الأولى هو الأقرأ، وذكرنا من المراد بالأقرأ, ثم بعد ذلك الأعلم بالسنة، والمراد بذلك ما يتعلق بأحكام الصلاة، ثم بعد ذلك الأقدم هجرة، ثم بعد ذلك الأتقى، ثم بعد الأتقى الأسن، ثم بعد ذلك من يرضاه الجيران، ثم بعد ذلك القرعة.

    ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو قيام, إلا إمام الحي المرجو زوال علته).

    هنا شرع المؤلف رحمه الله في حكم إمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة أو شرطٍ من شروطها، ولما تقدم الكلام عن أحكام بعض الأئمة؛ كإمامة الصبي، وإمامة المرأة، وإمامة الأخرس، وإمامة الكافر، وإمامة الفاسق ذكر المؤلف رحمه الله تعالى ما يتعلق بإمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة أو شرط من شروطها.

    إمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة غير القيام

    إمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة لا يخلو من قسمين:

    القسم الأول: أن يكون عجزه عن ركن الركوع أو السجود أو القعود، فهل تصح إمامته أو لا تصح إمامته؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

    الرأي الأول: أن إمامته غير صحيحة، وهو ما مشى عليه المؤلف، وهو المذهب، ويستدلون على ذلك: بأن صلاته ناقصة، وصلاة من خلفه كاملة، ولا يبنى الكامل على الناقص، وهذا قول جمهور أهل العلم، وعلى هذا إذا كان لا يستطيع أن يسجد وإنما يومئ إيماء، أو لا يستطيع أن يركع فيومئ بالركوع إيماء أو لا يستطيع أن يقعد يقول المؤلف رحمه الله: لا تصح إمامته.

    الرأي الثاني رأي الشافعي رحمه الله: أن إمامته صحيحة؛ لعموم الأدلة، مثل: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وحديث أبي مسعود كما سلف، وحديث أبي سعيد أيضاً: ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )، وهذان الحديثان في صحيح مسلم.

    فهذه الأحاديث تدل على اعتبار القراءة، وأن الأقرأ هو الأولى بالإمامة، وهذا يشمل ما إذا كان قادراً على الركوع والسجود والقعود أو كان غير قادر، وهذا هو الصواب في هذه المسألة.

    ويؤيد ذلك ما سيأتينا إن شاء الله من دلالة السنة على صحة إمامة العاجز عن ركن القيام، فكذلك أيضاً الركوع والسجود... إلى آخره.

    إمامة العاجز عن القيام

    القسم الثاني: أن يكون عاجزاً عن ركن القيام فيقول المؤلف رحمه الله: (إلا إمام الحي المرجو زوال علته).

    أي: إذا كان عاجزاً عن ركن القيام فتصح صلاته بشرطين:

    الشرط الأول: أن يكون هذا الإمام هو إمام الحي، يعني: الإمام الراتب.

    الشرط الثاني: أن يرجى زوال علته، فإذا كانت علته لا يرجى زوالها فإن إمامته لا تصح.

    وعلى هذا لو أن إمام الحي مرض وأصبح لا يستطيع أن يقوم، ومرضه يرجى زواله فنقول بأن إمامته صحيحة.

    ولو كان غير إمام الحي فمثلاً: لو كان ثلاثة في نزهة أو أربعة ومعهم زميل لهم قارئ, لكنه مريض لا يستطيع أن يقوم، هل يؤمهم أو نقول بأنه لا يؤمهم؟

    نقول: لا يؤمهم؛ لأنه تخلف شرط, فليس هو إمام الحي.

    وكذلك أيضاً لا بد أن تكون هذه العلة يرجى زوالها، وإذا كانت هذه العلة لا يرجى زوالها فلا تصح إمامته, مثلاً: إمام الحي أصبح كبيراً لا يقدر على أن يصلي قائماً لكبره، أو لمرض مزمن لا يرجى زواله، فنقول: بأن إمامته لا تصح.

    فالمؤلف رحمه الله يقول لك: الذي يعجز عن ركن القيام تصح إمامته بهذين الشرطين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

    ودليلهم على أنها تصح فعل النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أنس رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع، فجحش شقه الأيمن، فصلى بهم وهو قاعد، فصلوا وراءه قعوداً، فقالوا: النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام الراتب، وعلته يرجى زوالها.

    والرأي الثاني في المسألة -أن إمامته لا تصح مطلقاً- هو المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ لما تقدم أنهم يقولون: بأن صلاته ناقصة، وصلاة المأمومين كاملة، والكامل لا يبنى على الناقص.

    والرأي الثالث رأي الشافعي وأيضاً قال به أبو حنيفة : أن إمامته صحيحة مطلقاً؛ لعمومات الأدلة، كما تقدم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ). حديث أبي مسعود في مسلم.

