إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب الوقف [5]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الهبة جائزة شرعاً، ولا يجوز الرجوع فيها إلا لأب بشروط منها: بقاء الملكية للابن وعدم تعلقها بحق الغير، ويجوز للأب أخذ مال ولده إن زاد على حاجته ولم يضره. وله التصرف فيه بشرط الرجوع في الهبة أو التملك في المال. ولا يجوز للولد أن يطالب أباه عند الحاكم إلا بن
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة، إلا الأب، وله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، فإن تصرف في ماله ولو فيما وهبه له ببيع، أو عتق، أو إبراء، أو أراد أخذه قبل رجوعه، أو تملكه بقول، أو نية، وقبض معتبر، لم يصح، بل بعده، وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه، إلا نفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها، وحبسه عليها.

    فصل: في تصرفات المريض.

    من مرضه غير مخوف، كوجع ضرس، وعين، وصداع يسير، فتصرفه لازم كالصحيح ولو مات منه، وإن كان مخوفًا كبرسام، وذات الجنب، ووجع قلب، ودوام قيام، ورعاف، وأول فالج، وآخر سل، والحمى المطبقة، والربع، وما قال طبيبان مسلمان عدلان: إنه مخوف، ومن وقع الطاعون ببلده، ومن أخذها الطلق، لا يلزم تبرعه لوارث بشيء، ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها إذا مات منه، وإن عوفي فكصحيح، ومن امتد مرضه بجذام، أو سل، أو فالج، ولم يقطعه بفراش، فمن كل ماله، والعكس بالعكس، ويعتبر الثلث عند موته، ويسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويبدأ بالأول فالأول في العطية، ولا يملك الرجوع فيها].

    تقدم تعريف الهبة في اللغة والاصطلاح، وذكرنا أيضاً بعض المسائل المتعلقة بالهبة، وذكرنا من ذلك هل تصح هبة المجهول أو لا؟ وهل تصح هبة المعدوم أو لا؟ وكذلك أيضاً: ما لا يقدر على تسليمه، وذكرنا أن مثل هذه الأشياء أو أن هبة هذه الأشياء صحيحة، وأن باب التبرعات أوسع من باب المعاوضات، وتكلمنا أيضاً عن صيغة الهبة، وكذلك أيضًا ما يتعلق بالتعديل بين الأولاد في الهبة، وهل يجب أو لا يجب؟ وذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة.

    رجوع الوالد عن هبته

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة إلا الأب). يقول المؤلف رحمه الله: الواهب لا يجوز له أن يرجع في هبته اللازمة، وتقدم لنا متى تلزم الهبة؟ وأن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان:

    الرأي الأول: أنها لا تلزم إلا بالقبض.

    والرأي الثاني: أنها تلزم بمجرد العقد.

    والمؤلف رحمه الله تعالى يرى أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فيقول: لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته إذا كانت لازمة، ويفهم منه أنه إذا كانت غير لازمة أن له أن يرجع، ودليلهم على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه )، وهذا يدل على أنه لا يجوز الرجوع في الهبة؛ لأن الهبة أخرجها الواهب لله عزّ وجل، فلا يجوز له أن يرجع فيها.

    واستثنى المؤلف رحمه الله الأب، فقال: إن الأب يجوز له أن يرجع، ودليل ذلك: حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـبشير بن سعد لما خصص النعمان بالهبة، قال: ( فارجع )، وقال: ( اردده )، وأيضاً جاء في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده )، وهذا صححه الترمذي من حديث عمر، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والحديث ظاهر في أن الأب له أن يرجع في هبته، وهذا قول جمهور العلماء، وهو الرأي الأول.

    والرأي الثاني: أن الأب ليس له أن يرجع في هبته لعموم الحديث، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الثوري أن الأب ليس له أن يرجع في هبته لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالكلب )، وهذا يشمل الأب؛ لكن الجواب عن هذا سهل، فنقول: هذا الحديث مخصص، نعم خصص بحديث عمر وابن عباس : ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد ).

