إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [31]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله صلاة العيدين بكيفية مخصوصة، ومما يشرع لهذه الصلاة الاجتماع، والخروج إلى الصحراء، ورفع الصوت بالتكبير والتحميد وذكر الله تعالى المطلق والمقيد، الذي تنشرح به الصدور، وتزكو به النفوس، وتشمئز له قلوب الذين لا يؤمنون بالله ورسوله.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ والقراءة ستاً، وفي الثانية: قبل القراءة خمساً، يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً، وإن أحب قال غير ذلك، ثم يقرأ جهراً في الأولى بعد الفاتحة بسبح، وبالغاشية في الثانية، فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة، يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع، يحثهم في الفطر على الصدقة، ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الأضحى في الأضحية، ويبين لهم حكمها، والتكبيرات الزوائد، والذكر بينها، والخطبتان سنة.

    ويكره التنفل قبل الصلاة وبعدها في موضعها، ويسن لمن فاتته أو بعضها قضاؤها على صفتها، ويسن التكبير المطلق في ليلتي العيدين، وفي فطر آكد، وفي كل عشر ذي الحجة، والمقيد عقب كل فريضة في جماعة، في الأضحى: من صلاة الفجر يوم عرفة، وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق، وإن نسيه قضاه ما لم يحدث، أو يخرج من المسجد، ولا يسن عقب صلاة عيد، وصفته شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد].

    تقدم لنا جملة من أحكام صلاة العيدين، فذكرنا من ذلك ما يتعلق بحكمها، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على ثلاثة آراء، وأن المشهور من مذهب الإمام أحمد: أنها فرض كفاية، وعند أبي حنيفة وهو ما اختاره شيخ الإسلام: أنها واجبة وجوباً عينياً، وعند مالك، والشافعي: أنها سنة، وذكرنا دليل كل رأي.

    وأيضاً تقدم أن من الآداب التي تشرع في يومي العيدين ما يتعلق بالاغتسال، وقلنا بأنه ثابت عن الصحابة رضي الله عنهم كـابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ومن الآداب أن يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر، وأن يذهب إلى المصلى ماشياً، وأن يبكر، وذكرنا أن التبكير يبدأ من بعد صلاة الصبح.

    ثم بعد ذلك ذكرنا هل يشترط إذن الإمام في إقامة صلاة العيد أو لا يشترط؟

    والكلام في هذه المسألة كالكلام في صلاة الجمعة، وعرفنا أنه لا يشترط في إقامتها إذن الإمام إلا في حالتين:

    الحالة الأولى: فيما يتعلق بالتعدد، فتعدد الجمعة لا بد فيه من إذن إمام، وكذلك تعدد العيدين لا بد فيه من إذن الإمام؛ لأن التعدد لا يصار إليه إلا لحاجة، وهذه الحاجة تحتاج إلى اجتهاد من الإمام.

    الحالة الثانية: إذا كان هناك ترتيب ونظام مسنون من قبل الهيئات الرسمية، فإنه يتبع ما يتعلق بهذا النظام.

    عدد تكبيرات العيد ورفع اليدين فيها

    ثم بعد ذلك ذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالتكبيرات، وذكر أنه يشرع في صلاة العيدين تكبيرات زوائد، وهذه الزوائد اختلف فيها العلماء رحمهم الله، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنها ست في الركعة الأولى دون تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية يكبر خمساً دون تكبيرة الانتقال.

    والشافعية يقولون: يكبر سبعاً دون تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً دون تكبيرة الانتقال.

    وعند أبي حنيفة : أنه يكبر ثلاثاً زوائد في الأولى، وثلاثاً زوائد في الثانية.

    وقد ورد من حديث عائشة رضي الله عنها، وله شاهد من حديث ابن عمر، وابن عباس، وابن عوف، وأبي هريرة، وأبي واقد الليثي رضي الله تعالى عن الجميع، والأمر في هذا واسع، إما أن نقول برأي الشافعية: يكبر سبعاً في الأولى دون تكبيرة الإحرام، أو نقول برأي الحنابلة: يكبر سبعاً مع تكبيرة الإحرام، وفي الثانية: يكبر خمساً زوائد دون تكبيرة الانتقال.

    قال رحمه الله تعالى: (يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستاً..).