    وتقدم لنا حديث أبي سعيد , وإمامة عمرو بن سلمة ، وإمامة سالم مولى أبي حذيفة ... إلى آخره.

    وهذا القول -ما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة- هو الصواب، وعلى هذا لا نشترط شيئاً، فنقول: إمامة من عجز عن القيام صحيحة، سواء كان الإمام الراتب أو لا، وسواء كانت علته يرجى زوالها أو لا يرجى زوالها؛ لعموم الأدلة.

    لكن كما أسلفنا الإمامة شيء، وترتيبه إماماً راتباً شيء آخر، فنقول: لو صلى بالناس حتى ولو كان غير الإمام الراتب نقول: بأن صلاته صحيحة، لكن كوننا نرتبه إماماً هذا فيه شيء، وخصوصاً أنه إذا افتتح الصلاة جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً كما سيأتي.

    والخلاصة في هذه المسألة: أن العاجز عن ركن الركوع أو السجود أو القعود إمامته صحيحة مطلقاً، وكذلك أيضاً العاجز عن ركن القيام نقول: بأن إمامته صحيحة.

    كيفية صلاة المأموم خلف إمام صلى جالساً لعذر

    قال المؤلف رحمه الله: (ويصلون وراءه جلوساً ندباً، فإن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً). يقول المؤلف رحمه الله: يصلون وراءه جلوساً ندباً.

    إذا كان الإمام لا يستطيع القيام، فإنه سيصلي جالساً، فهل يصلي المأمومون جلوساً, أو يصلون قياماً؟

    المشهور من المذهب التفصيل في المسألة، وهو إن افتتح بهم الصلاة قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً, وإن افتتح الصلاة بهم جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً، هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، جمعاً بين الأدلة.

    ودليلهم على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض وتخلف، وقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ). شرع أبو بكر يصلي بالصحابة رضي الله عنهم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حصل له نشاط، وخرج وأتم بهم الصلاة، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يصلون قياماً. فنأخذ من هذا أنه إذا افتتح فيهم الصلاة قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه افتتح الصلاة بهم قائماً.

    وإن افتتح الصلاة بهم جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً؛ لما ذكرنا من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع فجحش شقه الأيمن، فصلى بهم صلاة من الصلوات وهو جالس، وصلوا وراءه جلوساً.

    وأيضاً حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ). متفق عليه. ففي هذا جمع بين الأدلة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

    وجمهور العلماء يقولون: الإمام الراتب إذا صلى جالساً فإن المأمومين يصلون خلفه قياماً، والمذهب التفصيل كما تقدم، وعند الجمهور أنهم يصلون خلفه قياماً، ويستدلون على هذا بفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قياماً كما ذكرنا، مرض النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس )، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم نشاطاً, ثم خرج وأتم بالصحابة رضي الله تعالى عنهم الصلاة، وكانوا يصلون خلفه قياماً.

    فقالوا: هذا الحديث ناسخ لحديث أنس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإذا صلى جالساً فصلوا خلفه جلوساً أجمعون ).

    والصواب في هذا: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهنا جمع الإمام رحمه الله جمعاً حسناً، أنه إن افتتح الصلاة فيهم قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً، وإن افتتحها جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً.

    وأيضاً كيف نقول: إنهم يصلون خلفه قياماً إذا افتتح بهم الصلاة جالساً, وقد نهي المأموم أن يخالف إمامه؟

    والنبي صلى الله عليه وسلم أشار للصحابة رضي الله تعالى عنهم لما صلوا خلفه قياماً وقد افتتح بهم الصلاة جالساً أشار لهم أن اجلسوا، وبين الحكمة من عدم قيامهم, وأنهم يشابهون الأعاجم في قيامهم على ملوكهم.

    فتلخص لنا أنهم يصلون خلفه جلوساً إذا افتتح الصلاة جالساً.

    وهل صلاتهم جلوساً على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟ قال المؤلف رحمه الله: ندباً، يعني: أن هذا ليس واجباً، وإنما يصلون خلفه جلوساً على سبيل الندب، وليس واجباً، وهذا هو المذهب.

    الرأي الثاني وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله: أنهم يصلون خلفه جلوساً على سبيل الوجوب، ويدل لذلك الأمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون )، وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب.

    وأيضاً ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الحكمة من النهي, بأنهم كادوا أن يشابهوا الأعاجم في قيامهم على ملوكهم، فالقول بأنهم يصلون خلفه جلوساً إذا افتتح الصلاة بهم جالساً هو القول الأقرب.

    أما إن افتتح الصلاة بهم قائماً فيصلوا خلفه قياماً على سبيل الوجوب.

    ففي المسألة الأولى يصلون جلوساً على سبيل الوجوب على الصحيح، وفي المسألة الثانية يصلون قياماً على سبيل الوجوب على الصحيح، ولهذا قال المؤلف: (ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532710

    عدد مرات الحفظ

    777171486