إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [35]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عقد الإجارة من العقود اللازمة، فلا يجوز لأحدهما الفسخ إلاَّ برضا الطرف الآخر، وتنفسخ الإجارة بتلف العين المؤجرة، وبعدم القدرة على استيفاء المنفعة، ولا تنفسخ بموت المتعاقدين أو أحدهما، والأجير الخاص لا يضمن ما جنته يداه خطأ، وكذا الطبيب الحاذق سواء جنت يدا
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة، وعلى المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل، ورحله، وحزامه، والشد عليه، وشد الأحمال، والمحامل، والرفع، والحط، ولزوم البعير، ومفاتيح الدار وعمارتها، فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة.

    فصل: وهي عقد لازم، فإن آجره شيئاً ومنعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له، وإن بدأ الآخر قبل انقضائها فعليه، وتنفسخ بتلف العين المؤجرة، وبموت المرتضع، والراكب إن لم يخلف بدلاً، وانقلاع ضرس أو برئه ونحوه، لا بموت المتعاقدين أو أحدهما، ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه.

    وإن اكترى داراً فانهدمت، أو أرضاً لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت انفسخت الإجارة في الباقي، وإن وجد العين معيبة، أو حدث بها عيب فله الفسخ وعليه أجرة ما مضى، ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأً، ولا حجام وطبيب وبيطار لم تجن أيديهم إن عرف حذقهم ].

    تقدم لنا ما يتعلق بشروط العين المؤجرة، وتقدم أن من هذه الشروط معرفتها، وذكرنا طريقة المعرفة، وكذلك أيضاً القدرة على التسليم، وذكرنا دليل ذلك، وكلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة، كذلك أيضاً تقدم معنا ما يتعلق بشروط العين المؤجرة.

    وتقدم لنا أيضاً من أحكام الإجارة ما يتعلق بإجارة الوقف، وذكرنا أن إجارة الوقف صحيحة؛ لأن الموقوف عليه مالك للمنفعة، وإذا كان كذلك فله أن يستوفيها بنفسه أو بنائبه عن طريق الإجارة.

    ولكن ذكرنا أن الموقوف عليه لا يملك تأجير الوقف مدة طويلة، وذكرنا أيضاً حكم تأجير العين المؤجرة هل يملك المستأجر أن يؤجر العين المؤجرة؟

    فمثلاً: لو استأجر دكاناً فهل يملك أن يؤجره لغيره أو لا؟

    تقدم أنه يملك أن يؤجره بمثل الضرر أو بأقل منه، أما أن يؤجره بأكثر ضرراً فإن هذا لا يجوز.. إلخ ما تقدم.

    المقصود بأخذ الأجرة على القربات

    ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة ).

    هذه المسألة تعرف بما يسمى بأخذ الأجرة على القربات، هل يصح أخذ الأجرة على القربة وعلى فعل العبادة؟

    والمقصود بالقربة: ما يتقرب إلى الله عز وجل به وهي العبادات، فهل يصح أخذ الأجرة على العبادات أو لا؟ كأخذ الأجرة على الإمامة، والأذان، والخطابة، والقضاء، والفتيا، والتدريس، وغير ذلك، أو أن هذا لا يصح؟

    أقسام أخذ المال على القربات

    سبق أن ذكرنا أن أخذ المال على القربات ينقسم إلى أربعة أقسام:

    القسم الأول: أخذ الرزق من بيت المال فهذا جائز ولا بأس به؛ لأن بيت المال موضوع لمثل هذه المصالح، وقد جاء أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا محذورة صرة من فضة )، وكان أبو محذورة مؤذناً.

    القسم الثاني: أخذ الجعل بلا مشارطة كأن يقول قائل: من أذن في هذا المسجد فله كذا وكذا، فهذا أيضاً جائز ولا بأس به.

    القسم الثالث: الأخذ بلا مشارطة كأن يؤذن أو أن يؤم الناس في رمضان مثلاً، أو أن يدرس، ونحو ذلك، ثم يعطى فهذا جائز ولا بأس به.

    القسم الرابع: وهو ما يتعلق بأخذ الأجرة وهو ما يكون عن طريق المؤاجرة والمشارطة، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟

    فهذه المسألة موضع كلام كثير للعلماء رحمهم الله تعالى، فهم يفصلون في العبادات ويتكلمون على كل عبادة، وقد أفردت هذه المسألة بمؤلفات مستقلة.

    أقوال الفقهاء في أخذ الأجرة على القربات

    والخلاصة في ذلك: أن أضيق الناس في هذه المسألة هم الحنابلة والحنفية، ففي الجملة لا يرون أخذ الأجرة على القرب، وأوسع الناس في هذه المسألة هم المالكية، ثم يأتي من بعدهم الشافعية.

    فعندنا في الجملة أخذ الأجرة على القرب في العبادات للعلماء رحمهم الله تعالى قولان:

    القول الأول: وهو قول الحنفية والحنابلة: أنه لا يصح أخذ الأجرة على العبادات.

    والقول الثاني: وهو قول المالكية والشافعية: أنه يصح، وهذا في الجملة، وإن كانوا يستثنون بعض الصور أنه يصح أخذ الأجرة على القُرَب، ولكل منهم دليل.

    أدلة من قال بعدم جواز أخذ الأجرة على القربات

    فأما الذين قالوا بأنه لا يجوز أخذ الأجرة على القرب فاستدلوا بأدلة، ومن أدلتهم حديث عثمان بن أبي العاص ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً )، وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الترمذي .

    وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، وفيه: ( أن عبادة رضي الله تعالى عنه علم الناس من أهل الصفة القرآن والكتابة، فأهدى إليه رجل قوساً، قال: فقلت: هذه قوس وليست بمال أتقلدها في سبيل الله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن يقلدك الله قوساً من نار فاقبلها ). وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والإمام أبو داود وابن ماجه لكنه ضعيف لا يثبت.

    وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عبد الرحمن بن شبل وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرؤوا القرآن ) إلى أن قال: ( ولا تأكلوا به )، وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني .

    أدلة من قال بجواز أخذ الأجرة على القربات

    والذين قالوا: يصح أخذ الأجرة على القرب استدلوا بأدلة، ومن أدلتهم حديث سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وقوله: ( كتاب الله ) هذا شامل، وفي حديث أبي سعيد في قصة السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا أناساً من العرب فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم، فأتوا إلى الصحابة رضي الله عنهم وسألوهم قارئاً يرقي، فقام أحد الصحابة وجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، وقبل ذلك شارطوهم وقالوا: لا نرقي إلا بكذا وكذا من الغنم، فجعل يقرأ عليه فاتحة الكتاب فقام كأنما نشط من عقال، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذوا واضربوا لي معكم بسهم )، وحديث سهل : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه في قصة الواهبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( زوجتكها بما معك من القرآن )، فهذه الأدلة تدل لما ذهب إليه المالكية والشافعية.

    والأقرب في هذه المسألة أن يقال: إنه يُتوقف على النص، فما دل النص على أنه لا تؤخذ عليه الأجرة، وذلك كالعبادات المحضة التي ليست متعدية، فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه، مثل: الأذان، والإمامة، والخطابة.. إلخ، فهذه دل النص كما في حديث عثمان بن أبي العاص أنه لا تجوز الإجارة عليها.

    أما ما عدا ذلك كالإجارة على الحج، والإجارة على تعليم القرآن، والفتيا، والقضاء، ونحو ذلك، فالذي يظهر والله أعلم أن هذا جائز ولا بأس به؛ ويدل لما سلف من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، كما تقدم أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( زوجتكها بما معك من القرآن ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524164

    عدد مرات الحفظ

    777122119