إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [12]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا أقام الحاج أو اتجر بعد طواف الوداع أعاده؛ لأنه لم يجعله آخر عهده بالبيت، ويتداخل طواف الوداع مع طوافي الزيارة والإفاضة كما في قاعدة تداخل العبادات، وتستحب زيارة المسجد النبوي، ويستحب لمن زاره أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أما العمرة فلها صفة أ
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع، فإن أقام أو اتجر بعده أعاده، وإن تركه غير حائض رجع إليه، فإن شق أو لم يرجع فعليه دم، وإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع، ويقف غير الحائض بين الركن والباب داعياً بما ورد، وتقف الحائض ببابه وتدعو بالدعاء، ويستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبري صاحبيه.

    وصفة العمرة: أن يحرم بها من الميقات، أو من أدنى الحل من مكي ونحوه لا من الحرم، فإذا طاف وسعى وقصر حل، وتباح كل وقت وتجزئ عن الفرض.

    وأركان الحج: الإحرام، والوقوف، وطواف الزيارة، والسعي.

    وواجباته: الإحرام من الميقات المعتبر له، والوقوف بعرفة إلى الغروب، والمبيت لغير أهل السقاية والرعاية بمنى، ومزدلفة إلى بعد نصف الليل، والرمي والحلاق والوداع، والباقي سنن. وأركان العمرة: إحرام وطواف وسعي، وواجباتها الحلاق والإحرام من ميقاتها].

    تكلمنا في الدرس السابق عن شيء من أحكام الرمي في أيام التشريق، وذكرنا من هذه الأحكام ما يتعلق بوقت الرمي، وأن وقت الرمي يبدأ من بعد الزوال على الصحيح من أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى، وأنه يستمر إلى طلوع الفجر الثاني من اليوم الثاني عشر بالنسبة لليوم الحادي عشر وهكذا.

    وأيضاً هل يصح جمع الرمي في يوم واحد أو لا يصح؟ ذكرنا أن الشافعية والحنابلة يرون أنه يصح للحاج أن يجمع الرمي في آخر يوم، وأما الحنفية والمالكية فيرون أن ذلك لا يصح، وأنه يجب أن يرمي كل يوم بيومه، وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة أنه يصح أن يجمع عند العذر، سواء كان العذر عاماً أو خاصاً، وكذلك أيضاً تكلمنا عن حكم الترتيب بين رمي الجمرات الثلاث، وأن أكثر أهل العلم يرون أن الترتيب شرط، وأن الحنفية يرون أن الترتيب سنة، وكذلك أيضاً ما يتعلق بالموالاة، وأن موالاة الرمي شرط من شروط صحة الرمي.

    ذكرنا أيضاً ما يتعلق بكيفية الرمي، وذكرنا كيفية الرمي إذا أراد أن يرمي الجمرة الأولى، وإذا أراد أن يرمي الجمرة الوسطى ثم العقبة، وما ذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى، وما اعتمدوا عليه، وذكرنا أن الصواب أنه لم يرد شيء بما يتعلق بكيفية الرمي في مكان الوقوف، وأنه لم يرد إلا فيما يتعلق بجمرة العقبة، هذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك ذكرنا أيضاً جملةً من أحكام التعجل وجملةً من مسائله، ومتى يكون التعجل، وذكرنا أن التعجل عند جمهور أهل العلم يكون قبل غروب الشمس، وأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم خلافاً للحنفية الذين يرون أن التعجل يمتد إلى طلوع الفجر الثاني من اليوم الثالث عشر.

    وكذلك أيضاً ذكرنا فيما إذا غربت عليه الشمس وهو في سيره للخروج، أو إذا غربت عليه الشمس وهو يشد رحله، أو إذا غربت الشمس وهو يرمي الجمار، هل له أن يتعجل أو ليس له أن يتعجل؟ وذكرنا أنه في هذه المسائل كلها يظهر والله أعلم أن له حق التعجل، (ومن أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، أما إن غربت عليه الشمس وهو لم يشرع في الرمي، الظاهر والله أعلم أنه ليس له أن يتعجل ولو كان في سيره إلى المرمى.

    وكذلك أيضاً ما يتعلق بالرجوع إلى منى، وأنه لا بأس لو تعجل وخرج من منى بنية التعجل ثم بعد ذلك عاد إليها مرةً أخرى لكي يبيت أو لكي يزور صديقاً أو نحو ذلك، أو لرحله، فإن هذا جائز ولا بأس به.

    أيضاً تكلمنا عن جملة من أحكام طواف الوداع، وذكرنا من هذه الأحكام حكم طواف الوداع بالنسبة للحج، هل هو واجب أو سنة؟ وذكرنا أن المشهور من مذهب الشافعي وأحمد أنه واجب، وعند الحنفية والمالكية أنه سنة.