    وأيضاً نفهم أن الأب فيما يتعلق بالولد له أحكام خاصة، خصوصاً فيما يتعلق بالمال فإن له أحكاماً خاصة، ولهذا سيأتينا أن الأب له أن يتملك من مال ولده، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله: (إلا الأب)، أن الأم ليس لها أن ترجع، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو الرأي الأول.

    والرأي الثاني: أن الأم لها أن ترجع، وهو قول الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلا الوالد )، فإن الوالد يشمل الأب والأم.

    موانع رجوع الأب في الهبة

    ورجوع الأب في الهبة يذكر العلماء رحمهم الله له موانع كثيرة، أي: أن الأب له أن يرجع فيما وهبه لولده ما لم يوجد مانع من الموانع التي تمنع الرجوع، والفقهاء رحمهم الله يعددون موانع كثيرة تصل إلى أكثر من عشرين مانعاً، هذه تمنع من رجوع الأب في هبته، بعضها مسلَّم وبعضها غير مسلَّم، فمن هذه الموانع: أن تكون الهبة باقية في ملك الولد، فإن نقل الملك فيها بأن باعها، أو وهبها، أو وقفها ونحو ذلك، فليس للأب أن يرجع.

    أيضاً من الموانع: ألا يتعلق بها حق للغير، فإن تعلق بالهبة حق للغير كرهن، مثلاً: الولد اقترض ورهن الهبة، فالأب ليس له أن يرجع؛ لما في ذلك من إبطال حق الغير، حتى ينفك التعلق، فإذا تعلق بها حق للغير ليس له أن يرجع.

    ومن الموانع: الزيادة، والزيادة تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: أن تكون الزيادة منفصلة، فهذه لا تمنع الرجوع، فمثلاً: لو وهب ولده شاة وولدت الشاة، فهل للأب أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ نقول: له أن يرجع في الشاة؛ لكن ولد الشاة للولد، وتبقى الشاة له أن يرجع فيها.

    القسم الثاني: أن تكون الزيادة متصلة، فهل له أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، والمشهور من المذهب: أنه ليس له أن يرجع، مثلاً: لو وهبه شاةً وسمنت هذه الشاة، فهل للأب أن يرجع بعد أن سمنت؟ المذهب ليس له أن يرجع، والصواب: له أن يرجع حتى ولو سمنت وزادت زيادة متصلة، وتكون الزيادة المتصلة لمن؟ تكون للولد، مثلاً: لو فرضنا أن الشاة كانت قيمتها أربعمائة، ثم زادت عند الولد سمنت، وأصبحت تساوي خمسمائة، الأب والولد يشتركان في الشاة، هذا له أربعة أخماس، وهذا له خمس.

    كذلك أيضاً: من الموانع التي ذكرها الإمام مالك رحمه الله، وكذلك أيضًا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يشترط ألا يتعلق بالولد رغبةٌ بسبب الهبة، فمثلاً: لو أن أباً وهب ولده مائة ألف، فلما كان الولد عنده مائة ألف رغب الناس في معاملته، بايعوه، واشتركوا معه، وزوجوه؛ لأن عنده مالاً فتعلق بالولد رغبة من الناس، وبسبب هذه الرغبة حصلت المعاملة، فهل للوالد أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ فهذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله:

    الرأي الأول: أنه ليس له أن يرجع، وهذا رأي الإمام مالك رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد، لما في ذلك من الإضرار بالناس؛ لأن الناس تعاملوا معه.

    الرأي الثاني: رأي ابن حزم وهو أيضاً رواية عن الإمام أحمد أن له أن يرجع لعموم الأدلة.

    والرأي الثالث: التفصيل وهو رأي شيخ الإسلام : أنه ليس له أن يرجع بمقدار تلك الرغبة، وهذا القول وسط وهو العدل، ولنفرض أن الأب وهب ولده مليون ريالٍ فالناس لو وهب مائة ألف رغبوا في معاملته، يرجع بتسعمائة ألف، هذا هو العدل، المائة التي تعلق بها رغبة الناس وعاملوه من أجلها هذا ليس له أن يرجع، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088545689

    عدد مرات الحفظ

    777240967