    يعني: يكبر تكبيرة الإحرام، ثم بعد ذلك يستفتح؛ لأن الاستفتاح أليق بتكبيرة الإحرام؛ فيشرع في بدء الصلاة، إذ إنه ثناء على الله عزّ وجل، فناسب أن يكون بعد تكبيرة الإحرام مباشرة قبل التكبيرات الزوائد، ثم بعد ذلك يكبر التكبيرات الزوائد قبل أن يستعيذ ويبسمل؛ لأن الاستعاذة والبسملة تليق بالقراءة، فناسب أن تكون الاستعادة والبسملة بعد التكبيرات الزوائد وقبل القراءة، وبهذا نفهم أن تكبيرات الزوائد تكون بين الاستفتاح وبين التعوذ والبسملة.

    قال رحمه الله تعالى: (يرفع يديه مع كل تكبيرة).

    ما ذهب إليه المؤلف، هو قول الأئمة الثلاثة، في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الزوائد يرفع يديه مع كل تكبيرة، وقد ورد في ذلك حديث وائل بن حجر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير)، قال الإمام أحمد رحمه الله: أرى أن يدخل فيه هذا كله؛ لكن هذا الحديث ضعيف، وإن حسنه بعض أهل العلم، وكذلك ورد عن عمر رضي الله عنه الرفع في تكبيرات الجنائز والعيدين؛ لكن الأثر الوارد عن عمر ضعيف لا يثبت.

    وورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويقاس على ذلك كما سيأتينا حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم:كان يرفع يديه في تكبيرة الجنائز)، وهذا الحديث رواه الدارقطني، وصححه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد ورد عن ابن عباس، وزيد، وابن عمر، من الصحابة رضي الله عنهم، كما سيأتينا في صلاة الجنازة.

    الخلاصة في ذلك أن نقول: إنه يشرع الرفع في التكبيرات كلها، والدليل على ذلك حديث وائل بن حجر وورد عن ابن عمر، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم: القياس على الرفع في تكبيرة الجنائز.

    أما أبو حنيفة رحمه الله فقال: يرفع يديه في تكبيرة الإحرام، وما عدا ذلك لا يرفع، والصواب في هذه المسألة رأي الأئمة الثلاثة أنه يرفع يديه في التكبيرات كلها؛ لأنك لو استقرأت السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفريضة تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والتكبيرات الزوائد نجد أنها بين الحالتين:

    فالنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الصلاة رفع يديه، وعند نهاية الركعة رفع يديه، فما بين التكبيرتين رفع الأيدي فيه أقرب إلى السنة من ترك الرفع.

    صفة الذكر بين التكبيرات في العيدين

    قال رحمه الله: (ويقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً).

    يقول هذا الذكر ولا يتعين، فإذا رفعت يديك فلك أن تقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر، ولك أن تقول ذكراً غيره، نحو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ودليل هذا: ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: بين كل تكبيرتين كلمة، وهذا الأثر أخرجه البيهقي، وإسناده حسن إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو مذهب الشافعية، خلافاً لـأبي حنيفة ومالك .

    واستدلوا بأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء؛ لكن ما دام أنه قد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولم يرد عن صحابيّ خلافه، فإن الأمر في هذا واسع، وعلى هذا لو أن الإنسان أخذ بما ذهب إليه المؤلف -وقد قال به: الشافعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيحمد الله ويثنى عليه، ويذكر الله- فيرجى له الأجر عند الله لوروده عن ابن مسعود، ولكنه لا يتعين، فإذا قلت: الله أكبر، اللهم صل على محمد، الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، والله أكبر، جاز.

    قال رحمه الله: (وإن أحب قال غير ذلك).

    لأن ابن مسعود قال: بين كل تكبيرتين كلمة، وهذا يشمل ما ذكره المؤلف، ويشمل غيره من الأذكار.

    صفة القراءة في العيدين

    قال رحمه الله: (ثم يقرأ جهراً: في الأولى بعد الفاتحة بسبح، وبالغاشية في الثانية).

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات التي تكون في المجامع التي ويجتمع لها الناس، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر فيها، وإلا فالأصل أن صلاة النهار عجماء؛ لكن ما يتعلق بصلاة المجامع نجد أنه كان يجهر فيها، كصلاة العيدين والجمعة، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء... إلخ.

    قال رحمه الله: (يقرأ بعد الفاتحة بسبح، وبالغاشية في الثانية).

    القراءة في صلاة العيدين ورد لها سنتان:

    السنة الأولى: أن يقرأ في الركعة الأولى بسبح، والثانية بالغاشية.

    السنة الثانية: أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، وفي الركعة الثانية ب: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، هاتان سنتان واردتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما سلف في القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما يتعلق بالسنن التي وردت على وجوه متنوعة: أنه يستحب أن يأتي بهذه السنة تارة، وبهذه السنة تارة أخرى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523302

    عدد مرات الحفظ

    777118419