    وكذلك أيضاً تكلمنا على مسألة من مسائل طواف الوداع، وهي: متى يبدأ؟ وذكرنا أن جمهور أهل العلم أنه يبدأ من بعد الفراغ من أعمال الحج، وهذا هو الذي دلت له السنة كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من الرمي في اليوم الثالث عشر أتى المحصب وبات به في تلك الليلة، ثم بعد ذلك لما كان من آخر الليل آذن بالرحيل، فطاف للوداع فأدركته صلاة الصبح فصلى الصبح ثم خرج إلى المدينة، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل طواف الوداع بعد نهاية أعمال الحج خلافاً لما ذهب إليه الحنفية رحمهم الله تعالى من أن طواف الوداع يبدأ من بعد طواف الإفاضة، وذكرنا أن هذا فيه نظر، وهو مخالف لما دلت عليه السنة.

    كذلك أيضاً من المسائل التي سبق أن أشرنا إليها فيما تقدم: المكي هل يجب عليه طواف الوداع أو لا؟ وذكرنا أن المكي لا يجب عليه طواف الوداع، وكذلك أيضاً الفقهاء رحمهم الله تعالى يقولون: كل من كان في مكة أو من كان في الحرم فإنه لا وداع عليه، لكن أيضاً ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى: أن المكي إذا أراد أن يخرج بعد نهاية النسك وأراد أن يسافر فإنه يأخذ حكم الأفقي، وأنه يوادع، أما إذا لم يرد الخروج مباشرةً بعد النسك فإنه لا وداع عليه.

    أيضاً من المسائل المتعلقة بطواف الوداع، هل طواف الوداع من مناسك الحج أو أنه ليس من مناسك الحج؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

    الرأي الأول: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن طواف الوداع من جملة مناسك الحج.

    وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن طواف الوداع ليس من المناسك، وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة.

    إعادة طواف الوداع

    قال المؤلف رحمه الله: ( فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع، فإن أقام أو اتجر بعده أعاده ).

    إذا أقام بعد طواف الوداع أو اتجر، يعني: عمل بالتجارة فإنه يعيد طواف الوداع؛ لأنه لم يجعله آخر عهده بالبيت، والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف)، فإذا اتجر أو أقام لم يجعله آخر عهده بالبيت، وضابط الإقامة راجع إلى العرف؛ لأن هذا لم يرد في الشرع، فما دل العرف على أنه أقام إقامةً طويلة عرفاً فإنه ينتقض عليه وداعه، أما إن كانت الإقامة يسيرة عرفاً فإنه لا يضره ذلك، وبهذا نعرف أن هناك مسائل استثناها العلماء رحمهم الله تعالى ولو طالت إقامة الموادع:

    المسألة الأولى: إذا أقام لانتظار الرفقة فإن هذا لا يضر، ويدل لذلك حديث عائشة فإن النبي صلى الله عليه وسلم انتظر عائشة بعد طواف الوداع؛ لأن عائشة رضي الله تعالى عنها بعد نهاية النسك استأذنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تأخذ عمرة، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم، وانتظرها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العلماء رحمهم الله: إذا انتظر رفقةً فإنه لا يضره ولو طالت إقامته، وهذا يحصل اليوم كثيراً في الحملات، فتجد أن كثيراً من الناس يوادع ومن رفقائه من لا يتمكن من الوداع إلا بعد فترة، أو أنه ينتظر خروج السيارة وقد لا يتمكن، أو مجيء وقت الطائرة، أو أن وقت الطائرة يتخلف عليه ونحو ذلك، فما دام أنه ينتظر الرفقة فإن هذا لا يضر، هذه المسألة الأولى.

    المسألة الثانية: إذا اشتغل بأسباب السفر، فإنه لا يضره ولو طالت إقامته وجلس يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام... إلى آخره، وكما لو اشتغل بشد الرحل، ومثل ذلك أيضاً: لو احتاجت السيارة إلى إصلاح، تعطلت عليه السيارة واضطر إلى أن يمكث بمكة، فإن هذا لا يضره.

    المسألة الثالثة مما يستثنى: ما إذا كان ذلك شيئاً يسيراً، كما لو اشترى في طريقه أو أكل أو شرب ونحو ذلك كما تقدم لنا، إذا كان هذا شيئاً يسيراً عرفاً فإنه لا يضره.

    فإذا وادع يجب عليه أن يخرج من بنيان مكة، فإذا خرج من بنيان مكة كفى حتى لو أقام ونام ونحو ذلك، المهم أنه يفارق بنيان مكة.

    قال المؤلف: ( وإن تركه غير حائض رجع إليه ).

    قوله: (غير حائض) يخرج الحائض والنفساء؛ لأنهما خفف عنهما بترك الوداع، لكن لو طهرتا قبل مفارقة بنيان مكة فإنه يجب عليهما أن يرجعا وأن يطوفا للوداع.

    قال: ( فإن شق أو لم يرجع فعليه دم ).

    يعني لو أن الحاج خرج وهو لم يطف طواف الوداع فيلزمه دم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج، لكن يجب عليه أن يرجع إلا في مسألتين لا يجب عليه أن يرجع فيهما:

    الأولى: إذا بلغ مسافة قصر؛ لأنه ترتب عليه الدم ولا فائدة من الرجوع.

    الحالة الثانية: إذا شق عليه الرجوع لا يجب عليه أن يرجع ويلحقه دم، لكن لو رجع سقط عنه الدم ما دام أنه ما بلغ مسافة قصر، والتحديد بمسافة قصر هذا لا دليل عليه، ويظهر والله أعلم أن يقال: إن تباعد عن مكة عرفاً؛ لأن ما جاء مطلقاً على لسان الشارع يرجع في تحديده إلى العرف، فنقول: إن تباعد عن مكة عرفاً ترتب عليه الدم، أما إذا لم يتباعد عن مكة عرفاً فإنه يجب أن يرجع، فإن لم يرجع فإنه يلزمه دم. ‏

    تداخل طواف الوداع مع طوافي الزيارة والإفاضة

    قال رحمه الله تعالى: ( وإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع ).

    وهذا من تداخل العبادات، وسبق أن تكلمنا على قاعدة تداخل العبادات، وذكرنا أن من أدلة تداخل العبادات هذه المسألة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وشبك بين أصابعه).

    فإذا أخر طواف الوداع وطافه عند الخروج فله ثلاث حالات:

    الحالة الأولى: أن ينوي بذلك طواف الإفاضة، فهذا يجزئه عن طواف الوداع؛ لأن المراد من طواف الوداع أن يجعل آخر عهده بالبيت، وهو الآن جعل آخر عهده بالبيت.

    الحالة الثانية: أن ينوي الطوافين: طواف الإفاضة وطواف الوداع، فكذلك أيضاً يجزئ عنهما جميعاً.

    الحالة الثالثة: أن ينوي الوداع فلا يجزئه عن طواف الإفاضة.

    وإذا أخر طواف الإفاضة وفعله عند خروجه ثم سعى بعد ذلك فإنه لا يضره السعي؛ لأن السعي مع الطواف كالشيء الواحد، فهو جعل آخر عهده بالبيت حكماً، ولو أنه قدم السعي ثم طاف فإن هذا أيضاً جائز لما سبق أن ذكرنا أن الأنساك فيما بعد يوم عرفة ويوم النحر وما بعده لو قدم بعضها على بعض فإن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج).

    الدعاء عند الملتزم

    قال: ( ويقف غير الحائض بين الركن والباب داعياً بما ورد ).

    الوقوف بين الركن والباب وهو الوقوف بالملتزم، أولاً ما هو الملتزم؟ يقول: الملتزم هو ما بين الركن والباب، هذا الملتزم كما جاء عن الصحابة بأسانيد صحيحة.

    يقول المؤلف رحمه الله: ( داعياً بما ورد ).

    ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الالتزام يكون بعد طواف الوداع، وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: يجوز أن يفعل هذا الالتزام قبل طواف الوداع وبعد طواف الوداع، وقال بأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة، ولهذا نقول: الالتزام الصحيح خلاف ما يفهم من ظاهر كلام المؤلف أنه يكون بعد طواف الوداع، وأنه سواء فعله بعد الوداع أو قبل الوداع فهذا كله جائز ولا بأس به، وذكر العلماء رحمهم الله أنه يضع جانب وجهه وصدره وذراعيه على البيت.

    وقال المؤلف رحمه الله تعالى: ( داعياً بما ورد )، الوارد ذكره عن العلماء رحمهم الله تعالى أن يقول: اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلدك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي... إلى آخره.

    هذا الذكر لم يثبت به شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، نقول: هذا الذكر الذي يذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وعلى هذا نقول بأنه يلتزم كما فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة.

    قال: ( وتقف الحائض ببابه، وتدعو بالدعاء ).

    يقول المؤلف رحمه الله: الحائض تقف بباب المسجد الحرام؛ لأن الحائضة ممنوعة من دخول المسجد، وتدعو بالدعاء الذي سبق، ووقوف الحائض بالمسجد لا دليل عليه، بل أنكره ابن عباس ؛ فـابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنكر أن يقوم أحد مستقبلاً البيت، وأن يقف بالباب ويدعو وقال بأن هذا يشبه فعل اليهود، هذا الآن ثابت عن ابن عباس بإسناد حسن، وأيضاً صفية رضي الله تعالى عنها كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها حاضت، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحابستنا هي؟! قال: يا رسول الله! إنها أفاضت، قال: فلتنفر إذاً)، فما أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم أن تقف بالباب وأن تدعو بهذا الدعاء، والصواب في ذلك أن هذا غير مشروع، بل كما ذكرنا أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنكر أن يقوم بالباب ويستقبل البيت ويدعو، وقال بأن هذا يشبه فعل اليهود.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088526894

    عدد مرات الحفظ

    777138543